كجريان الفلج الذي لا ينقطع عطاؤه تراه مع إشراقة النور وطلوع الفجر في صباحات «معمد» ودروبها يجول سيرا على قدميه أو بسيارته تلمحه من بعيد يطرق بيوت القرية ويستوقفه المارة لسؤاله: متى الفلج؟؟ سؤال يتكرر على مسامعنا مذ كنا صغارًا والجواب لا يعرفه سوى شخص واحد وكأنه العارف بأسراره وخباياه، إنه عريف الفلج محمد بن سليمان بن سعيد السليماني يقضي نهاره وبعضا من ليله متنقلًا بين السواقي وبساتين النخيل يتتبع مسارات الفلج فهو «عريف فلجي المصرج والخطم» في قرية معمد بولاية منح، التقيته عند «الشريعة» يهم بالنزول إلى الفلج للاستحمام دأبه اليومي قبيل صلاة الظهر.
و”العريف” في مصطلح نظام الأفلاج هو الذي يدير منظومة الفلج ويوزع مياهه على المستحقين من الملاك والمشترين الذين أخذوا من قعد الفلج أو المزايدة أو ممن كان لهم أصل من أصوله.
يقول محمد السليماني عن هذه التجربة: أتتبع الفلج باستمرار في الأيام التي يكون فيها في قرية معمد حيث أقوم بتوزيع حصص الأفلاج على المزارعين هنا سواء بالليل أو بالنهار حسب زمان استحقاقهم مرة بالليل ومرة بالنهار وبالمقدار الذي لهم فمنهم من له أثر (نصف ساعة) ومنهم من له نصف أثر ومنهم من له بادة (12ساعة) ومنهم من له نصف بادة ومنهم من له ربع بادة حسب ملكه واحتياجه من مياه الأفلاج وحجم المساحات المزروعة.
ويتم التقسيم بعد حصر المستفيدين ومقدار المياه المطلوب توزيعها بعدها يتم التواصل مع المزارعين وإبلاغهم بمواعيد السقي مع احتساب «الجرية» أي مقدار الزمن الذي يستغرقه الفلج للوصول إلى المزرعة.
وعن صيانة الفلج يتحدث محمد السليماني قائلا: أتفقد ساقية الفلج بداية من مصدره وأحدد المواضع المحتاجة لصيانة وأبلغ وكيل الفلج بذلك ثم تبدأ الأعمال برفع الرمل وإزالة العوالق والطمي المتكدس بسبب بعض الانهيارات التي تحدث بفعل الأمطار ودخول السيول في قناة الفلج من بعض الفتحات عند الفيضان، كما أقوم بحضور المزايدة على الفلج يوم الجمعة كل أسبوع لمعرفة من «يستقعد» يستأجر مياه الفلج لتوزيعها لاحقا حسب مواعيد محددة مع الآخرين وهذا التنظيم يسهل إدارة الفلج وآخذ الأجرة المسماة (العروفية) كحق للعريف يأخذه من صاحب الماء نظير الإدارة والتوزيع.