فارس بن محمد بن راشد العوفي *
"الموهبة".. هي نعمة من الخالق -عزوجل- يهبها لمن بشاء. فالموهبة كالنبتة الغضة لا يمكن أن يستفاد منها إلا إذا تم رعايتها وسقايتها والاهتمام بها. والموهوبون هم ثروة الأمة ومستقبلها الغني، إذا ما تمكنت وثابرت في رعايتهم وتنمية مواهبهم وقدراتهم، ووفَّرت لهم كافة سبل تحقيق ذلك، ومن جميع النواحي النفسية والاجتماعية والصحية لهم، مع أهمية وضرورة وضع برامج إرشادية تعمل على نموهم الصحيح والمكتمل عقليا ونفسيا واجتماعيا.
والمتتبع لموضوع الموهبة على مستوى العالم أجمع، يجد أنه لا يوجد تعريف محدد إطلاقا للموهبة يتفق عليه الجميع. بل هناك عدة تعريفات متعددة وربما تتقارب في عدة جوانب وتتفق بعدة جهات، وحتى أساليب وأدوات الكشف عنها متعددة ومتشعبة. ومن ناحية التخصص ما زال هناك شح كبير في التخصص في مجال الموهبة على مستوى العالم العربي أجمع، لذلك فمن المأمول خلال الفترة المقبلة أن نشهد حراكا مجتمعيا نحو هذه الفئة من الاستثمار البشري، لأن الركب والقطار المعرفي لا يتوقفان، وسيكون اللحاق بهما ليس بالأمر الهين، وهناك أمثلة كبيرة لدول اهتمت بالتعليم وبالمعلم وأصبحت الآن ضمن مصاف الدول المتقدمة عالميا.
إننا حينما نتحدث عن الموهبة، فإننا نتحدث عن ثلاثة مستويات مهمة جدا؛ هي: آلية اكتشاف واستخراج هذه الموهبة، وسبل رعاية وتنمية الموهبة، والبرامج والأنشطة المهمة لمواصلة عطاء هذه الموهبة. وإذا فقدنا أحد المحاور الثلاثة، فإننا بلا شك سنكون قد حكمنا على هذه الموهبة بالاندثار.
وربما أقرب التعريفات التي تؤدي إلى فهم عميق للموهبة هي الحلقات الثلاثة لتعريف رنزولي للموهبة، والتي تتلخص في التالي:
1- قدرة عقلية فوق المتوسط: قدرات عامة عالية.
2- قدرة إبداعية: وهي مستويات مرتفعة من الأداء.
3- الدافعية: وهي مستويات مرتفعة من الالتزام بالمهمة.
ويتضح من تعريف رينزولي أن القدرة على تطوير هذه التركيبة من السمات واستخدامها في أي مجال قيم للأداء الإنساني هي ما تمس (الموهبة)، ولكنها تحتاج إلى خدمات وفرص تربوية متنوعة لا توفرها للأسف البرامج التعليمية الدارجة؛ فالطلاب الموهوبون يحتاجون إلى معلمين لديهم روح البحث عن التجديد والابتكار والتميز، وذلك بغية فتح آفاق الإبداع أمام الموهوبين.
... المعلم المحب والواعي دائما، هاجسه المستمر تلك العقول التي يعمل على إرشادها وتوجيهها بطريقة سليمة وواعية، مثله مثل المزارع الذي يقوم الأغصان المائلة والغضة لتستقيم، ويزيل كل الحشائش الضارة التي لا حاجة لها، ليشتد عود النبات، ويروي التربة القاحلة والزابلة لتعود لها نضارتها وخضرتها التي تبهر العين، لكننا في المقابل حينما نطالب بمثل هذا المعلم بتلك المواصفات، فإننا يجب في البداية تهيئة بيئة تعليمية مناسبة وتشبع كل جوانب احتياجات الطالب الروحية والنفسية والجسدية والاجتماعية، وتهيئة البيئة المحيطة بهذا المعلم وبذل كل الجهود والطاقات التي تعطي المعلم الأريحية في خدمة هذا الجيل من الطلاب والطالبات وتبني مواهبهم بالشكل المطلوب.
... إذاً، ومما سبق، يتضح بكل شفافية أهمية تلك الزهور اليانعة من الموهوبين، وأهمية الانتباه لها وتسخير كافة المقومات والبيئات المناسبة لهم، وتزويدهم بكافة الأدوات والأساليب والبرامج الإرشادية المساندة لها، مع وضع نصب العين الحاجة إلى تلك الأداة المهمة وهي (المعلم)، وتطوير خبراته ومهاراته وصقله وتهيئته وبذل كافة السبل في خدمته، لأننا عندما نتحدث عن استثمار مثل هذا النوع، فإننا نتحدث عن الاستثمار البشري المعوَّل عليه قيام أي أمه أو اندثارها.
- إضاءة:
يقول هاورد جاردنر: "المعلم الناجح ذو الخبرة والتدريب الجيد لا يزال أفضل من التكنولوجيا الأكثر تقدما، وإن أعظم الأجهزة والبرامج لا تزال قليلة النفع في غياب المنهج وعلم أصول التدريس والتقييم المناسب".
* رئيس قسم الأنشطة وإدارة الفعاليات (اللجنة الوطنية للشباب)
[email protected]