الإمام الطبري من أبرز المفسرين والمؤرخين في التاريخ الإسلامي، شخصية جمع بين علوم التفسير والفقه والتأريخ، وعدم الميل إلى التقليد، شيخ المفسرين تفرّد بأسلوبٍ خاص ظل خالداً ما حيينا.
كان الـتفسير الشغل الشاغل لكل الأئمة والعلماء في مختلف العصور ورحلة حفظه بدأت في عهد نشوئه بأخذه شفهياً وحفظه في الصدور, ثم يتناقل نقل الحديث يداً بيد هكذا كان التفسير على عهد الرسالة, وفي عهد الصحابة والتابعين الأول، وفي عهد تابعي الـتابعين, فجعل يضبط ويثبت في الدفاتر والألواح, وبذلك بدأ عهد تدوين التفسير إلى جنب كتابة الحديث, أواسط القرن الثاني الهجري, حيث لم يتوقف التفسير عند مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي، إذ أن تفسير القرآن الكريم مر بمراحل بارزة، حيث كان تفسير القرآن في بداية الأمر مقصوراً على التناقل عن طريق الرواية فحسب، إذ كان الصحابة يروون عن الرسول الكريم تفسيره لبعض الآيات والسور القرآنية، وكان التابعون كذلك يروون عن الصحابة ما كان عندهم من تفسير منقول عن النبي محمد، أو ما اجتهدوا في تفسيره، وواضح من هذا أن التفسير في هذه المرحلة كان يقوم على المشافهة والرواية فحسب. ثم مع بدء مرحلة التدوين عموماً والتي يؤرَّخ لها عادة مع بداية النصف الثاني من القرن الهجري الثاني والبدء بتدوين الحديث خصوصاً، بدأ التفسير يدوَّن ضمن كتب الحديث خاصة، إذ كان يُفرد له باب مستقل ضمن الأبواب التي تشتمل عليها المدونات الحديثة. ومع انتشار التدوين، واستقلال كثير من العلوم، أخذ تدوين التفسير يستقل شيئاً فشيئاً، فبرزت بعض التفاسير المدونة التي فسرت القرآن الكريم تفسيراً كاملاً، وبالسند فيما كان مسنداً. وليس من السهل في هذا السياق معرفة أول من دوَّن تفسير القرآن كاملاً مرتباً.
المرحلة الثانية كانت مرحلة التدوين مع اختصار الأسانيد، حيث اقتصر التدوين في التفسير على نقل الأقوال التفسيرية دون إسنادها إلى قائليها، الأمر الذي ترتب عليه ظهور الوضع، والنقل عن الروايات الإسرائيلية، وبعد تدوين كثير من العلوم وانتشارها؛ كعلم الكلام، وعلوم العربية، وعلم الفلسفة، بدأ التفسير يأخذ شكلاً مختلفاً إذ دخل في مرحلة التفسير العقلي، التي بدأت بترجيح بعض الأقوال على بعض، اعتماداً على اللغة العربية، والسياقات القرآنية.
هنا سنركز على دور شيخ المفسرين الإمام الطبري الذي جمع في تفسيره بين المنحى الأثري من خلال جمع الروايات، وبين المنحى النقدي الذي يقوم على المناقشة والموازنة والترجيح، قبل ذلك لنتعرف على نسب الإمام الطبري، وهو محمد ين جرير بن يزيد بن كثير بن غالب يكنّى بأبي جعفر، ويلقب بالطبري نسبةً إلى طبرستان التي ولد فيها عام 224 هـ أو 225 هـ كما هو مدون، حفظ القرآن وهو طفل، في عمر السبع سنوات، وكتب الحديث وهو ابن تسع سنوات، لفد كان حافظاً للقرآن، عارفاً بالقراءات، ملمّاً بالمعاني، فقيهاً في أحكام القرآن، والكثير غير ذلك.
شيخ المفسرين، كان من أكثر الناس تأليفاً، حتى قيل إن تلامذته، قسمت أوراق مؤلفاته على عدد سنين حياته، أي 86 عاماً، من هذه المؤلفات العظيمة، تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تاريخ الرسل والملوك، الكتاب التاريخي العظيم، وتهذيب الآثار الذي يُعتبر من عجائب كتبه الذي تكلم فيه عن علل الحديث ولكن مع الأسف توفي قبل أن يتمه، وأيضاً كتاب القراءات، واختلاف العلماء، وأحكام شرائع الإسلام، وكتاب الخفيف في الفقه، والتبصير في أصول الدين، وكتاب البسيط، وبالطبع أشهر كتبه، تفسير الطبري، وتاريخ الطبري.
الإمام الطبري كان يتمتع بثقافة واسعة، هو إمام في القراءات وإمام في الحديث، واللغة، ولقد جاء تفسيره للقرآن الكريم معبراً عن هذه الثقافة والمخزون العلمي الكبير الذي تمتع به، فهو ينقل بأسانيده المأثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وصحابته والتابعين من أئمة التفسير موضحاً الاختلافات ومبيناً جوانب الإعراب، ومحققاً لكل شيء ومرجحاً للأقوى من بينها، هذا الأمر يدلل على أن لشيخ المفسرين اجتهادات خاصة خرج فيها عن الإطار المأثور فكان فكره مستقلاً ورأيه عميقاً، حيث أصّل علم التفسير تأصيلاً راسخاً موضوعياً يعتمد اللغة والأثر والنظر، وجمع بين خطين هما خط التفسير بالمأثور القائم على النقل والرواية، وخط التفسير البياني القائم على اللغة والبيان، ما يعني أنه وظف اللغة والأثر والنظر ليكون خير من مثّل هذا النهج، والذي من الممكن تسميته بالتفسير المقارن، لأنه يوجه أقواله ويحللها ويرجح القوي منها، وصاغ أسس تفسيره بشكل موضوعي مورداً العلل والأدلة، وتوجيهات كل مذهب، وكل قول لهم.
كل هذا العلم كان بفضل علاقة شيخ المفسرين باللغة، الطبري قال إن القرآن الكريم نزل بلسان العرب، ودليله، كما جاء في كتاب الله العزيز: (إنا انزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون)، وأيضاً قوله تعالى: (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسانٍ عربيٍّ مبين)، فلقد كان الطبري ينتقي من أفصح كلام العرب وأشعارهم ما يعنيه على توجيه تفسيره، لأنه يرى أن النص القرآني بما يتسم به من الإعجاز البياني يستلزم ان يستشهد على تحديد معناه وأسراره بما يناسب من بليغ القول وفصيح الكلام، وبالتالي إن البحوث اللغوية بالنسبة للإمام هي وسيلة لترجيح معنى على آخر بتوجيه لغوي قوي أو للتوفيق بين المقتضى والمأثور بما يزيل أي تعارض، وبرأي الطبري أن كل لفظ من القرآن الكريم له معناه ووظيفته، ولا يجوز إهمال شيء منه، يقول الإمام الطبري: (كتاب الله أبين البيان، وأوضح الكلام، ومحال ان يوجد شيء منه غير مفهوم المعنى).
ومن خلال ما تقدم، كان الإمام الطبري يعطي أهمية كبرى للغة العربية في تفسير القرآن وفهم معانيه، على أنها جزء لا يتجزأ من التفسير لكنها لا تنهض وحدها به، لأن المسألة ليس نحو وصرف بل هي تشريع وأحكام شرعية، تمثل إرادة المشرع من التشريع، من خلال ضبط قواعد النص من منطلق اللغة وأيضاً من منطلق التشريع نفسه، كما مفردتي الصلاح والفساد، لغوياً هما واضحتا المعنى، وتشريعياً العمل بما هو صالح والابتعاد عما هو مسبب للضرر، ما يعني أن التفسير من خلال اللغة يمهد لما سيلي، وبالتالي هذا التمهيد هو تمهيد ضروري وبداية أساسية وعملية منهجية لكل قاعدة تفسيرية تفتح المجال للمعاني الأخرى من التفسير، واستطاع الإمام الطبري أن يوظف جملة من علومه في الفقه واللغة والدين والعقائد، في أن يخرج بتفسيره الذي صار مرجعاً إلى يومنا هذا، كذلك تأليفاً لكتابه تاريخ الطبري، ففي في كتابه تفسير الطبري، فهو صاحب جهد غير مسبوق، حيث يعد أول من نظم مختلف مراحل التفسير في ضوء ما توفر له من مادة تفسيرية غزيرة في عصره، وقد أسس بهذا لمنهج سار عليه من بعده، ويجمع تفسيره بين المعنى والتأويل واللغة وأشهر الأقوال حول مدلول الآيات والإعراب، بحيث أنه مزيج بين التأريخ والنقل والاقتباس واللغة والأسانيد والترجيح، وقد أوضح الطبري أن القصد من تفسير القرآن الكريم هو تبيين الوجوه المحتملة للآيات، واستقصاء هذه الوجوه فقال: “إذ كان الذي قصدنا له في كتابنا هذا البيان عن وجوه تأويل آي القرآن دون وجوه قراءتها”.
وأشهر ما تميز به أنه كان من أكثر علماء الإسلام تأليفاً وتصنيفاً، قال عنه ياقوت الحموي: “وجدنا في ميراثه من كتبه أكثر من ثمانين جزءاً بخطه الدقيق”، وهذا الأمر طبيعي لأنه أكثر من الترحال في طلب العلم، ولقي نبلاء الرجال، وقرأ القرآن ببيروت على العباس بن الوليد، ثم ارتحل منها إلى المدينة المنورة، ثم إلى مصر، والري، وخراسان، ثم استقر أخيراً ببغداد، وكان أول المجددين في تفسير القرآن الكريم مع بداية القرن الثاني الهجري، فحاز بذلك لقبين استحقهما، هما شيخ المفسرين لجلالة قدره في علم التفسير، وإمام المفسرين لسبقه في تقديم منهجه الجديد في تفسير كتاب الله، وكان لهذا التفسير أولوية زمانية، وأولوية موضوعية، فهو لم يقتصر على لون واحد من التفسير، بل اشتمل على ألوان منه، رفعت من شأنه، وجعلت له تلك المنزلة عند العلماء؛ فالطبري رغم اعتماده على التفسير بالمأثور أساساً، جمع إلى جانب الرواية جانب الدراية، واهتم بالقراءات القرآنية أي اهتمام، وكان له اعتناء بعرض وجوه اللغة، فضلاً عن آرائه الفقهية واجتهاداته التي أودعها كتابه الشهير.
كان أسلوبه يتسم بمقدمة علمية حشد فيها جملة من مسائل علوم القرآن، منها: اللغة التي نزل بها والأحرف السبعة، والمعرب، وطرق التفسير، وعنون لها بقوله: (القول في الوجوه التي من قبلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن)، وتأويل القرآن بالرأي، وذكر من ترضى روايتهم ومن لا ترضى في التفسير. ثم ذكر القول في تأويل أسماء القرآن وسوره وآياته، ثم القول في تأويل أسماء فاتحة الكتاب، ثم القول في الاستعاذة، ثم القول في البسملة، ثم ابتدأ التفسير بسورة الفاتحة، حتى ختم تفسيره بسورة الناس.
ويعتبر القرن الثالث الذي عاش فيه الإمام هو العصر الذهبي لتدوين العلوم الإسلامية، والسنة النبوية، وعلم التفسير وعلم الجرح والتعديل، وظهرت المؤلفات والمصنفات بطريقة مبتكرة لم تكن معروفة سابقاً على طريقة الأبواب الفقهية والجوامع والأسانيد والصحاح والفوائد، وكان الإمام الطبري علامة وفقيهاً تهافت عليه التلامذة للأخذ من علومه لما كان يتمتع به من ذكاء وعلم، وكان ولعه بالفقه أن جعله يأخذ من فقه مصر والعراق وغيرهم وأوجد لنفسه مذهباً فقهياً خاصاً به، فلقد كان حافظاً وهرماً في التفسير، إماماً في الفقه والإجماع والاختلاف، علامة في التاريخ وأحوال الناس.
وبما يتعلق بالظروف السياسية التي عاشها الإمام، وكيف أثر وتأثر فيها، لا بد من معرفة الحقبة وظروفها التي عاصرها الإمام االطبري، عاش شيخ المفسرين في اواخر العصر العباسي الأول، إبان خلافة المعتصم حتى خلافة المقتدر في العصر العباسي الثاني، وبالتالي عاش الإمام في تلك الحقبة بما لها وما عليها من صراعات ورغد، ووقف وقفة حق مناصراً لكتاب بالله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، سخر قلمه وعلمه في سبيل الدفاع عن الإسلام وتاريخ المسلمين، خاصة وأن الفترة التي عاش فيها كانت مقسمة على ثلاث طبقات، المترفة والوسطى والدنيا، هذه الطبقات أفرزت بطبيعة الحال بعضاً من حالات المجون وشرب الخمر وكثرة الفساد والرذيلة والأخطر خروج الخرافات وكان العلماء الذين عاصرهم الطبري أن شنوا حرباً على الزنادقة والشعبوية وأرباب الكلام وأهل الأهواء وموجات المجون وكشفوا زيفهم للمسلمين، وخطورة أفكارهم على العقيدة والدين.
دافع الإمام عن العقيدة الإسلامية بقلمه لصد التحريف والتأويل والتشبيه ضد الشبهات التي خرجت في ذاك العصر، لكن رغم كل ذلك ازدهرت الحركة الفكرية في العصر العباسي الأول ازدهاراً كبيراً وتلاقت في الحواضر الإسلامية شتى الثقافات التي تمثل حضارات الأمم العريقة في العلم والأدب والثقافة، وكانت الدولة الإسلامية مزيجاً من شعوب كثيرة جمعها الإسلام، مثل الثقافة الفارسية واليونانية وكثرت كتب التراجم عنهم، مثل دار الحكمة في عهد المأمون الذي اهتم بالعلم كثيراً، وكذلك هارون الرشيد وبالطبع كان الفضل الأول للخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، وبالتالي كانت ثقافة الإسلام هي الغالبة في الدين والأدب والشعر وسائر العلوم مرجع الناس جميعاً. وفي العصر العباسي الثاني وعلى الرغم من الاضطرابات السياسية لقد زاد الاهتمام العلمي خاصة آثار الترجمة.
وجدت في عهد الإمام الطبري عوامل كثيرة ساعدت على دفع الحركة العلمية دفعة قوية إلى الأمام، حيث تفرغ العلماء لعلومهم بعد أن هدأت مرحلة الفتوحات الإسلامية، وأثريت شتى المكتبات الإسلامية بشتى المصنفات، وكان لإمام المفسرين الدور البارز في هذا المجال، وبالتالي كان من الطبيعي أن تحظى علوم التفسير بالاهتمام الكبير نظراً لطبيعة تلك المرحلة، سواء التفسير بالمأثور أو التفسير بالرأي، لقد استطاع الطبري أن يجمع في تفسيره عن طريق الروايات المسندة أكثر الآثار التي رويت عن الصحابة والتابعين، كذلك الأمر في علوم الحديث إذ بدأ تصنيفه على أبواب الفقه كما في كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس، على سبيل المثال، كذلك الأمر في الفقه والتاريخ واللغة التي أفردنا لها مساحة واسعة في مقالنا السابق.
رغم كل ما توفر له وما كتب، كان إمام المفسرين متواضعاً على الرغم من غزارة العلم الذي لديه، والتي اكتسبها من ترحاله ليصبح إمام عصره بلا منازع ويحتل مركز الصدارة بين الأئمة والعلماء، حيث التقى الكثير من شيوخ وأئمة الحديث الثقات وسمع عنهم وأكثر الكتابة عنهم، وأخذ الحديث عن الكثير من شيوخ الإمام البخاري ومسلم، لقد كان الإمام الطبري منهلاً عذباً أثرى العلوم الدينية والأدبية والتاريخية، ومن الطبيعي أن يكون له عدد كبير من التلاميذ الذين نهلوا عنه العلم.
ولعل كتابه “جامع البيان في تأويل آي القرآن” عمدة ما وصل إلينا من مؤلفاته الغنية لشموله على الكثير من العلوم المختلفة من الحديث والسير والفقه وأصوله واللغة والنحو والشعر والتاريخ، وقال عنه ابن عساكر: (فتم من كتبه كتاب تفسير القرآن، وجوّده وبين أحكامه وناسخه ومنسوخه ومشكله وغريبه واختلاف أهل التأويل والعلماء في أحكامه وتأويله، والصحيح لديه من ذلك، وإعراب حروفه، والكلام على الملحدين فيه، والقصص وأخبار الأمم والقيامة، وغير ذلك مما حواه من الحكم والعجائب كلمة كلمة… إلخ)، حيث جمع الإمام الطبري حصيلته العلمية من خلال السماع والتلقي من شيوخه الذي تتلمذ على يدهم خلال رحلته الطويلة في طبرستان والعراق والشام ومصر والحجاز، وبناءً على ذلك، كان الإمام في التفسير والقراءات والتاريخ مصدراً واسعاً وغنياً لكل من أتى بعده، حيث أتى أسلوبه واضحاً في منهجهم مثل القرطبي وابن كثير وغيرهما.
لقد كان في عصر الإمام الطبري كل الظروف التي ساهمت في تحصيله الغزير، يقول الإمام الطبري عن نفسه: (لما دخلت مصر، لم يبق أحد من أهل العلم، فجاءني يوماً رجلاً فسألني عن شيء في العروض، ولم أكن نشطت له قبل ذلك، فقلت له على قول ألا أتكلم اليوم في شيء من العروض، إلى الغد، وطلبت من صديق لي العروض، الخليل بن أحمد الفراهيدي فجاء به، فنظرت فيه ليلتي، فأمسيت غير عروض، وأصبحت عروضياً)، لكن وبدون أدنى شك أن شهرته كانت في تفسير القرآن الذي ينقله بالسند، وإلى جانب نبوغه في تفسير القرآن، اشتهر أيضاً بعلوم الحديث حيث أكثر من الرواية عن كبار الحفاظ والمحدثين، وقد شهد له الخطيب البغدادي بقوله: (كان حافظاً لكتاب الله، عارفاً بالقراءات، بصيراً بالمعاني، فقيهاً في أحكام القرآن، عالماً بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها).
الطبري لم تتوقف علومه عند حد، أيضاً كان بارعاً في علوم القراءات، التي تلقاها عن شيوخها ببغداد والكوفة والشام ومصر، واعتمد في ذلك على الأسانيد، وعلى قوته في اللغة والنحو والأسلوب البياني العام، وفي الفقه كذلك الأمر أخذه عن كبار أهله، وعُني بمعرفة أقوال الفقهاء والمجتهدين وأحكام القضاة والمفتيين، وآراء المفسرين والمحدثين من معاصريه والمتقدمين عليه، ليصبح عالماً بالإجماع ومراتب الاتفاق، ملماً بأدق الآراء في المسائل الفقهية المختلفة.
وفي التاريخ، كان الإمام الطبري أبرع من صنف فيه، فكتابه تاريخ الأمم والملوك، يعتبر أوفى عمل تاريخي بين مصنفات العرب، أقامه على منهج مرسوم وأسلوب استقرائي شامل، بلغت فيه الرواية مبلغها من الثقة والأمانة والاتقان، أكمل ما قام به المؤرخون قبله مثل اليعقوبي والواقدي وابن سعد، وغيرهم، ومهد السبيل لمن جاء بعده كالمسعودي وابن الأثير وابن خلدون وغيرهم، يقول المؤرخ ابن خلكان: (وتاريخه أصح التواريخ، وأثبتها)، وإلى جانب التاريخ كان الطبري بارعاً في علوم النحو والصرف والبلاغة والأدب والشعر والعروض، إذ لطالما استشهد في تفاسيره من الشعر الإسلامي والجاهلي الكثير.
وفي علوم الفلسفة والمنطق والجدل والحساب والجبر والطب، درسها الإمام إلا أنه لم يتعمق فيها كثيراً فقد كان إماماً في بعض ألوان المعرفة في عصره، ومقدرته في علم الكلام والجدل ظاهرة بوضوح في مناقضاته لمعارضيه على مخالفيه، كذلك نقض الآراء التي لا يقرها، كما في كتابيه (التفسير، وكتاب اختلاف الفقهاء).
كما أشرناً آنفاً أن شيخ المفسرين اشتهر بقوة حفظه ونفاذ بصيرته وتسخير نفسه للعلم، من خلال سرد تفاصيل حياته وبعضاً من الجانب الثقافي لديه، لقد شغف بالعلم منذ نعومه أظافره حتى آخر حياته، وبالتالي صدرت عنه مؤلفات كثيرة كانت ولا تزال مصدراً هاماً من المصادر العلمية والمعرفية لكل طالب علم، فأثمرت جهوده المباركة في مجال التأليف مجموعة من الموسوعات والكتب والرسالات في العلوم العديدة كما أشرنا في المقال السابق، من عقيدة وقراءات وتفسير وحديث وفقه وتاريخ، نبدأها بـ “آداب المناسك”.
آداب المناسك وآداب النفوس
هو كتاب يعتبر مرجعاً لحجاج بيت الله الحرام، من يوم خروجه إلى الحج، إلى انقضاء حجه، وقد ذكره ياقوت الحموي باسم مختصر “مناسك الحج”، أما كتاب “آداب النفوس” فهو من الكتب الجيدة بحسب وصف ابن عساكر وياقوت الحموي، وقد عمل الطبري هذا الكتاب عما ينوب الإنسان من عرائض في جميع أجزاء جسده، وما روي عن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم حول ذلك، كذلك الصحابة والتابعين، وتناول أحوال الناس من الورع والشكر والإخلاص، والخشوع والصبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك، كما ذكر فيه شيئاً من الدعاء وفضل القرآن الكريم وأوقات الإجابة ودلائلها وما روي من السنن وأقوال الصحابة والتابعين.
وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء، نصاً من هذا الكتاب، قال فيه: (القول في البيان عن الحال الذي يجب على العبد مراعاة حالة فيما يصدر من عمله لله عن نفسه، لا حالة من أحوال المؤمن يغفل عدوه الموكل به عن دعاية إلى سبيله… إلخ)، وعلق الذهبي على هذا الكلام بقوله: (فكلام أبي جعفر من هذا النمط، وهو كثير مفيد).
اختلاف الفقهاء
قصد الإمام في هذا الكتاب ذكر أقوال الفقهاء وهم مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأبو حنيفة النعمان، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني، وإبراهيم بن خالد أبو النصر الكلبي، وقد ذُكر أن الإمام كتب هذا الكتاب ليتذكر به أقوال من يناظره، وكان محبباً إلى قلبه لأنه أول ما صنّف من كتبه، وكان يقول في هذا الخصوص: (لي كتابان لا يُستغنى عنهما، فقيه الاختلاف واللطيف، وكتاب الاختلاف)، وذكر الطبري في هذا الكتاب الكلام في الإجماع، وأخبار العدول وزيادات ليست في اللطيف وشيئاً من الكلام في المراسيل والناسخ والمنسوخ.
اللافت أن المستشرق الألماني “فردريك كرن” ذكر جزءاً منه، أما كتاب “الإيمان”، فقد ذكره الطبري في تفسيره عند تفسيره لقوله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر)، حيث يقول: (وهذا هو التأويل الثاني الصحيح عندنا في ذلك لما قد بينا من العلل في كتابنا، من أن الحنث موجب الكفارة في كل ما ابتدئ فيه الحنث من الإيمان بعد الحلف على معصية كانت اليمين أو على طاعة)، على الرغم من أن المؤرخين لم يذكروا اسم هذا الكتاب.
بسيط القول في أحكام شرائع الإسلام
هذا الكتاب يتناول مراتب العلماء ويحض فيه طلاب العلم على التفقه وتحدث فيه عن الفقهاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن أخذ عنهم بالتسلسل حتى وصل إلى الحديث عن فقهاء الأمصار، فبدأ بالمدينة ثم مكة والكوفة والبصرة والشام وخراسان، وخرج من هذا الكتاب، كتاب الصلاة والزكاة وكتاب الشروط القضاة، والمحاضر والسجلات، وكتاب الوصايا، وآداب الأحكام المشهور بالتجويد والتنسيق والتفضيل، حيث جاء فيه حول مدح القضاة وما ينبغي للقاضي أن يتحلى به من الصفات وتكلم فيه عن المساجلات والدعاوى والشهادات والبينات.
أما كتاب “البصير في معالم الدين”، فهو يُعتبر رسالة قصيرة كتبها إلى أهالي طبرستان فيما وقع بينهم من خلاف في الاسم والمسمى، وفي مذاهب أهل البدع، وقد ذكر هذا الكتاب ابن القيم باسم “التبيين في معالم الدين”، وقال فيه: (القول فيما أدرك علمه من الصفات خبرا، وذلك مثل أخباره أنه سميع بصير، وأن له وجهاً، وأن له قدماً، وأنه يضحك، وأنه يهبط إلى سماء الدنيا).
تاريخ الأمم والملوك
هذا الكتاب هو تأريخ للعالم منذ بدء الخلق حتى أواخر أيام الإمام الطبري، وقسمه شيخ المفسرين إلى قسمين، القسم الأول: تحدث فيه عن بدء الخليقة وعن حقيقة إبليس، وعن سيدنا آدم عليه السلام ومن جاء من الأنبياء والرسل عليهم السلام، وقد ذكر فيه أخبارهم، وما جاء في قصصهم من القرآن الكريم، وفصل القول في تاريخ العرب واليهود والروم والفرس، كما تحدث عن أجداد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذكر شيئاً من سيرة الرسول قبل البعثة.
القسم الثاني، رتبه الإمام بحسب السنين وذلك من عام الهجرة حتى نهاية تأليفه وذكر في كل سنة ما وقع فيها من أحداث مهمة، اللافت أن المنهج الذي سار عليه في هذا الكتاب هو نفسه الذي سار عليه في كتب التفسير وذلك من خلال ذكر الحوادث بأسانيدها إذ كان ينقل عن الثقات فقط حول التاريخ والسير وأخبار العرب، يقول الإمام الطبري: (وليعلم الناظر في كتابنا هذا أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره هو على ما رويت من الأخبار والتي أنا ذاكرها فيه، والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها فيه، دون ما أدرك بحجج القول، واستنبط بفكر النفوس، إلا القليل اليسير منه، فما يكن من كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين، مما ينكره قارئه أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت ذلك من قبلنا وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا وإنّا إنما أديّنا، ذلك على نحو ما أدى إلينا).
وبالتالي لو لم يقم الإمام الطبري بهذا الجهد في التاريخ، وحفظ هذه الروايات من الضياع لتبددت وضاعت، إذ ترجع قيمة هذا الكتاب أنه جمع فيه جميع المواد المودعة في كتب التفسير والحديث واللغة والأدب والسير والغزوات وتاريخ الأحداث والرجال ونصوص الشعر والخطب والعهود ونسقها جميعها، ناسباً كل رواية إلى صاحبها وكل رأي إلى قائله، إذ يعتبر هذا الكتاب أشمل كتاب تاريخ للمسلمين على مر التاريخ.
تهذيب الآثار وتفضيل الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأخبار
هذا الكتاب من روائع شيخ المفسرين، بما رواه أبو بكر الصديق عنه في سنده، وتكلم على كل حديث وعلله وطرقه، وما فيه من الفقه واختلاف العلماء وحججهم، وما فيه من المعاني والغريب، وتم منه مسند العشرة وأهل البيت عليهم السلام والموالى، ومن مسند ابن عباس، لكن الله شاء وما قدّر فعل، أن توفاه الله قبل أن يتمه، وكما وصفه ياقوت الحموي بأنه (كتاب يتعذر على العلماء العمل مثله، ويصعب عليهم تتمته)، وقال أبو بكر بن كامل: (لم أرَ بعد أبي جعفر أجمع للعلوم وكتب العلماء ومعرفة اختلاف الفقهاء وتمكنه من العلوم منه)، وذُكر أن الإمام الطبري أيضاً لم يكمله، وقد أعيا العلماء إتمامه.
والمعروف أن كل المذاهب الإسلامية والمدارس الإسلامية يرجعون إلى أصول الفقه، حتى وإن لم يتم ذكر ذلك علناً، لكن لهذا العلم قواعد وأسس وضع دعائمها علماء جهابذة أصبحت مصدراً ترجع إليه كل المدارس، وما ذكري لذلك إلا رسالة امتنان لعطاءاتهم اللامحدودة ولينظر الجميع خاصة أولئك الذين يتطفلون على موائد أهل العلم وكبار العلماء، المغترين منهم بالغرب، الذي أخذ أغلب علومه عن العلماء الأمة العربية والإسلامية، يكفينا فخراً أن نبقي على هذا الوصل وعلى هذا العلم الذي أخرج لنا الآلاف من المجلدات التي هي مصادرنا شاء من شاء وأبى من أبى.
وبما يتعلق بمسألة التفسير القرآني بين المنطق والعقلانية وهذا كان أسلوب الكثيرين، والبعض نحا باتجاهاتٍ أخرى، وكان بعيداً عن الحقيقة العلمية والشرعية في هذه المسألة، وبالتالي برز دور الباحثين والمشتغلين بعلوم القرآن والدراسات القرآنية أن يقوموا بيان وجه الحق في هذه المسألة وفقاً لاجتهاداتهم البشرية مقرونة بالأدلة العلمية والشرعية فيما يقررون ويذهبون إليه في هذه المسألة، فالمفسر الذي ينهج هذا المنهج في تفسيره يكون هدفه ربط دلالات بعض الآيات القرآنية على ضوء ما وصل وانتهى إليه العلم من الحقائق العلمية اليقينية، لا الفروض والنظريات، بغرض إبراز عظمة الخالق في هذا الكون وبيان إعجاز القرآن الكريم على أنه من لدن حكيم خبير، هذه الحقائق هي التي نعتمدها في هذه العلوم، وإلا لما اختلفنا عن كتّاب الإسرائيليات، أو غلاة العلمانية والإلحاد.
والإمام الطبري، الذي كانت له منزلة عظيمة عند أهل الإسلام في وقته وبعده، وإلى وقتنا الحاضر، وكما ذكرت أعلاه أنه وضع قواعد وأسس التفسير التي نعتمدها، وهذا أمر من الله تبارك وتعالى من القَبول الذي يوضع للعبد في الأرض، ودوام ذِكره والترحم عليه؛ كان حافظاً مجوداً للقرآن، قارئاً له بالروايات، محسناً لها؛ حيث أحاط بها، واختار لنفسه منها قراءة، وألف فيها كتاباً حافلاً في ثمانية عشر مجلداً، جمع فيها المشهور والشاذ، وعِلل وتوجيه القراءات وأسانيدها، وقال عنه الخطيب البغدادي: (أنه جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره؛ فكان حافظاً للقرآن، عارفاً بالقراءات، بصيراً بالمعاني، فقيهاً في أحكام القرآن).
وفي التفسير تبوأ شيخ المفسرين أعلى مكانة، وأصبح تفسيره أوفر كتب التفسير وأشملها، في تفسيره، تجد أقوال الصحابة والتابعين موثَّقةً بالإسناد، وتجد تفسيرَ الآية بنظيراتها من آيات القرآن، وبحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسند منه سنداً، كما تجد فيه حكايات الإجماع عن العلماء من أهل عصره ومن سبقوه في الأحكام الفقهية وغيرها، وتفسيره للآيات اعتماداً على لغة العرب من خلال شعرها ونثرها، مع العناية بالنواحي النحوية وخلاف النحاة في الإعراب، خصوصاً أهل الكوفة والبصرة، وهو في المباحث الكلامية والأدلة العقلية صاحب الحجة الباهرة، فهو إذا وجد مناسبة لهذا البحث، تطرق إليه، ورد على مُنتَحِلي الكلام من بضاعتهم، كغلاة اليوم الذين ينكرون واقعهم ببضعة كتب غربية استبدلوا فيها عطاءً إسلامياً غير محدود.
جامع البيان عن تأويل القرآن
يسود هذا الكتاب إجماع في المشرق والمغرب، بحسب المستشرق المجري، إجناتس جولدتسيهر، وأما المستشرق نولدكه فقد كتب في العام 1860: (ولو حصلنا على هذا الكتاب لاستطعنا أن نستغني عن كل كتب التفسير المتأخرة لقد كان مثل كتب التاريخ الكبير)، وأما الخطيب البغدادي يقول عن هذا الكتاب: (وله الكتاب المشهور في تاريخ الأمم والملوك، وكتاب في تفسير القرآن لم يصنف أحد مثله)، أما الذهبي فقال: (وهذا تفسير الإمام مشحون في آيات الصفات على الإثبات لها، لا على النفي والتأويل، وإنها لا تشبه صفات المخلوقين أبداً)، وللعلم أن العلامة محمود شاكر وأحمد شاكر قد حققا بعضاً منه ويقع التحقيق في 16 مجلداً، والإمام الطبري على الرغم من اعتماده على التفسير بالمأثور أساساً، جمع إلى جانب الرواية جانب الدراية، واهتم بالقراءات القرآنية أيّ اهتمام، وكان له اعتناء بعرض وجوه اللغة، فضلاً عن آرائه الفقهية واجتهاداته التي أودعها كتابه المذكور، حيث اعتمد أساساً على التفسير بالمأثور الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو صحابته، أو التابعين؛ وهو لا يكتفي بذلك، بل نجده يشدد النكير على من يفسر القرآن بمجرد الرأي فحسب. ولا يُفهم من هذا النهج أن الطبري لم يكن يُعمل الرأي في تفسيره، بل الواقع خلاف ذلك، إذ إننا كثيراً ما نجده يُرجّح أو يصوب أو يوجّه قولاً لدليل معتبر لديه.
بالتالي، إن التفسير كما أشرنا هو القواعد والأسس التي يقوم عليها هذا العلم، وهو العلم الذي يتوصل به إلى الفهم الصحيح للقرآن الكريم، وبالتدقيق في مقدمات كتب التفسير عند الإمام، نجد أن القضايا والمسائل والمباحث، التي تناولها الإمام الطبري يمكن اعتبارها مقدمة تأسيسية تأصيلية من حيث العموم والإطلاق، والشمول والاستيعاب، ومن حيث التخصص والتدقيق؛ يتكشف أن مقدمته تناولت علوماً وفنوناً، وبيّن طرقه وموارده ومنهج تناول تفسير النص القرآني، كما صدق الأمر على قضايا القراءة والتلاوة والنزول على سبعة أحرف وما يتعلق بذلك من تدقيقات نفيسة، وتحريرات رصينة، إضافة إلى طرقه لعلوم تعتبر من الأدوات الضرورية والعناصر اللازمة للتفسير، من حيث تحليل الخطاب وإيضاح مكنونات الألفاظ وفهم المعاني، ففي غيابها يحصل الخلط والاضطراب، أيضاً، إن تطرق الإمام الطبري إلى لعلوم تعتبر من موضوعات وقضايا التفسير، على اعتبار أن النص القرآني تناولها أصالة في تعاليمه وأحكامه الفقهية والشرعية بالأدلة والحجج.
كما أن القواعد التفسيرية للإمام الطبري، تتسم بالتعدد والتنوع، لاسيما المتعلقة بجوانب البيان والتفسير للخطاب، وإدراك خصائص التعبير القرآني وبلاغة نصه المعجز لفظاً ومعناً، وفقه مقاصده وتشريعاته، وتلمس معالمه التربوية والإصلاحية.
أخيراً، العظماء خالدون، ومهما خرج علينا من حاول نقد هذا الموروث، أو اللعب على أوتار هجينة على الأمة الإسلامية، لا ينكر هذا الموروث إلا كل من كان إسلامه اسماً لا فعلاً، المواقف لا تتجزأ، لا يمكننا إلا التباهي بعلماء أمتنا ولو كانت كما يدّعي البعض أنها ماتت واضمحلت، لما كنا هنا اليوم نناقش ونبحث ونوثق، عالم من أمتنا، ومرجعنا الأول والأخير هو القرآن الكريم..
د. عبدالعزيز بن بدر القطان