عواصم- الوكالات
ينطلق غدا الأربعاء المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة دافوس السويسرية، رافعا شعار "إعادة تشكيل ملامح العالم.. العواقب على المجتمع وعالم السياسة والأعمال"، فيما تتصدر قضايا النمو الصيني والأزمة السورية والأوضاع في الشرق الأوسط، ملفات المنتدى الذي يشارك فيه خبراء وزعماء دول العالم.
وأصدر المنتدى تقريرًا قبل انعقاد جلساته، قرع فيها ناقوس الخطر من أنّ الفجوة المزمنة بين الأغنياء والفقراء آخذة في الاتساع، وهو ما يشكل أكبر تهديد للعالم في 2014، حتى مع بدء تعافي الاقتصادات في دول كثيرة. وخلص المنتدى الاقتصادي العالمي في تقييمه السنوي للمخاطر العالمية والذي يمهد لاجتماعه المقرر اليوم الأربعاء إلى أنّ التفاوت في الدخل والاضطرابات الاجتماعيّة المصاحبة له هي المشكلة التي سيكون لها على الأرجح تأثير كبير على الاقتصاد العالمي في السنوات العشر المقبلة. وحذّر المنتدى من أنّ هناك جيلا "ضائعًا" من الشباب يبدأ مشوار الحياة العملية في العقد الحالي يفتقر للوظائف وفي بعض الأحيان إلى المهارات الملائمة للعمل وهو ما يؤجج إحباطا مكبوتا. وقد يتحول هذا الاحباط إلى اضطرابات اجتماعية كما شوهد بالفعل في موجة الاحتجاجات على التفاوت في الدخل والفساد في دول من تايلاند إلى البرازيل. وقالت جنيفر بلانك كبيرة الخبراء الاقتصاديين بالمنتدى الاقتصادي العالمي "السخط يمكن أن يؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي لاسيما إذا شعر الشبان بأنّه ليس لهم مستقبل". وأضافت قائلة "هذا شيء يؤثر على الجميع".
ووضع مسح شارك فيه أكثر من 700 خبير عالمي الطقس الشديد السوء كثاني العوامل التي من المرجح أن تسبب صدمات للأنظمة فيما يعكس زيادة متوقّعة في الظروف الجوية السيئة مثل موجة البرد القارس في الولايات المتحدة هذا الشتاء. وقال التقرير إنّ مخاطر حدوث أزمات مالية بسبب الأوضاع المالية العامة المضطربة لا تزال التهديد القادر على إحداث أكبر تأثير اقتصادي لكن احتمال حدوث مثل تلك الأزمات بات الآن أقل منه في السنوات السابقة. وقال ديفيد كول مدير المخاطر لدى سويس ري والذي ساهم في التقرير إنّ أوروبا بشكل خاص خارج منطقة الخطر المالي الفوري وهي حقيقة ساهمت في رفع قضية التفاوت في الدخل إلى قمة جدول الأولويات. وأضاف أنّ زيادة الاهتمام العام بالتفاوت في الدخل - الآخذ في الاتساع منذ الثمانينيات- سيتطلب من صناع السياسة والنخبة العالمية أن يتحركوا بحذر. وقال كول "أنا مؤيد قوي للرأسمالية لكن هناك لحظات يمكن أن تتجاوز فيها الرأسماليّة الحدود المقبولة ومن الضروري وجود إجراءات- سواء تنظيمية أو حكومية أو ضريبية- تضمن أن نتجنب زيادات مفرطة فيما يتعلّق بالدخل وتوزيع الثروات". وحتى الآن لم يكن لحزمة التحفيز المالي والنقدي الضخمة التي ساعدت في استقرار وإنعاش الاقتصادات أثر يذكر على الفقراء والعاطلين عن العمل وجيل الشباب. وقال المنتدى الاقتصادي العالمي إنّ الشبان في الغرب يتخرّجون من مدارس وكليات "باهظة التكلفة وعتيقة" بديون كبيرة ومهارات غير مناسبة في حين إنّ نحو الثلثين في البلدان النامية لا يصلون إلى مرحلة استغلال إمكانيّاتهم الاقتصادية. ويتناول تقرير "المخاطر العالمية في 2014" الذي يأتي في 60 صفحة بالتحليل 31 خطرًا عالميًا على مدى السنوات العشر القادمة ويأتي قبل الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في منتج دافوس السويسري في الفترة من 22 إلي 25 يناير الحالي؛ حيث سيبحث الأثرياء والأقوياء مستقبل العالم. وأصبح المنتدى الذي يشارك فيه زعماء أعمال وسياسيون ومسؤولو بنوك مركزية رمزًا للعالم الحديث الذي تهيمن عليه المؤسسات المتعددة الجنسيات الناجحة.
ومن بين الموضوعات المطروحة للنقاش في المنتدى هذا العام، النمو الصيني والأبعاد الاقتصادية لهذا التنين الآخذ في النمو رغم العقبات ومشكلات التعافي الاقتصادي، في ظل الظروف العالمية الحالية والأزمات المالية التي تعصف بالعديد من الاقتصادات. وبعد مرور نحو ست سنوات على الأزمة المالية العالمية، بلغ الاقتصاد العالمي مرحلة تحول حقيقي. فالاقتصاد الأمريكي، وهو الأكبر في العالم، يسرع من وتيرة انتعاشه، فيما يواصل تأثير تقليص حزم التحفيز النقدي اتساعه. ومن المتوقع أن تتحسن الاقتصادات الناشئة، التي شهدت تباطؤا فيما بعد الأزمة في العامين الماضيين، رغم تزايد حالة عدم اليقين. وفيما يتعلق بالاقتصاد الكلي، تتشكل أساطير ثروة بشكل يومي، من خلال أنواع جديدة من اللعب بين رؤوس الأموال والأسواق والتكنولوجيا الفائقة مثل الإنترنت اللاسلكي. وبالنسبة للبعد السياسي، يفكر صناع السياسات مليا في كيفية بناء آلية لحوكمة أفضل وتعاون عالمي؛ حيث مازالت قضايا العداء الوطني، والتوتر العرقي، والصراعات الإقليمية والتحركات الأحادية التي تعززها بعض الدول الكبرى، تعمل على زعزعة استقرار العالم.
وفيما يتعلق بالأبعاد الاجتماعية، فإن ما يشهده العالم من تفاوت اجتماعي، يستدعي ضرورة إصلاح وإعادة تشكيل ملامح العالم؛ حيث يشهد العالم تباينا حادا بين تبذير في البلدان المتقدمة ومجاعة في البلدان الفقيرة، فضلا عن فجوة تنمية آخذة في الاتساع بين الشمال والجنوب.
وبناءً على الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، سيعمل المنتدى على دراسة الآليات التي يمكن أن ترقى بها الصين إلى مستوى دورها في إعادة تشكيل ملامح الاقتصاد العالمي والكيفية التي سيحكم بها العالم على إصلاحها.
وسيركز المشاركون في المنتدى على تغيير الاقتصاد الصيني لمساره من نمو فائق السرعة إلى معتدل، ولكن بتنمية أكثر صحية؛ وسوف يعكف الخبراء على تقييم التأثير الفعال للإصلاح المالي الصيني على الإصلاح المنهجي في البلاد، فضلا عن دراسة الفوائد العالمية التي ستتمخض عن مواصلة الصين لانفتاحها. وسينظر المشاركون في مكانة الصين بالحكومة الاقتصادية العالمية والتأثير المترتب على هذه المكانة، وسيناقشون ما إذا كانت الصين داعمة للاستقرار أم تسهم في زعزعته في وقت تعمل فيه على تصدير قيمها ولغتها فضلا عن سلعها التجارية.
وفي الشق السياسي من المنتدى، ستتبارى النخب السياسية في بلورة الأزمات بحثا عن حلول عملية لتجاووزها، وستحل الأزمة السورية في صلب المناقشات. ومن المثير في الأمر، تزامن المنتدى مع مؤتمر محادثات السلام السورية المعروف إعلاميا باسم "جنيف 2".
وينتظر أن يشارك في منتدى "دافوس" أكثر من 40 رئيس دولة وحكومة بينهم رئيس الوزراء الأسترالي توني ابوت، الذي يتولى رئاسة مجموعة العشرين، والرئيسة البرازيلية ديلما روسيف، ورئيس الوزراء الياباني شينزو أبي ونظيره البريطاني ديفيد كاميرون. كما سيحضر بعض الفاعلين البارزين المعنيين في الأزمة السورية أمثال الرئيس الإيراني حسن روحاني. ومن المتوقع وصول أكثر من 2500 مشاركاً في الحدث الذي سيجمع نخبة من أصحاب القرار في عالم الاقتصاد وحائزين على جوائز نوبل إلى جانب زعماء دينيين وممثلين نقابيين ومنظمات غير حكومية سيكون بإمكانهم التلاقي وتبادل وجهات النظر بصورة غير رسمية في كواليس المؤتمر. ويستضيف المنتدى كذلك 8 رؤساء دول إفريقية و5 من أمريكا اللاتينية. وسيحضر إلى "دافوس" رئيس بورما ثين سين الذي يقف وراء التحولات السياسية والاقتصادية في بلاده، وتولى أخيراً رئاسة رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان"، إضافة إلى رئيس منغوليا تساخيا البغدورج الذي باتت بلاده محط الأنظار طمعاً في ثرواتها المنجمية الهائلة.