الرؤية - مركز البحوث
لم تزل حُمى الانفصال تتصاعد وتيرتها في أقاليم أوكرانيا المختلفة؛ فبعد الانفصال الرسمي لشبه جزيرة القرم الواقعة جنوبي البلاد، وانضمامها إلى الاتحاد الروسي بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، أجرى الانفصاليون الموالون لروسيا في منطقة دونتسك ولوهانسك بشرق أوكرانيا استفتاءً شعبيا للانفصال عن كييف، وتمهيد الطريق نحو تبعية موسكو.
... الاستفتاء الذي أجَّج الأزمة الأسوأ في تاريخ المنطقة منذ الحرب البادرة، أثار انتقادات واسعة، وفاقم المخاوف من تفتيت أوكرانيا كعقاب لها على الإطاحة بالرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا، وصعود نجم المعارضة المدعومة من أوروبا. وتبرز الأزمة في أوكرانيا النفوذ الروسي الواضح في الجمهوريات السوفيتية السابقة، والتي يستخدمها بوتين لوخز خاصرة أوروبا بين الفينة والأخرى، في استعادة لأجواء الحرب الباردة.
وبحسب وكالة الإعلام الروسية، فإنَّ النتائج النهائية للاستفتاء في منطقة دونتسك ولوهانسك بشرق أوكرانيا توضح تأييد 96.2 بالمئة للحكم الذاتي. ونقلت الوكالة عن أحد منظمي الاستفتاء قوله إن لوهانسك ستطلب من الأمم المتحدة الاعتراف باستقلال المنطقة. ونقلت الوكالة عن أحد قادة الانفصاليين في المنطقة قوله: إن لوهانسك لن تشارك في انتخابات الرئاسة الأوكرانية المقررة في 25 مايو.
فيما انتقد رئيس أوكرانيا المؤقت الاستفتاء.. واصفاً إياه بأنه "مهزلة دعائية بلا أساس قانوني"، تهدف إلى التغطية على جرائم خطيرة. وقال أوليكسندر تورتشينوف أمام البرلمان الأوكراني: إن "ما يسميه الإرهابيون استفتاءً ليس سوى دعاية للتغطية على القتل، والخطف، والعنف، وجرائم خطيرة أخرى". وأضاف الرئيس المؤقت بأن "النتيجة القانونية" الوحيدة المترتبة على الاستفتاء هي تقديم من دعوا إليه إلى العدالة. لكنه أعاد تأكيد رغبته في "استمرار الحوار مع من يوجدون في شرقي أوكرانيا، ممن لم تلطخ أيديهم بالدماء، ومن يستعدون للدفاع عن أهدافهم بطريقة قانونية".
وكان رئيس لجنة الانتخابات التابعة للانفصاليين في منطقة دونيتسك الأوكرانية، قد قال: إن نحو 90 في المئة من الناخبين في المنطقة الواقعة في شرقي أوكرانيا صوتوا لمصلحة تقرير المصير. وأضاف رومان لياجين ردا على سؤال عن النتيجة "89 في المئة .. هذا كل شيء".
ودونيتسك هي المنطقة الأكبر بين منطقتين في شرقي أوكرانيا (دونتسك ولوهانسك) أجرى الانفصاليون فيهما استفتاءً على حق تقرير المصير. وأعلنت حكومة كييف المؤيدة للغرب والاتحاد الأوروبي أن الاستفتاء غير شرعي. وكانت التقارير قد رصدت آلاف الناخبين في طوابير طويلة أمام عدد محدود من مراكز الاقتراع في المنطقتين. ونقلت عن زعماء الانفصاليين قولهم: إن نسبة التصويت تجاوزت الـ70 في المئة في المنطقتين. ونظم الانفصاليون الموالون لروسيا الاستفتاءين من أجل "حق تقرير المصير" في خطوة قد تؤدي إلى طلب الانضمام إلى روسيا فيما بعد.
وقد أدانت الحكومة الأوكرانية والبلدان الغربية هذه الخطوة. وجرى الاستفتاءان بالرغم من دعوة الرئيس الروسي، فلاديمر بوتين، إلى تأجيلهما.
ولا يزال المسلحون الذين يحتلون المباني الحكومية في شرقي أوكرانيا يخوضون اشتباكات مع القوات الأوكرانية التي تسعى لبسط سيطرتها على هذه المنشآت. وتفيد تقارير بأن اشتباكات عنيفة دارت في ضواحي مدينة سلوفينسك التي يسيطر عليها الانفصاليون، والتي لا تزال تحت حصار القوات الحكومية، التي تقول إنها تنفذ عملية "ضد الإرهاب". وقال مسؤولون إن 7 أشخاص قتلوا في اشتباكات شهدتها مدينة ماريوبول الساحلية.
وطبع الانفصاليون ملايين من أوراق الاقتراع التي تتضمن سؤالا واحدًا وهو "هل تؤيد حق تقرير المصير لجمهورية دونتسك وجمهورية لوهانسك؟".
وألمح الانفصاليون إلى أنهم ينوون تنظيم جولة ثانية من الاستفتاء في وقت لاحق من هذا الشهر بشأن الانصمام إلى روسيا.. مضيفين بأنهم سيقاطعون الانتخابات الرئاسية التي ستنظم في 25 مايو الحالي. ولم يشرف مراقبون مستقلون أو دوليون على الااستفتاء.
وأقر الرئيس المؤقت لأكرانيا بأن العديد من مواطني شرقي أوكرانيا يدعمون الانفصاليين الموالين لروسيا. وحذر الرئيس الأوكراني من أن الاستفتاءين يشكلان "خطوة نحو الهاوية". وأدانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الاستفتاءين في ظل مخاوف من انزلاق أوكرانيا إلى حرب أهلية.
وخلص مركز بيو المتخصص في استطلاعات الرأي إلى أن 70 في المئة من الأوكرانيين بمن فيهم المواطنون في الشرق يرغبون في البقاء ضمن دولة موحدة بالرغم من المخاوف المتعلقة بنظام الحكم ومبادئ العدالة.
وكانت روسيا قد حشدت نحو 40 ألف جندي روسي بالقرب من الحدود مع أوكرانيا لكن موسكو تقول إنها لا تنوي السماح لقواتها بالعبور إلى أوكرانيا. وبالرغم من أنها تقول إنها سحبت جنودها من منطقة الحدود، فإن حلف شمال الأطلسي (الناتو) يقول إنه لا يملك أدلة على ذلك.
وحذَّر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، من أن الاتحاد الأوروبي قد يفرض مزيدا من العقوبات على روسيا إذا لم تنظم الانتخابات الرئاسية المقررة في أواخر هذا الشهر. وكان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فرضتا عقوبات على شركات ومسؤولين لهم صلة بالرئيس الروسي بوتين.
وكان الاتحاد قد ندَّد بالاستفتاء الذي جرى في شرق أوكرانيا، واصفا إياه بأنه غير قانوني، ومحذرا بأنه لن يسمح بأي عرقلة لانتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها أواخر هذا الشهر.
ويتوقع أن يبحث وزراء الخارجية توسيع نطاق العقوبات المفروضة على روسيا بسبب قبولها ضم شبه جزيرة القرم إليها بعد الاستفتاء الذي جرى هناك.