لقّبه كثيرون بوالد علم الكون الحديث، هذا طبيعي بعد أن غيّر نظرة العلماء إلى الكون، بعددٍ من الاكتشافات المذهلة، هذا الأمر نعمة كبيرة، ومحظوظ من يمنّ الله سبحانه وتعالى عليه بذكاء متقد وعقل متبصر، العلم الدنيوي معجزة ربانية.
عالم، جعل اكتشافاته من أكثر الاكتشافات عمقاً حول الكون، هذا الكون الذي لم يستطع الكثير من العلماء التوصل إلى فهم ماهيته، وأسراره، لكن ماذا إذا ربطنا الدين بالأسرار الكونية، هل من الممكن أن نجد أن القرآن الكريم وضع خرائط هذه الاكتشافات في آياتٍ مسطورات، تحتاج إلى العقل المتبصر لفك رموزها وبداية التنقيب حول أسرار الكون الفسيح؟
القرآن الكريم ليس فقط كتاب هداية وتشريع، فهو أيضاً كتاب علوم، كل عالم يجد فيه معجزة تناسب اختصاصه العلمي، العلماء يؤكدون الغنى الذي يظهره الكون في البنية المحكمة، ويؤكدون رؤيتهم للنسيج الكوني، والنجوم والمجرات، هذا النسيج الكوني الذي تحدث عن القرآن كما جاء في قوله تعالى: (والسماء ذات الُحُبك)، أيضاً التقط العلماء لذرات غبار من الفضاء الخارجي على شكل دخان، وبالطبع وردت في القرآن الكريم في قوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين)، وهنا لا نبخس العلم حقه في هذه المقارنة البسيطة، بل على العكس تماماً، نريد تبيان وضع الخالق، العلم للإنسان ليسبر أغواره في خطة إلهية محكمة، فآية (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين)، تضم معجزتان، الأولى حديث القرآن عن الدخان في مرحلة من مراحل تطور الكون الكون، وهذا ما يؤكده العلماء اليوم. والثانية: حديث القرآن عن قول السماء في تلك المرحلة، وقد اكتشف العلماء حديثاً أن الكون في بداياته بعد الانفجار الكبير أصدر موجات صوتية، هذه الحقائق القرآنية موجودة قبل 14 قرناً في كتاب يصلح لكل زمان ومكان، قال تبارك وتعالى: (وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم).
إن أروع اللحظات هي تلك التي يكتشف فيها المؤمن معجزة جديدة في القرآن، عندما يعيش للمرة الأولى مع فهم جديد لآية من آيات الله، وعندما يتذكر قوله تعالى: (وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون)، ربطاً مع كل أخبار الكون والفضاء التي اكتشفها العلماء تباعاً خاصة في آخر قرنين من الحياة البشرية، وعندما ننظر إلى السماء من خلال (التليسكوبات) نرى بناء محكماً من النجوم والغاز والغبار والدخان، وتظهر النجوم بألوان زاهية تزين السماء. فتأمل عظمة هذا البناء الكوني، وتأمل أيضاً كيف تحدث القرآن عنه بقوله تعالى: (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها)، ولا شك بأن عظمة الكون كبيرة جداً من نجوم إلى مجرات إلى كواكب كلها موضوعة بتناغم وتناسب، كما في قوله تعالى: (الذي خلق سبع سماواتٍ طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور).
من هذا الشرح المبسط، وكما كتبت سابقاً عن الكثير من عظماء الأمة الإسلامية من طب وفقه وقانون وفلك، تبادر إلى ذهني مباشرةً البيروني الذي قدم للعالم أفضل الاكتشافات في زمانه، لكن وكما نملك علماء أجلّاء في عالمنا العربي والإسلامي، قديماً وحديثاً، أيضاً يجب الاعتراف بأن العالم الغربي وإن كان علمانياً أو لا دينياً، لكن فيه علماء عباقرة لمع نجمهم في العصر الحديث، موضوعي هذا جاء بعد أن قرأت عن عالِم الفلك إدوين هابل، لكن من باب الأمانة ارتأيت ربط ما أعرفه مع العلوم الأخرى من زاوية القرآن الكريم والعلوم الغربية، كما بالأمس بعد 14 قرناً على يقين البشرية بوجود خالق لهذا الكون، قبل بضعة أيام صدر كتاب بعترف بوجود الخالق للمرة الأولى فهل يُعقل الصمت في هكذا حالة؟
يعدُّ علم الفلك واحداً من أقدم العلوم التي عرفها البشر حيثُ يبدأ من عصور ما قبل التاريخ، وقد كان منذ عصور سحيقة مجرد ملاحظات عن حركة الأجرام في السماء خلال دوراتها المنتظمة، وبمرور الزمن نجحت تلك الدراسات في أغراض هامة تطبيقية مثل: تحديد الفصول، ضبط الزمن، دقة الملاحة في البحار وغيرها، وفي البداية كان علم الفلك يلقَّن من قبل الكهنة في المعابد، وكان لكل من قدماء البابليين والمصريين علم الفلك الخاص به، وقد تطور علم الفلك كثيراً مع مرور الزمن وقيام الثورة الصناعية والعلمية، ومن أشهر علماء الفلك في العصر الحديث إدوين هابل، فمن يكون عالم الفلك هذا؟
إدوين هابل (1889 – 1953)، من أشهر العلماء في العصر الحديث، هو فلكي أمريكي له دور عظيم في استكشاف الفضاء الخارجي في بداية القرن العشرين، في جامعة شيكاغو اطَّلع هابل على علم الفلك مع الفيزيائي روبرت ميليكان الحاصل على جائزة نوبل والفلكي جورج هيل، وتأثر كثيراً بهذين العالمَين فتفوَّق في الفلك والرياضيات، وفي أكسفورد درس القانون فقد فضل دراسة القانون رغم خلفيته العلمية لأنه كان يرغب بتطوير النظام التشريعي الأنكلو أمريكي، فتم قبوله في مهنة المحاماة، ثم ترك المحاماة والتحق بمرصد يركس طالباً مجازاً في شيكاغو، وعمل في بحث حول تصنيف السدُم، فأعجبَ بأبحاثه جورج هيل، ودعاه كي ينضم إليه في مرصد جبل ولسون، هذا العالم كان له تأثير كبير على تطوُّر علوم الفلك في القرن العشرين، فقد تركَ الكثير من الإنجازات التي ما زالت شاهدة على أبحاثه وجهوده في هذا المجال.
لسنوات، لاحظ الفلكيون بشكل غريب أشكالاً لولبية ضبابية. في أوائل العشرينات من القرن العشرين، كانت الحكمة الشائعة هي أنها ببساطة نوع من سحابة الغاز تسمى السديم. كانت “السدم الحلزونية” أهدافًا شائعة للمراقبة، وتم بذل الكثير من الجهد في محاولة شرح كيفية تشكيلها. لم تكن فكرة أنهم مجرات أخرى كاملة حتى مجرد اعتبار. في ذلك الوقت كان يُعتقد أن الكون بكامله تم تغليفه من قبل مجرة درب التبانة، استخدم هابل عاكس هوكير 100 بوصة لأخذ قياسات مفصلة للغاية للعديد من السدم الحلزونية. حدد العديد من المتغيرات في هذه المجرات، بما في ذلك في ما يسمى بـ “سديم أندروميدا”. القيفاوية هي عبارة عن نجوم متغيرة يمكن تحديد مسافتها بدقة عن طريق قياس لمعانها وفترات تقلباتها، استمدت “العلاقة بين فترة اللمعان” التي استخدمها هابل لاكتشاف أن السدم التي رآها لا يمكن أن تكمن في درب التبانة حيث واجه هذا الاكتشاف في البداية مقاومة كبيرة في المجتمع العلمي، لتفوز نزاهة عمل هابل الذي لا يمكن إنكاره في اليوم، مما أدى إلى فهمنا الحالي للكون.
لم يُعترف بعلم الفلك على أنه انضباط فيزيائي، لذلك لم يكن من الممكن النظر في علماء الفلك، في زمن هابل، لكن أعلن علم الفلك رسمياً أنه فرع من فروع الفيزياء بعد وفاته، يعيش إرث هابل في الوقت الذي يحدد فيه الفلكيون باستمرار معدل توسع الكون، ويستكشفون المجرات البعيدة بتليسكوب هابل الفضائي الذي يقدم بانتظام صور مذهلة من أعمق مناطق الكون.
وكما بدأنا نختتم بأن من أكثر مخلوقات الكون التي تحدث عنها القرآن الكريم هي السموات وما فيها من أجرام وقد حث القرآن الكريم البشر على التفكر فيها لكي يعلموا من خلال بديع صنعها أنه لا بد وأن يكون لها خالقا لا حدود لعلمه وقدرته، قال تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض)، ومن المؤكد أنه كلما زادت معرفة الإنسان المتفكر بمكونات هذا الكون وبالقوانين التي تحكمه كلما ازدادت آفاق تفكيره وتقديره لمن قام بصنع هذا الكون، ليكون الإسلام هو بكل تجرد حضارة عالمية لا تتكرر.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان – كاتب ومفكر / الكويت.