إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فساد اقتصادي.. أم طغيان سياسي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فساد اقتصادي.. أم طغيان سياسي


    يرجع البعض إلى أن ما حدث في تونس وما يحدث اليوم في مصر إلى الوضع الإقتصاد لهذه الدول، وأن نقص خدمات الدولة وأداء العملة ونسب الدخل والفقر والبطالة هي التي تدفع الناس للقيام بهذه الثورات على حكوماتها. ففي مصر كان آخر تقرير للتنمية البشرية يضع الحكومة المصرية على منحنى اقتصادي خطير. فقد كانت نتائج الوضع التعليمي سيئة للغاية، حيث كانت ما نسبته 27% من الشباب لم يستكملوا تعليمهم الأساسي. المشكلة الأكبر أن 10% من هذه النسبة لم يلتحقوا بالتعليم أبدا! هذا بالاضافة إلى تردي التعليم، وانخفاض جودته مما أدى إلى مخرجات معطلة. وصنف التقرير 20% من المجتمع المصري تحت خط الفقر، إلى جانب الكثير من الأرقام التي تعبر عن أداء سلبي في مفاصل الاقتصاد.
    بعد كل تلك الأرقام الصادمة خرج أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق ليقول للشعب المصري: صحيح أن نسبة الفقر لم تقل، ولكن ليس بسبب الحكومة ولكن بسبب زيادة عدد السكان. وأن وضعنا في مصر أفضل من غيرنا!!
    هذا الكلام لم يقنع الشعب المصري بكل تأكيد، وبسبب كل تلك المؤشرات الإقتصادية يرجع العديد من الكتاب والمفكرين ما حدث في مصر لأسباب اقتصادية بحتة. ولكنني لا أتفق مع ذلك أبدا، فما الذي يجعل نجيب سويرس أغنى أغنياء مصر يطالب النظام بالرحيل؟ ونجيب سويرس ليس مجرد تاجر برجماتي، بل هو من القيادات الفاعلة في العمل الاجتماعي والتطوعي في المجتمع المصري، ولم ينزل عليه العز فجأة بل ورث قدرا من ثروة عائلته عمل على تنميتها في ظل النظام المصري. إذن لماذا يطلب من النظام الرحيل؟
    لماذا نرى وجوها مقتدرة اقتصادية ولها مكانة اجتماعية عالية وغير حاقدة على السلطة تطالب النظام بالرحيل. الدكتور أحمد زويل، الحائز على جائزة نوبل، ما الذي يدخله في متاهة مطالبة النظام بالرحيل؟ مع أنه مشغول جدا ببحوثه وتجاربه، وهو الذي كرم من قبل مبارك شخصيا.
    لماذا ينشر فاروق جويدة قصيدة بعنوان أرحل يقول فيها: ارحل وحزبك في يديك.. ارحل بحزب امتطى الشعب العظيم.. وعتى وأثرى من دماء الكادحين بناظريك. ولهذا الشاعر مكانته الثقافية، ودواوينه توزع بشكل ممتاز في معارض الدولة، وتنشر له معظم الجرائد المصرية.
    لماذا يقف مدير الوكالة الذرية الأسبق محمد البرادعي إلى جانب شباب في العشرينات ليفترشوا ميدان التحرير ويهتفون بسقوط النظام معا؟ مع أن محمد البرادعي يعيش حياة مرفهة في جنيف وله حظوة عالمية.
    لماذا ينظم إليه عمرو موسى رئيس جامعة الدول العربية؟ لماذا كل قيادات الأحزاب والمحامين والصحفيين وعلماء الدين والفنانين في ميدان التحرير؟
    إن ما حصل في تونس وما يحصل في مصر ثورة شعبية خالصة، أكبر من أن يدفعها تيار ولا حزب سياسي وليست لأسباب اقتصادية فقط. إن السبب الحقيقي هو الطغيان السياسي، الذي عقد زواجا باطلا بين السلطة والمال، فماذا كانت النتيجة؟ لقطاء اسمهم الفساد والمصالح والمحسوبية والشللية.
    فكيف يمكن أن يكون أحمد عز رأس الحربة في الحزب الوطني الحاكم المتحكم وفي الوقت ذاته صاحب أكبر شركات الحديد والصلب في بلد يعيش الكثير من أبناءه تحت خط الفقر؟ إن هذه الازدواجية الرهيبة جعلت الجميع لا يقبل بالميزان المختل حتى وإن لم يكونوا متضررين منه على المستوى الشخصي.
    ماذا يعني أن يتحكم الحزب الوطني الحاكم في كل مفاصل الدولة وتفاصيلها حتى صناديق الانتخابات؟! لا لشيء إلا لأنه حزب الرئيس. ماذا يعني أن يعمل الأمين على الدستور خياطا أو "ترزي" يقص ويفصل كما يريد الرئيس؟ ماذا يعني أن يكون لجمال مبارك صلاحيات وهيبة وجلال لا يحضها بها حتى رئيس الوزراء لا لشيء فقط لأنه نجل الرئيس، ووريث عرش مصر!
    من المستحيل أن هذه الثورة التي حصلت كان سببها الفيس بوك وتويتر خلال أسبوع. إن ما حصل هو نتيجة سنوات طويلة من الاستبداد السياسي والكبت الإعلامي والظلم الاجتماعي لبلد عظيم مثل مصر. وفي مقابل كل ذلك التضييق كانت هناك أصوات وأقلام حرة حفرت ثقبا في جدار النظام حتى يمر الضوء للأجيال الجديدة، ابتداءا من أشعار أحمد فؤاد نجم التي يغنيها الشيخ أمام، مرورا بكل الذين قالوا كلمة الحق وانتهاءً بعمرو أديب في القاهرة اليوم. إن كل تلك المسامير الصغيرة قوضت اسطورة الأمن ودولة البوليس وإرهاب ما وراء الشمس.
    تشرفت قبل سنوات بمحاورة العالم المصري فاروق الباز والذي يعمل في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا. سألته ما هي المشكلة؟ وما هو الحل؟ اتذكر تماما ملامحه الحزينة وكلماته باللهجة المصرية: "عندنا شباب زي الورد"، ولكن النظام القائم هو المشكلة، لا يستمع لهم ولا يعطيهم فرصة. لذلك انضم الدكتور فاروق لقائمة المطالبين النظام بالرحيل لأن لديه حلم، حلمه أن تتطور مصر وتصبح دولة عصرية لا يضطر أبنائها المبدعين للهجرة إلى بلاد الكاوبوي أو مدن الضباب.
    والنظام الحاكم كأنه أدرك الحقيقة متأخر، فشكل وزارة جديدة تضم عددا من التكنوقراطيين، ولا تضم تجارا وأصحاب مصالح، ووعد بحريات أكبر في التقاضي والنقد. وفي الوقت نفسه أغلق موقع تويتر والفيس بوك والإنترنت وحتى شبكة الهاتف النقال، لماذا؟ ليسجن مصر؟ ليته استمع لأحمد فؤاد نجم منذ زمن:
    مهما يطول السجن مهما القهر
    مهما يزيد الفجر بالسجانة
    مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر؟!!



    جريدة الرؤية
    13 فبراير 2011


    http://7shr.blogspot.com/2011/02/blog-post.html
    http://img162.imageshack.us/img162/6697/sing1uo2.jpg
يعمل...
X