أما السائل فلا تنهربينما يطلب الناس وجباتهم المفضلة من أحد مطاعم الوجبات السريعة من نوافذ سيارتهم مستمتعين بالهواء الخارج من مكيف السيارة ، يقف طفلاً ذو العشر سنوات بدشداشته وكمته العُمانية خارج ممر خروج السيارات تحت أشعة الشمس الصيفية وهي الأقرب إلى اللهيب الناري ينظر بعفوية ورجاء إلى السيارة القادمة من منفذ استلام الوجبة لعل النقود المتبقية من سعر الوجبة ستكون من نصيبه أم أن النافذة ستغلق في وجهه كما تعود، وهو يقول في قراراة نفسه أنا أيضاً أملك سلعة للبيع ولكنها لا تحمل ماركة عالمية وسعري أقل بكثير من سعر تلك الوجبة ، ووضعي يستدعي الشفقة ، بينما أصحاب السيارة يفرون من الطفل من دون شفقة لظنهم بأنه قد يكون يتبع عصابة معينة أو أن أهله أصحاب تجارة محرمة فيستغلون أطفالهم لجلب المال ، أو أن هذه طريقة سهلة بدلاً من عناء العمل ، أو أن هذه عادة تعودت عليها عائلة هذا الطفل ومن الصعب إقتلاعها .إن ذلك الطفل وغيره الكثيرين المنتشرين في كل مكان وبالأخص المساجد ومحطات تعبئة الوقود والذين يطلق عليهم متسولين أصبحوا يشكلوا ظاهرة تزداد في شهر رمضان المبارك ، مبتكرين عدد من أساليب التسول التي قد تدفع المسئول لأن يمد العون بنية صادقة ، لكن هل محاربة هذه الظاهرة إذا يمكن إعتبارها كذلك هي تتنافى مع ما جاء في القران الكريم "أما السائل فلا تنهر" ، هل إنتشار مصطلح التسول بمعناه السلبي أدى إلى أن نعتبرها ظاهرة مشينة وبالتالي كف المسلمين عن يد العون للسائل ، هل يجب محاربة هذه الظاهرة أم نكثف من وسائل المساعدة وذلك بِحثَ الناس على الصدقات وتقديم يد المساعدة للفقراء والمحتاجين بدلاً من أن تصبح الشوارع وبيوت الله مكاناً لكسب المال، قد يكون التسول بحد ذاته ظاهرة مشينة ولكن هناك جذور لها يمكن إقتطاعها ، وقد يكون الجذر الأكبر هو كف المقتدر عن أداء الصدقات ومساعدة المحتاجين فمن وجد في يده المال من الناس رغب بالمزيد وبالتالي فهو لا يتصدق ، هذه العادات التي تولدت لدى الناس لتعلقهم بأمور الدنيا هي سبباً لا يمكن نكرانه لنشوء التسول وظهور هذه الفئة في المجتمع ، التي لا يرغب بوجودها المجتمع بل هي تعتبر السؤال عن المال بدون وجه حق ويجب الحد منها ، فالمتسول مهما كانت ظروفه وعيوبه فهو إنسان تخلى وضحى عن الكثير ليصل لهذه المرحلة فهو تخلى عن جوانب إنسانية كثيرة جعلته يزيل الحواجز ويلاقي الناس بوجه مكسور ذليل لطلب الحاجة ومد يده لجمع أوراق نقدية ، هذه الحاجة هي من جعلته يبتكر الوسائل والأساليب إذن الحاجة قبل أي شيء آخر . من جانب آخر وعلى الرغم من أن الجهات الحكومية شكلت لجان لمكافحة هذه الظاهرة إلا ان دورها غير ملموس وشريحة كبيرة من المجتمع لا يعرف عن هذه الفرق وذلك لعدم وجود التوعية الكافية بكيفية الاستعانة بها وعدم التذكير بوسائل التواصل معها سواء من خلال وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الإلكترونية ، وهذا ما يضعف دورها ويجعلها تتسم بالقصور ، وقد تكون هذه الفرق قد نفذت عدد من العمليات وألقت القبض على عدد من المتسولين لكنها لم تحد منهم بل أن الكثيرين ممن ألقي القبض عليهم هم نفس الأشخاص فيرجعون بعد إطلاق صراحهم إلى ممارسة نشاطهم التسولي ، هذا أنما يدل على أن العقاب أو الضوابط المتبعة بحاجة إلى إعادة نظر بحيث يضمن عدم رجوع المتسول إلى ممارسة نشاطه ، كما أن هذه الفرق أو الفريق إن صح التعبير يعاني من بطء الإستجابة للبلاغات التي قد ترد إليه فما أن يصل الفريق يكون المتسول قد إنتقل إلى مكان آخر وبالتالي فليس من السهل العثور عليه ، إن عدم الإكتراث الفعلي لهذه الظاهرة قد يؤدي وإلا سننتهي إلى نشوء جيل من المتسولين يرثه الأبناء عن الأباء دون أدنى مسئولية أو حياء ، قد يقول قائل بان هناك عصابات من جنسيات أخرى هي من تنشر متسولين ، إذن المشكلة أكبر وعليه يجب البحث عن أصل هذه العصابات ومنعها من نشر نشاطها هذا في المجتمع وإستغلال طيبة العُماني. على الرغم من أن قانون التسول الذي تتضمنه المادة (234) في الباب الخامس الفصل الثامن من قانون أحكام الجزاء العُماني المعدل تتضمن بعض الأحكام التي تقضي بعقوبات بالسجن أو الغرامة ولكن هل هي مفعلة وهل أن الغرامة المنصوص عليها في ضوء ما يجمعه المتسول خلال اليوم الواحد.إذا كان التسول ظاهرة مشينة فيجب أن نكون أكثر ترجمة لما أوصى به الدين الإسلامي من حيث الإكثار من الصدقات وعدم حكر الأموال في يد فئة من الناس.
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
أما السائل فلا تنهر
تقليص