أخطط في سياق بحثي هذا عالم الأرواح بأن اتقمص شخصية مريض يعاني من مرض هو نفسه يجهله ، على ان يساعدني احد الاصدقاء في هذه المهمة ويأخذني لاحد المعالجين الروحانيين ، فتفقت مع صديقي على ان لا يتحدث مع هذا الروحاني نهائيا فقط يسلم عليه ويترك الامر لي ، ومهما حصل من اداء تمثيلي امامة إلا يضحك او يلفت نظر هذا الروحاني بأننا جئنا قاصدين كشف قدرته ، بعد الظهر عقدنا العزم على السفر إلى احد المحافظات ، هناك اقتربنا من منزل يظهر عليه مهابة القصور ، فأذنوا لنا بالدخول على الرجل المنشود ، الرجل يرتدي دشداشة ومصر من الخام الغالي وتظهر على محياه نعمه الثراء ، وبعد السلام واخذ العلوم والأخبار جلسنا .
سألنا من منكم المريض ، فقلت له بالمحلية .. قولي أنت من فينا مريض .. أنت روحاني وكما سمعت إنك تمتلك علم الرمل وهذا علم كبير تقدر تطوي به الأرض وتعرف به الغائب والقادم والحاضر ، سكت برهه ثم اطرق رأسه نحو قدميه وهو يجلس على الأريكه ثم رفع رأسه وقال والغضب يتشح على وجهه .. أنت جاي تبا علاج ولا جاي تختبرني ، فقلت له وانا متمكن من مجاراته .. علشان اوافق تعالجنا لابد اعرف امكانياتك .. في الاول والاخير بندفع فلوس ولا انا غلطان ، هز رأسه وهو ينفث الهواء من رئتيه ثم قال وهو يشير بإصبعه نحوي .. أنت المريض ، ولما اردت ان اتحدث اشار بيده إلي ان اصمت ، فتوقفت عن الكلام ، ثم بدأ يسرد لي كل معالم بيتي وما به من شجر وملحقات غرف ثم ذكر لي كل الذي احبه واكرهه وما احب ان اقتنيه في حياتي وبيتي ، ثم ذكر بعض الاوجاع التي فعلا كانت تلازمني في مشوار حياتي ، وكل ما ذكره حتى الآن صحيح ، هنا التفت نحو صديقي الذي تعتلي وجهه علامات الذهول والدهشة الغير طبيعية ، فقترب مني واصر في أذني وهو خائف .. خلا نروح احسن .. ارجوك ، لكني بادلته بإبتسامة ، وقلت للروحاني من علمك هذا العلم ، فصرخ بوجهي قائلا .. أنت جاي تحقق معاي ولا جاي تتعالج ؟ ، سكت ولم اتكلم ، ثم صرخت واخذت اضرب بيداي في كل الاتجاهات ، حتى هجمت عليه ومسكته من رقبته وبدأت اخنقه ، وكاد فعلا يختنق ثم تداعيت بالسقوط والاغماء ، وكنت انظر إلى الرجل من تحت رموش عيني واراه بحالة صعبة من اخذ الانفاس ، وفجأة انسحب نحو زاوية الغرفة ومد يده على العصا ، هنا نظرت إلى صديقي وانا اضحك واهمس له قائلا .. تهاييه بيضربني .. بيرد قضاه ، وهو قادم قال لصديقي .. صاحبك لابسنه شيطان .. اذا سوى كذاك مرة ثانيه اباك تساعدني به وتقبضه علين اخلص اقراء عليه ، فقمت من الارض منتصبا امامه كأني عسكري في طابور تخرج ، توقف عني بعيد قليلا وهو يتعوذ من الشيطان ويسمي بالرحمان ، ثم قال بلهجته العامية .. انسدح ، فقلت له بإبتسامة المجانين .. شغر ولا كبب ، قال بقوة صارخاً .. على ظهرك ، عصا الخيزران التي بيده مرصعة بالفضة وبدأ يقرأ ادعية جميلة وطويلة جدا وهو يقلب العصا في سائر جسدي ويمسح بها تارتا اخرى على صدري ، لقد مرت علي سابقا في احد الكتب الدينية قرات هذه الادعية ، قلت في نفسي حتى الآن ليس هناك جديد لديه ، وبعد إنتهاءه من القراءة قال لي ادفع مبلغ وقدرة .. ، فقلت له ماذا فعلت حتى ادفع لك هذا المبلغ هل من اجل هذا الدعاء الطويل ، فجلست على الأريكه وكاشفته بما فعله وكيف عرف عني وعن كل ما يحيط بي ، فواجهته بتلاعبة ووجهت له الضربة القاضية .
فقلت له بالعامية .. ما منك انت من قريني الذي تواصل مع قرينك وزاع له كل شيء ، بس بغيتك تعرف شيء مهم جدا ، البيت الذي وصفته كان بيتي القديم وكل المحتويات اللي ذكرتها كانت لبيتي القديم ، وهذا دليل انه قريني ضحك عليك وعلى قرينك وكشفكم لي ، فأخذ يهددني ويهدد صديقي بأننا اذا خرجنا من بيته دون ان ندفع المبلغ سوف يعترضنا عارض في الطريق وتكون نهايتنا ، وكان غاضب جدا جدا ، فتحديته بقول .. الاعمار بيد الله ، وقلت له لا تحاول مرة ثانية تسرق الناس وتأخذ فلوسهم بالبهتان المبين ، كل هذا الجاه الذي انت فيه دماء الناس اللي شربتها من عروقهم ، اتقي الله وارجع إلى ربك ، في الطريق من تلك المحافظة إلى مسقط كان صديقي خائف لدرجة انه رفض قيادة المركبة ، واصر علي ان لا ازيد في السرعة عن ٨٠ فقط ، لكني لم اذعن له ، وكنت اريد ان اثبت لصديقي ان هذه مقدرات بسيطه استطاع بها التخاطب مع قرينه ، وليست عنده الإمكانية لفعل شيء اكثر من ذلك ، سقت بسرعة ١٢٠ ، وصلنا إلى مسقط ونحن بخير وعافية .
هنا اكتشف بأن ليس للضعفاء مكان في عالم المتسلقين من المشعوذين سوى خرف جيوبهم وزيادة حدة مرضهم النفسي ، فلم تكن هناك روحانيات كما كان يطلق على نفسه ولم يكن يمتلك ذرة من حساب علم الرمل ، لكن ما كان يغرسه في نفوس الضعفاء من كلمات وإيحاءات كانت كفيله بتكبيلهم حتى العبودية ، نعم هناك روحانيين حقيقيين جلست معهم ولكن ليس هذا ابدا .
يعقوب بن راشد بن سالم السعدي