بداية أرجو ألا يقرأ البعض هذا الكلام على أنه حالة من حالات تصفية الحسابات، فحتى الآن لم أشعر أن لي حسابات مع أحد كي أصفيها، ولا ينتابني شعور بالعدائية تجاه الآخرين، ولكني منذ بدأت الكتابة أشتغل على مساحة الحرية التي لا تنتقص من مقدار أحد فما بالكم بجهوده؟ أشتغل على زاوية الاختلاف، ومن أنه ضرورة ملحة كي نصل إلى رأي توافقي ليس شرطا أن يتبناه أحد، ولكن من الضروري جدا أن يجد رأيك طريقه إلى النور، فلربما مر أحدهم ووجد شيئا قد يفيد "القضية"
قبل أيام قام النادي الثقافي ممثلا في إدارته بالإعلان عن جلسة حوارية "ثانية" مع "طبقة" المثقفين بالسلطنة، ووصلت إلى هاتفي الدعوة من قبل النادي، ثم تم تأجيل الجلسة إلى نهاية الشهر
الجلسة الأولى كانت قبل عام وكنت خارج البلاد، وفي كل الأحوال لم أكن لأحضر، إذ إن موقفي كان واضحا تماما: المؤسسة التي تلغيك وتلغي حقا من حقوقك لا ينبغي التعاطي معها بأي شكل من الأشكال.. منذ أن أعلنت إدارة النادي الثقافي السابقة إلغاء أسرة القصة مع أسرتين أخريين؛ وأنا لم أدخل النادي الثقافي إلا ثلاث مرات فقط، ولعمل حتمه مهرجان المسرح العماني الرابع، ولولا اختيار النادي الثقافي مكانا لإقامة بعض من الفعاليات التي وبحكم اشتراكي في بعض لجان المهرجان كان لابد من حضورها لما وطئت قدماي النادي الثقافي مطلقا
لا يظن أحد أن هذا هو موقف عدائي ضد النادي الثقافي أو إدارته، ولكنه موقف أؤمن به ومن حقي أن أعبر عنه، ما دام هذا الأمر لا يسيء لأحد، ولا أظن أيضا أن أحدا سيفتقد وجود شخص مشاغب تعود الآخرون أن يكون هو زاوية الاختلاف المتواصلة، الأصدقاء كانوا أم غير الأصدقاء
طبيعي جدا ألا أذهب وأحضر إلى ما يقيمه النادي الثقافي، فهو من وجهة نظري خرج عن إطار وظيفته التي يختص بها، وهي هنا استقطاب المثقف أيا كانت نوعية هذا المثقف، وأصبح مؤسسة تريد فرض ما تريد من توجهات وسياسات وكأن المثقفين قطعان من الماشية (صحيح أنهم لا يستحقون العناء الكثير، ولكن من الناحية الإنسانية لا يمكن اعتبارهم "ماشية" يمكن أن تذبح في الأعياد)
المشكلة الكبرى أن الإدارة تغيرت وجاءت إدارة كان يمكن أن تصوب اخطاء من سبقوا، أقول أخطاء لأن الاجتهادات عادة ما تكون مشكورة، ولكن الأخطاء المتعمدة، الأخطاء ذات الصبغة الفردية هي التي تضيع جهود السابقين وقد لا تجعل لمن سيأتي من مساحة اجتهاد إن كانت هذه الإدارة لا تود أن تفعل شيئا يصحح الوضع السابق، ليعود النادي فعليا إلى وظيفته الاختصاصية الأساسية: ارضية للمثقف العماني يمارس فعله الثقافي دون تدخلات تكاد تكون سمجة
أتذكر في هذا المقام، ما فعلته إدارة من الإدارات عندما طلبت من ضيوفها الشعراء ألا يتطرقوا إلى الانتفاضة الفلسطينية فما كان إلا أن فضحتهم شاعرة من الضيوف وعلى الملأ، فضيحة لو أنها حدثت في الوقت الراهن لكانت سمعة بلد بأكمله على المحك..
لكن من جاء بعد تلك الإدارة أصلح كثيرا من العلاقة المتوترة مع المثقفين العمانيين، واستقطبهم بشكل إيجابي، بحيث باتت السنوات التالية سنوات جميلة من ناحية ما يقدم في النادي الثقافي، وتم تأسيس قاعدة استفادت منها الإدارة اللاحقة في إنشاء مشروع كالبرنامج الوطني لدعم الكتاب مثلا، وهي ذاتها الإدارة التي عادت لتضع العلاقة مع المثقف في الزاوية الخطأ عندما انتهجت أسلوبا دكتاتوريا وإقصائيا بكل ما تحمله الكلمة من دلالات، لتفرض كلمتها ومشاريعها التي تبدو مفرغة من معناها الثقافي، لاسيما عندما شكلت لجنة سميت بلجنة الإبداع تعمل على إقامة فعاليات ثقافية متعددة، تشمل الأدب والفكر وكلام سخيف كثير.. تلك اللجنة ذوت مع الوقت، بل أخذ أعضاؤها في الانسحاب واحدا تلو الآخر، وربما بقي الآن فرد أو فردان يعملان فيها، وربما يعلمان أنهما لن يصلا لشيء ذي قيمة فعلا.
حتى مشروع المائة كتاب أو المشروع الوطني للكتاب، بات مشروعا مهلهلا ولا ينتج ما يجعله مشروعا تنويريا جميلا، بل إن بعض الحالات التي ينشر لها، تبدو حالات مجاملة لا قيمة إبداعية ولا فكرية لها، لمجرد أنها قريبة من أحدهم وتربط صاحبها بعلاقة وثيقة بأحد العاملين سواء في اللجنة أو في النادي
أقول هذا الكلام وأستعيد بداية هذا الحديث، وهو عن الاجتماع المزمع عقده مع مثقفين ومتنورين عمانيين ليضيئوا مشوار النادي الثقافي ويقيموا السنة الأولى على ما يبدو من تجربة الإدارة الجديدة، وأضع تساؤلات حول فائدة مثل هذا الاجتماع التشاوري في ظل رفض قدمته إدارة النادي الثقافي فجأة لعدد من المسرحيين (والمسرحيون مثلهم مثل كتاب القصة والشعر والسينما والبطيخ مثقفون) بعدما أعد المسرحيون عدتهم للالتقاء بالنادي الثقافي الذي يفترض به مكان لالتقاء المثقفين إن لم اكن مخطئا! علما بأن جملة المسرحيين الذين أرادوا هذا اللقاء كانوا يودون فعليا أن يكون النادي الثقافي سواء ممثلا في إدارته أو في لجنته المسماة لجنة الإبداع (أو أيا كان اسمها) هم المنظمون الفعليون لمثل هذه الجلسة التي يريدها المسرحيون
جاء الاعتذار في وقت حرج، بعد عدة محاولات من قبل بعض من يسمون أنفسهم بالمسرحيين، لإجهاض اللقاء. اتصالات متوالية، حتى قرر النادي الثقافي أن "يبعد عن الشر ويغنيله" وكأن النادي الثقافي لا يملك القدرة على أن يقوم بفعل إيجابي، وكأنه لا يملك صوتا وقدرة على تسيير نفسه إلا عندما يتعلق الأمر بإقصاء المثقفين.
وعوضا أن يحتضن النادي الثقافي هذه الجلسة الحوارية يعتذر ليحتضنها ناد رياضي لمجرد أن أحدهم يؤمن بالقضية المسرحية، وله في كل الأحوال الف تحية وسلام لأنه أراد إتمام فعل ثقافي جدير أن تحتضنه المؤسسات المعنية، والنادي الثقافي أولها
هل يا ترى أن النادي الثقافي سينجح في لقائه التشاوري مع المثقفين الذين سيأتون؟ كيف له أن ينجح وهو يمارس وظيفة الوصي، والإقصائي في وقت واحد؟ كيف له أن يمارس الدورين: احتضان المثقف ونبذه في وقت واحد؟ أم أنه ضحك على الذقون؟ ذقون المثقفين الذين كثيرا ما يهرول بعضهم لمثل هذه اللقاءات؟
بالمناسبة، قبل عدة سنوات كنت واحدا من المهرولين، لأني كنت وقتها متفائلا بالدور الطليعي الذي يمكن أن تقيمه مؤسسات كالنادي الثقافي، وحتى المثقف. اليوم كفرت بكل ذلك، بالمثقف ككيان قادر على التغيير الإيجابي في مجتمعه، وأخذت أردد: فخار يكسر بعضه!
فخار يكسر بعضه أيضا لكم أيها المسرحيون، الذين تتقاتلون من اجل رئاسة زائفة، من أجل مناصب تعيسة ولا قيمة لها، الذين لا يفعلون شيئا سوى التشكي والثرثرة المجانية، الذين همهم دعم وزارة التراث والثقافة ولا يبدأون بأنفسهم فيجتهدون في الفعل المسرحي، ليقدموا للناس أعمالا ترقى بهم لا تنحط وتجعلهم في أسفل سافلين.
وفخار يكسر بعضه لجمعيات لا قيمة لها، جمعيات ينبغي إغلاقها وتسليم مفاتيح مقارها لأصحاب الهم الحقيقي: المعوقين، حماة البيئة، الأطفال، فريق الرحمة، مرضى السرطان والسكري وغيرها..
جمعيات لم تقدم شيئا لمجتمعاتها لا ينبغي أن تستمر، وعلى الجهات المعنية أن تغلقها، وتكفنا من إهدار الأموال فيما لا فائدة منه ولا قيمة تذكر.
http://hilalalbadi.blogspot.com/2012/04/blog-post.html