الجزائر - الوكالات
نشرتْ الحكومة الجزائرية الجديدة تفاصيل برنامج الإصلاحات الدستورية، الذي اقترحه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، والذي يتضمن منح صلاحيات أكبر لرئيس الوزراء، ومنح أحزاب المعارضة في البرلمان سلطات أكبر.
وفيما لا يزال الغموض يكتنف صحة الرئيس -البالغ من العمر 77 عاما، والذي لم يقد بنفسه الدعاية الانتخابية، ولم يتحدث علنا إلا بشكل مقتضب، منذ أن أصيب بجلطة في العام الماضي- يبقى باب الأسئلة مفتوحا بشأن من سيخلفه إذا لم يتمكن من استكمال فترته الرئاسية، فضلا عن تشكيك محللين في أن خطوة بوتفليقة التي تبدو إصلاحية، ربما جاءت متأخرة كثيرا، من رجل لا يضمن حتى أن يستكمل مدته الرئاسية، فيقدم على منح مزيد من الصلاحيات لتعزيز سلطة حلفائه وضمان انتقال مستقر للسلطة في حال غيابه المفاجئ، وهو نفسه الذي سبق وألغى تقييد مدد الرئاسة بمدتين، للسماح بترشيح نفسه لفترة ولاية ثالثة قبل خمس سنوات عندما حقق فوزا كاسحا.
ورفضتْ معظم أحزاب المعارضة الجزائرية دعوة بوتفليقة لمناقشة التعديلات بوصفها محاولة لدمجها في نظام سياسي تقول إنه من غير المحتمل تحقيق أي تغيير حقيقي تحت مظلته.
وقال عبد الرزاق مقري زعيم حركة "مجتمع السلم" الجزائرية -وهي حزب إسلامي معتدل- إن النظام دعا أحزاب المعارضة قبل عامين لتقديم اقتراحات لدستور جديد، لكنهم لم يأخذوا بعين الاعتبار أيًّا من الاقتراحات التي قدمتها المعارضة. وأضاف بأن الدعوة الجديدة ليست إلا محاولة أخرى لخداع المعارضة. لكن أحزاب المعارضة -التي قاطع معظمها انتخابات أبريل- مُنقسمة حول كيفية تحدي النظام السياسي الذي يقولون إنه يخضع لهيمنة حزب "جبهة التحرير الوطني" وحلفائه السياسيين ونخبة رجال الأعمال التي تؤيد الوضع الراهن.
وبموجب مسودة للمقترحات، التي نشرتها الحكومة أمس الأول، سيفوِّض الرئيس بعض السلطات التنفيذية لاصدار المراسيم والقوانين لرئيس الوزراء، إلى جانب منح الأحزاب حقوقا أكبر لمساءلة مسؤولي الحكومة والمطالبة بردود.
وقال أحمد أويحيى رئيس الوزراء السابق، إن هذا الإجراء سيعزز فصل السلطات وتعزيز استقلال السلطة القضائية والبرلمان وتأكيد دور وحقوق المعارضة.. وقال مصدر حكومي: إن الرئيس الجزائري اقترح تعديل 47 مادة من الدستور وزعت على الأحزاب الخميس الماضي، تشمل رفع القيود المفروضة على وسائل الإعلام، ومنح البرلمان سلطة أكبر في استجواب مسؤولي الحكومة.
وأضاف المصدر بأن مسودة التعديلات سلمت للأحزاب السياسية التي دعيت لمناقشة الإصلاحات الجديدة في يونيو المقبل، قبل عرضها على اللجنة الدستورية لمراجعتها، وربما طرحها في استفتاء عام للموافقة النهائية عليها. وقال المصدر إن الحكومة تراجعت عن فكرة سابقة باستحداث منصب نائب للرئيس لمساعدة بوتفليقة في إدارة فترة ولايته الرابعة. وقالت وكالة الأنباء الجزائرية: "وُجهت يوم الخميس 150 دعوة إلى مختلف الشركاء قصد المشاركة في التشاور حول مراجعة الدستور."
ويتمتع بوتفليقة بدعم بين الجزائريين الذين يعتقدون أن استمراره لفترة رئاسة رابعة سيضمن الاستقرار في بلد مازال يعاني من صدمة حرب استمرت عشر سنوات في التسعينيات مع إسلاميين مسلحين أودت بحياة أكثر من 200 ألف شخص.
وتركت تلك التجربة أثرا عميقا في المجتمع الجزائري؛ حيث يخشي كثير من الجزائريين اندلاع ثورة ويرون الاضطرابات في الدول المجاورة بعد ثورات الربيع العربي تهديدا لاستقرار بلدهم.
وكان الرئيس الجزائري قد عيَّن حكومة جديدة، الإثنين الماضي، برئاسة عبد المالك سلال الذي قاد حملة الرئيس الجزائري للانتخابات الرئاسية، إلى جانب إعادة تعيين يوسف يوسفي وزيرا للطاقة في البلاد، بعد تقدمه لشغل منصب رئيس الوزراء خلال الحملة الانتخابية.
وتعهَّدت الحكومة الجديدة بإجراء إصلاحات دستورية على النظام السياسي الذي يقول معارضون إنه كان على مدى زمن طويل حكرا على النخبة في حزب جبهة التحرير الوطني وجنرالات الجيش والقيادات من زمن الاستقلال الذين يعتبرون أنفسهم ضمانة للاستقرار.
وسيكون السعي لاجتذاب شركات أجنبية للتنقيب عن النفط وإنتاجه لتعزيز إنتاج الطاقة هذا العام تحديا كبيرا، إلى جانب الإصلاحات الاقتصادية الرامية لتخفيف القيود البيروقراطية الحكومية التي نفرت المستثمرين. وتعتزم الجزائر في وقت لاحق هذا العام طرح جولة أخرى لمنح التراخيص تشمل 31 حقلا بعضها يتعلق بالغاز الصخري.
وقال جيف بورتر -المحلل في مؤسسة نورث أفريكا ريسك كونسالتينج: "استمرار قيادة بوتفليقة ستجعل المستثمرين وشركات النفط أكثر ارتياحا، وهي تعد العروض من أجل جولة التراخيص المقبلة". وتم الإعلان عن هذه الجولة بعد عام من هجوم شنه متشددون إسلاميون على منشأة أميناس؛ مما أدى إلى مقتل 40 من عمال النفط وروَّع المستثمرين الذين تنتابهم مخاوف بالفعل من مدد التعاقد في الجزائر، فضلا عن توترات متفرقة على الصعيد الأمني، حيث أعلن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي أنه نصب كمينا لدورية تابعة للجيش الشهر الماضي؛ مما أدى إلى مقتل 14 جنديا في مدينة تيزي وزو على بعد 120 كيلومترا شرقي العاصمة في أسوأ هجوم تشهده القوات المسلحة الجزائرية خلال سنوات. وقالت مصادر أمنية إن الجيش قتل 39 متشددا منذ بداية العام الجاري. كما قتلت القوات الجزائرية عشرة مقاتلين بالقرب من تينزواطين بولاية تمنراست وضبطت منصات لإطلاق صواريخ وبنادق وقنابل.
ونقلت وسائل الإعلام الحكومية الجزائرية عن الرئيس بوتفليقة قوله: إن المتشددين الذين قتلتهم القوات الحكومية الأسبوع الماضي هم مقاتلون من ليبيا ومالي وتونس.