زيد بن حمد الناعبي *
الثروة البشرية هي الثروة الحقيقية والمهمة لأي مجتمع من المجتمعات أو أي دولة، ويُعد الموهوبون والمميزون على رأس تلك الثروة البشرية؛ لأنهم هم القادرون على مواجهة التحديات ودفع عجلة التقدم لأي دولة، وهم الذين يبرز منهم العلماء والمفكرون والقادة والسياسيون، ولا ننسى المخترعين، الذين كانوا وراء رقي البشرية وتقدمها الحضاري وإبداعها الفكري؛ نتيجة ما تقدمه عقولهم من اختراعات وإبداعات.
... إنَّ الباحث المتتبع لحركات الإصلاح المدرسي والتطوير التربوي في الدول المتقدمة -لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية- يجد أن قضية الكشف عن الموهوبين ورعايتهم، وتوجيه الاهتمام لتطوير مناهج وأساليب تدريس الرياضيات والعلوم، كانت ولا تزال تتصدر قائمة الأولويات في مشروعات الإصلاح وخطط التطوير، وربما كان ذلك مستندا إلى قناعة راسخة بأن الصراع في الحاضر والمستقبل هو في حقيقة الأمر صراع عقول تشكل العصب الرئيسي لصناعة المعرفة المعلوماتية والتقنية وإدارتها وتوظيفها.
وإذا نظرنا إلى عملية الإصلاح المدرسي في بلادنا لوجدنا أنها لاتزال تراوح مكانها بين منعطفات الركاكة العلمية وعدم الإيمان بقدرات الطالب وهو في مقاعد الدراسة، وعدم تنمية وتطوير موهبته، فيصبح همه الأكبر فقط هو تلقي المعلومة والخروج بتلك الشهادة لكي تصبح جواز عبور من مرحلة التعليم المدرسي إلى مرحلة التعليم الجامعي، وتصبح تلك الموهبة في عداد وسجلات المنسيين قصراً. إلا في بعض المواهب التي يكافح أصحابها لترى النور والواقع، ونشاهدها اليوم متألقة في إعلامنا ومؤسساتنا، إلا انها تبقى حالات فردية.
... تواجه مدارسنا تحديات غير مسبوقة تفرضها التغيرات المتسارعة في مجالات الاتصالات والعولمة والنظام العالمي الجديد الذي بدأت إرهاصاته تتشكل في بداية العقد الأخير من القرن الماضي، في ضوء ما يسبق من تحديات ومتغيرات يتوجب على القائمين -بجانب التطوير التربوي- أن يطوروا البرامج حتى تستجيب لاحتياجات الطلاب المستقبلية التي تتلخص في كيفية إعدادهم للتعامل مع كل هذه المتغيرات التي تطال جميع جوانب الحياة المعاصرة، كما يتوجب عليهم التركيز على موضوع كشف الموهوبين وهم في مقاعد الدراسة الابتدائية، ثم البحث عن أفضل الأساليب لرعايتهم. وذلك في اعتقادي ضمانة لتمكين مجتمعنا من الانخراط مع غيره من المجتمعات المتقدمة دون أن يذوب فيها، ويفقد هويته الثقافية والحضارية. كما أنه ضمانة لاحتواء هذه الطاقات الكامنة في نفوس الطلاب التي تبحث عمَّن ينميها ويطورها ويشجعها ويوفر لها كل سبل التحفيز والانطلاق من الدائرة الضيقة إلى فضاءات أوسع لكي تبدع وتبرز ذاتها وترفع اسم السلطنة في جميع المحافل الدولية.
وفي ضوء ما تقدَّم، يُمكن القول بأنه لا يوجد في متناول اليد إجابات وافية ومقنعة لكل التساؤلات التي أثيرت حول القصور في البحث والكشف عن الموهوبين والمتفوقين في مختلف المراحل الدراسية، ولكن يمكن احتواء القصور الذي أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه، ومراجعة كل الأساليب التربوية التي كانت سببا في قتل الكثير من المواهب.
إذا كنا فعلا نريد أن نبني جيلا متسلحا بالوعي والفكر، ويجعل من موهبته -التي أودعها الله تعالى في داخله- حقيقة على أرض الواقع، فعلينا أن نفكر حقيقة في الإصلاح المدرسي وتعليم المستقبل؛ من أجل إعداد قادة المستقبل في مجلات الحياة المختلفة. فلا مفر من الإسراع في اتخاذ قرارات جريئة تتعلق بأهم مكونات ثروتنا البشرية من الأطفال والشباب الموهوبين الذين يشكلون أفضل ضمانة لمستقبل واعد. لأن الموهوبين لديهم الكفاية والاندفاع للإسهام بكل طاقاتهم وقدراتهم من أجل تحقيق التقدم والازدهار لمجتمعاتهم.
* رئيس مجلة "مبادر" الإلكترونية