إذا كان الأدب العربي مرآة الحياة وصورها، فاللغة العربية هي أصل الحياة ومنبعها، يكفيني أنها لغة كتابي العزيز الذي يهدي النفوس التائهة ويشفي القلوب المريضة، فكان شرفاً لنا أن أنعم الله تبارك وتعالى علينا بلغةٍ سامية لا قبل لها ولا بعدها، لغة الضاد.
لغةٌ إذا وقعت على أسماعنا .. كانت لنا برداً على الأكباد
سأتغزل باللغة العربية في عيدها، فهي الفصاحة والوضوح والبيان، وأنا العربي العروبي الناطق بلسانٍ عربي، ولغةٍ عربية فصيحة، احتضنت هذه اللغة حرف الضاد الذي لا يوجد في لغة أخرى، فكان لسان العرب الأميز والأجود في نطق هذا الحرف، بل هناك من العرب أنفسهم من يتعسر عليه التفريق بين الضاد والظاء، وفي ذلك قيل:
أيها السائل عن الظاء والضاد لكيلا تُضلّه الألفـاظ.. إن حفظت الظاءات يغنيك فاسمعها استماع امرئ له استيقاظ.. هي ظمياء والمظالم والإظلام والظلم واللحاظ.
افخر بلغتك وارفع رأسك عالياً، فلغتنا تتميز بثراء رصيدها من الكلمات و المفردات والصيغ، وهي لغة متميزة من الناحية الصوتية، فقد اشتملت على جميع الأصوات التي اشتملت عليها اللغات الأخرى، وهذا يذكرني بالبعض الكثير الذي يرى في اللغات الأخرى (حضارة) مستخدماً الفرنسية والانكليزية، وعلى أهميتهما، لكن من لا يفخر بأصله، وبرأيّ المتواضع لا أصل له، فكم من عرب أدخلوا مفردات هجينة بحجة التمدن متنكرين لعربيتهم وعروبتهم وأصولهم من العرب الأقحاح، فعنها قال المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون: “اللغة العربية هي التي أدخلت في الغرب طريقة التعبير العلمي، والعربية من أنقى اللغات، فقد تفردت في طرق التعبير العلمي والفني” ويأتي البعض لينكر هذه الحقيقة.
كانت اللغة العربية وستبقى اللغة الوحيدة القادرة على الإحاطة بكل الجوانب العلمية – الدينية – الفكرية – الاقتصادية ، فإلى جانب أنها لغة القرآن الكريم الذي تكفل الله تبارك وتعالى بحفظه، فلقد اعترفت الأمم المتحدة باللغة العربية كلغة رسمية سادسة في العالم في 18 ديسمبر/ كانون الأول 1973 وهو اليوم العالمي لهذه اللغة العريقة، فلغتنا حضارة واسعة ممتدة عبر قرون، متغلغلة في التاريخ، نجدها في أحياء القدس العتيقة، وحارات دمشق القديمة، في نخيل بغداد السلام، وعمّان الصفاء، في مكة المكرمة وفي يمن عدنانٍ وقحطان، في كل ركنٍ عربي حكاية مع اللغة العربية، للدين كانت الشعلة التي لا تنطفئ، وللشعر كانت القوة التي تسقط الجبال بلاغةً، في الحب والخلود، التاريخ يشهد.
اللغة العربية لم تكن طفلة ولا تُصاب بالكهولة، لكن مع الأسف الشديد، واقع اليوم جعلنا نبكي لغتنا من العبث بها ومن العابثين أنفسهم فعقلية الجيل السائدة تقول بوجوب اعتماد اللغات الأجنبية كما ذكرت آنفاً، فهي لغة العلم والتكنلوجيا والأبحاث، في حين يعتبرون اللغة العربية شيئاً عتيقاً يصلح لقواعد النحو والصرف وأبيات الشعر فقط وهذا قمة الظلم بحق هذه اللغة الأصيلة، فلو كنا قريبين من قرآننا لعرف الجميع قيمة اللغة العربية وأهميتها، وأن الرسالة المحمدية نزلت بلسان عربي، وهذا خطأ يحمل مسؤوليته البيت والمدرسة ومؤسسات التعليم والحكومات بحد ذاتها، التي سمحت لإحداث ثورة تكنولوجية وصرف انتباه الناشئة عن اللغة الأصيلة.
وقال الدكتور عبد الصبور شاهين: قد يكون من الطبيعي أن تجد العربية خارج حدودها أعداء يكيدون لها، لكن المفزع حقاً أن يكون بعض هؤلاء الأعداء من بينها، عن قصد أو عن غير قصد. ولذلك فهي تقاتل في جهتين أقربهما أمرّهما وأعصاهما، لأنها تقاتل قطعاً من نفسها (وظلم ذوي القربى أشد مرارة على النفس)، وهذا حقيقةً ما يحز في النفس، فلغتنا تحتاج أن نحبها أولاً قبل كل شيء، وأن نعزز هذه المحبة في نفوس أولادنا ونقربهم منها من خلال سرد الملاحم القديمة والفتوحات وقصص الأنبياء والحكايات وحتى الشعر في كل العصور لتبقى لغتنا الأسمى والخالدة التي نعرف.
صَرْفٌ بَيَانٌ مَعَانِي النَّحْوُ قَافِيَةٌ .. شِعْرٌ عَرُوضُ اشْتِقَاقُ الخَطُّ إِنْشَاءُ.. مُحَاضَرَاتٌ وَثَانِي عَشْرِهَا لُغَةٌ.. تِلْكَ العُلُومُ لَهَا الآدَابُ أَسْمَاءُ
اللغة العربية مهمة لكل مسلم ومسلمة، لكل عربي، فكيف لنا أن نفهم كلام الله دون إلمام بقواعد اللغة العربية بنحوها وصرفها ببيانها وبديعها وألفاظها وعروضها؟ يقول الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي: “وكما أن الذي أنزل عليه القرآن نبي العرب، فالقرآن نبي العربية، بحيث لا تجد من فضل لرسول الله على الأنام، إلا وجدت فضلاً في معناه لكلام الله على الكلام”.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.