يقول صاحب الرواية .. جاء يتوسل مصطحباً معه أحد أقاربه للوساطة ، خطواته تعطي علامات الطيبة والتسامح ، كلامه كالعسل الفاخر ، يترحم بالدعاء ومؤشرات كلامه ومفرداتها تقول أنه ذو قلب رحيم ، وشخصيته تجعلك تصدق بأنه على خلق رفيع .. جلس ومن يرافقه على فراش بيتي طالباً مني مد يد العون والمساعدة ، وأن أستره هو وعائلته .. في باديء الأمر رفضت الطلب بسبب تعرضي لبعض اللسعات من عقارب الشر من قبل ، لكن كلامه المعسول والمغلف بالقشطة الباردة جعلني أتراجع عن قراري ، فكنت عطوفاً على أبنائه لأبعد الحدود خصوصاً بعد ما وجدوا أنفسهم بدون مأوى .. ساعدته في طلبه وساندته ، وكنت له خير سند .. أعطيته كل ما طلبه ” هو ” مضت الأيام وعدت السنتان من عمر الزمن .. كان كل شيء هادئاً ومشت الأوضاع على خير ما يرام .. تبادل شكر وثناء واحترام حتى شائت أقدار الله ويمر إعصار ” شاهين ” ليحدث ويترك أضراراً بليغة على الأرض وتغيراً جذرياً في نفوس البعض .. لقد تغير ذلك الانسان من أول اختبار .. أهمل المكان الذي طلب العيش فيه وبرضاه وقناعته .. ووضحت الأنانية وحب الذات .. نسب كل شيء لنفسه ليستحوذ على كل شيء .. ونسى من وقف بجانبه في محنته وأزمته .. قرر ترك المكان لكونه لم يعد صالحاً للعيش فيه حسب تقديره .. وعليه تحرك الراعي الحقيقي لتطهير ذلك المكان من الشوائب العالقة ومما خلفه شاهين .. فكان لأصحاب الخير وقفة لا تنسى وفزعة رجال قصبية آل بريك كلمة الشكر لا توفيهم حقهم .. لقد رجعت الروح بذلك العش الدنيوي بعد الغرق في مستنقع الوحل ، بعدها انقلب قرار ذلك الرجل من الرفض سابقاً إلى عدم مغادرة المكان برغم غياب الرابط الرسمي ( العقد ) فيما بين المالك الحقيقي والمستأجر .. ومن هنا وضحت النوايا الخبيثة .. فالعسل كان يحمل شهد بمذاق ” الحنظل ” والقشطة ظهرت بأنها مغلفة بطبقة من ” العلقم ” والطيبة كانت تخبي ورائها وجهاً من وجوه الشر والغدر والأنانية ، والتمسكن كان يلبس قناع التشدد والجبروت .. صاحب المكان صبر على الألفاظ البذيئة والتهم الزائفة وكلمات التجريح ، وترفع عن سفاسف الأمور وصغار العقول ( فلا تماري سفيهاً فتندم ) .. ذلك الرجل الطيب مع كل ما حدث من مفارقات في التعامل وخزعبلات وكلمات سوقية حاول تهدئة الوضع المتأزم ، ولكن قابله عقل يحتويه الجهل والرعونة الحمقاء .. تغير المسار للصلح مع ذوي العقول النيرة والأفكار السديدة ، لقد طلبت تلك الشخصيات الرزينة التي تجبرك على احترامها وتقديرها مهلة من الزمن .. وعندما تتدخل الرجال .. أتى الرد من الرجل الحر والطيب في صفاته وأخلاقه وحسن معاملته مع الناس بقبول تحديد تلك الفترة الزمنية .. مع تيقنه بأن ما كل الذي يلمع ذهباً .. وأن بروز الأسنان صاحبها ثعلباً .. وأن الخبيث دائماً يكن بداخله خبثاً .. فاحذر ولا تكن دائماً طيباً ساذجاً .. ولا تبكي على دهرٍ قد ضاع العمر فيه ، ولكن أبكي على بشرٍ قد خاب الظن فيهم .. ( حسبنا الله ونعم الوكيل حين تكتفي بها في موضع أنت فيه غير قادر على أخذ حقك ، فانتظر نصراً من الله يقر عينك ويثلج صدرك ) اللهم إني وكلتك أمري فكن لي خيرَ وكيل .
خليفة البلوشي