العلاقات الوطيدة بين السلطنة وإيران تستند إلى إرث تاريخي عميق.. وتستشرف آفاقًًا رحبة للنمو والتطور والازدهار
محادثات جلالة جلالة السلطان مع الرئيس الإيراني تعطي دفعة كبيرة للتعاون الثنائي في كافة المجالات
"اتفاق الغاز" وزيادة رحلات الطيران.. من مؤشرات متانة العلاقات بين البلدين
مسقط - العمانية
تعزيزًا لعلاقات الصداقة والتعاون المثمر بين السلطنة والجمهورية الإسلامية الإيرانيّة، وتلبية لدعوة كريمة من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - يقوم فخامة الرئيس الدكتور حسن روحاني رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية حاليًا بزيارة رسمية للسلطنة.
وفي ظل العلاقات الطيّبة والوطيدة التي تربط بين السلطنة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي تستند إلى إرث تاريخي ممتد على امتداد تاريخ هذه المنطقة الحيوية من العالم من ناحية، وترتكز أيضًا على علاقات صداقة وتعاون، تحقق الكثير من المصالح المشتركة والمتبادلة للدولتين وللشعبين العماني والإيراني الصديقين، وللمنطقة من حولهما أيضًا، على امتداد العقود الماضية.
وتأتي الزيارة التي بدأها فخامة الرئيس الدكتور حسن روحاني رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية للسلطنة صباح أمس، والمباحثات التي تخللتها مع حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - وعلى المستوى الوزاري أيضًا بين الجانبين، لتفتح آفاقا أرحب، وأكثر عمقًا على صعيد التعاون المثمر بين السلطنة والجمهورية الإسلامية الإيرانية في مجالات عديدة، وبما يعود بالخير على الدولتين والشعبين الصديقين، وعلى مختلف دول وشعوب المنطقة، بل والعالم من حولها أيضًا.
ولعلّ ما يضفي طابعًا من الاهتمام والتقدير المتبادل على أعلى المستويات أنّه بينما كانت الزيارة التي قام بها حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم للجمهورية الإسلامية الإيرانية في 25 أغسطس 2013، هي أول زيارة يقوم بها قائد عربي لإيران بعد فوز فخامة الرئيس الدكتور حسن روحاني بمنصب الرئاسة فيها في يونيو الماضي، فإنّ الزيارة التي يقوم بها فخامته للسلطنة الآن، هي أيضًا الزيارة الخارجيّة الأولى له، على المستوى الثنائي، وهى الأولى لدولة عربية. يضاف إلى ذلك فإنّ الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد قام بزيارة للسلطنة في مايو 2007، وقام جلالة السلطان المعظم بزيارة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في أغسطس 2009، كما جرت وتجري العديد من الزيارات المتبادلة على مستويات رفيعة، برلمانية ووزارية بين المسؤولين في الدولتين من أجل العمل على دفع وتطوير العلاقات الثنائية وتعزيز المصالح المشتركة والمتبادلة في العديد من المجالات، وهو ما يحظى بدعم ومساندة قوية من جانب القيادتين العمانية والإيرانية أنّ العلاقات العمانية الإيرانية التي ترتكز على إرث تاريخي عميق، وإلى مقوّمات جغرافيّة وإستراتيجية، نجحت على امتداد العقود الماضية في بناء قدر كبير من الثقة المتبادلة والقدرة على الحوار وتبادل وجهات النظر بصراحة وشفافية، وتفهم متبادل وعميق لمصالح وأولويات واهتمامات الطرف الآخر. وهو ما كانت له آثاره الإيجابية والملموسة في تطوير هذه العلاقات، والامتداد بمجالات التعاون بدءًا من الاستثمار المشترك لحقول نفط مشتركة في الخليج، إلى الإشراف المشترك على الملاحة في مضيق هرمز الاستراتيجي وضمان حرية واستمرار الملاحة فيه أمام التجارة العالمية بما يحافظ على مصالح كل الأطراف، وصولا إلى العديد من اتفاقيات التعاون في مجال المواصلات والموانئ والطيران وغيرها من المجالات التي تخدم مصالح الشعبين العماني والإيراني وتعزيز الاستقرار في هذه المنطقة الحيوية أيضًا
وفي هذا الاطار تمّ قبل أيام التوقيع على مذكرة تفاهم بين السلطنة وإيران تقضي بمضاعفة عدد الرحلات الجوية بين البلدين من 14 رحلة إلى 30 رحلة أسبوعياً وهو ما يفتح الباب أمام نمو حركة السياحة بين البلدين، خاصة مع فتح خطوط ملاحيّة بين موانئ الدولتين والتوصل إلى اتفاقيات للاستثمار الإيراني أيضًا في بعض الموانئ العمانية وفي مقدمتها ميناء الدقم بمحافظة الوسطى.
كما تمّ التوصل في نهاية العام الماضي إلى اتفاق على جانب كبير من الأهميّة في مجال الغاز تستورد السلطنة بموجبه الغاز الإيراني اعتباراً من عام 2015م ولمدة 25 عاماً ويجري اتخاذ إجراءات إنشاء خط لنقل الغاز بين البلدين. ومن المنتظر أن تسهم زيارة فخامة الرئيس الدكتور حسن روحاني ومحادثاته مع جلالة السلطان المعظم في إعطاء دفعة كبيرة للتعاون الثنائي في تلك المجالات وغيرها من المجالات .
الجدير بالذكر أن الأسس والمبادئ التي أرسى جلالته السياسة العمانية عليها على امتداد العقود الأربعة الماضية، والمتمثلة في الإيمان العميق بمبادئ حسن الجوار واحترام السيادة، والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والعمل بكل جهد وإخلاص من أجل تحقيق أفضل مناخ ممكن لدول وشعوب هذه المنطقة الحيوية من العالم؛ لكي تبني حياتها على النحو الذي تراه محققًا لمصالحها ودون المساس بمصالح الدول الأخرى بالطبع أو تعريضها للخطر، قد أثمرت على أرض الواقع نتائج وثمارًا طيبة لصالح دول وشعوب المنطقة، وذلك لأن القيادة الحكيمة التي آمنت بأهميّة وضرورة التعاون البناء بين دول الخليج قد حرصت دومًا على الالتزام بذلك والعمل على تحقيقه عمليًا، ليس فقط على صعيد علاقاتها بالدول الشقيقة والصديقة في المنطقة، ولكن أيضا على صعيد مواقفها وعلاقات السلطنة مع القوى الدولية الأخرى دوما وفي كل الظروف.
كما أنّ المصداقيّة والوضوح اللذين تميّزت بهما السياسة العمانية، وقدرتها على القيام بدور إيجابي وبناء لصالح دول وشعوب المنطقة، وعلى نحو عملي وملموس، أكسبها أيضا ثقة وتقدير كل الأطراف، رسميا وشعبيا، وجعل السلطنة وقيادتها موضع تقدير ومحط أنظار الجميع، خاصة هؤلاء الذين يتطلعون إلى احتواء الخلافات، وفتح قنوات الاتصال، والبحث عن فهم وتفهم حقيقي، ومتبادل للمواقف بين الأطراف المختلفة .
وإذا كنا في غير حاجة إلى التوقف أمام العديد والعديد من المواقف والإسهامات الإيجابيّة التي قامت وتقوم بها السلطنة، على امتداد السنوات، بل العقود الماضية، وحتى الآن، خليجيا وعربيا وإقليميا ودوليا أيضًا، وهو ما تحدثت الأطراف المعنية عنه بنفسها، في كثير من الأحيان باعتزاز وتقدير، وساهم كثير منها في تجاوز خلافات كبيرة وفي إعادة علاقات تقطعت، وفي إيجاد مناخ للدخول في مرحلة جديدة ومفيدة لكل الأطراف، بل وفي القيام بدور ذي طابع إنساني للإفراج عن محتجزين، أو متحفظ عليهم على هذا الجانب أو ذاك؛ فإنّ جلالة السلطان المعظم قد أكد على " أننا نعيش في عالم متداخل المصالح والسياسات وإن تعاوننا مع هذا العالم إنما يأتي انطلاقا من المصالح العليا للسلطنة وإسهامًا في استتباب الأمن والرخاء في أرجاء المعمورة. وبفضل هذه السياسات اكتسبت بلادنا والحمد لله احترام وتقدير المجتمع الدولي .
إنّ التعاون وتبادل المنافع والمصالح بين الدول في ظل الوئام والسلام أمر في غاية الأهميّة يجب أن نسعى إليه جميعا بكل جد وإخلاص ودون كلل أو ملل من أجل رخاء البشرية وأمنها ورقيها. ونحن في السلطنة نضع ذلك نصب أعيننا دائما ."
في هذا الإطار الواضح والمحدد، وفي مجالات وفرص التعاون المثمر بين السلطنة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتحقيقًا للمصالح المشتركة والمتبادلة أيضا، الآن وفي المستقبل، فإنّ زيارة فخامة الرئيس الدكتور حسن روحاني ومحادثاته مع جلالة السلطان المعظم، تفتح مزيدًا من الآفاق الواسعة لتحقيق الكثير مما يعود بالخير على الدولتين والشعبين العماني والإيراني بالتقدم والازدهار، وعلى دول وشعوب المنطقة أيضًا بمزيد من التقارب والوئام. لاسيما وأنّ هذه المنطقة الحيوية من العالم تتأثر وتتفاعل بسرعة وقوة مع كل ما تشهده من تطورات لا يمكن لدولة أو طرف أن تنعزل عنها، ولذا فإنّه من المهم والضروري أن تبذل المزيد من الجهود المخلصة، ليس فقط لحل المشكلات وتبديد سوء الفهم، في حالة حدوثه، ولكن أيضًا لتحقيق كل ما يمكن أن يعود بالخير على كل دول وشعوب هذه المنطقة، وبما يعينها على تحقيق تقدّمها وازدهارها.