•الجزء الثاني:كيف نشرت تركيا ” الجيش الأنگشاري الجديد” في الدول والبؤر الساخنة !
—————
تشريح أستراتيجي المخطط التركي الذي بدأ من “قره باغ” ..وبات يُهدد روسيا وإيران وأوربا !
بقلم :- سمير عبيد
استثمار الجيش الرديف !
ومثلما أوضحنا في الجزء الاول حول عملية الذكاء والنصب التي أستعملتها تركيا على حساب الولايات المتحدة والغرب والسعودية والامارات وأطراف اخرى عندما تم شحن عشرات الآلاف من المقاتلين والمجاهدين والمتطرفين من “العرب ،والقوقازيين، والإيغور ،والاوربيين، والمغاربة، والأسيويين، وبعض الاوربيين وغيرهم ” الى سوريا والعراق عبر الترانزيت التركي وبتمويل ودعم من بعض دول الخليج ورعاية أميركية . ومن خلالهم نجحت تركيا أخيرا باستثمار آلاف المقاتلين المؤدلجين و على أكمل وجه من خلال تأسيس “جيش أنگشاري” جديد باتَ بخدمة تركيا والرئيس ” السلطان الجديد” لدعم الحنين لأستراتيحية الماضي العثماني عندما كان هناك جيشاً أنگشاريا يقاتل من أجل الامبراطورية العثمانية. وها هو المشروع يعود وبادوات وملامح جديدة. بحيث باشرت تركيا فعلا بتوزيع هذا الجيش الجديد وفِي أكثر من منطقة وبلد وجغرافية !
إخصاء الهوية!
حيث أقدمت تركيا وحال تجميعهم وتنفيذ واجباتهم في سوريا والعراق على سحب جميع أوراقهم وجوازات سفرهم التي دخلوا بها عبر تركيا ليصلوا نحو العراق وسوريا لادامة مشاريع ما يسمى بدولة الخلافة .فتم تغييب هوياتهم وجنسياتهم وذاكرتهم ليتم استثمارهم على نفس الطريقة العثمانية القديمة ( ففي زمن الامبراطورية العثمانية كانوا يخصون المقاتلين الذين ينهبوهم صغارا وشباباً من قرى ومدن المناطق والدول التي يحتلونها ويزجون بهم في الجيش الأنگشاري ليبقوا بقوتهم ومن ثم يبقون بلا غرائز) . وتركيا الجديدة تعيد نفس الاسلوب ،ولكن من خلال أخصاء الهوية أي احراق أوراقهم الثبوتية واعطائهم تسميات جديدة واغلبها بالكنيّة، والارقام ، وهويات رمزية خاصة، وقسم منهم اعطي لهم ( سوار أمني فيه انذار مبكر ) ووضع في معاصمهم وتم ربطه عبر دوائر الكترونية مرتبطة بالبوليس والدوائر المختصة .وبعد ذلك تم أخضاعهم الى دورات وكورسات وورش الولاء لتركيا . ومن ثم عملت لهم تركيا ( ديسك معلومات خاص بهم ) في وزارات الداخلية والمخابرات والخارجية ليكون كل شيء منظم ومعروف سواء للاستفادة او المساومة او البيع او للأرشفة التاريخية !….
تركيا تقلد ماضيها .. وحركة طالبان !
فلقد أستفادت تركيا من تجربة ( حركة طالبان ) في افغانستان .وعندما ورطت واشنطن والرياض ودوّل اخرى حركات المجاهدين الذين جمعتهم من أصقاع الدنيا فخضعوا للتدريب والتسليح ومن ثم تم ارسالهم وبالآلاف الى باكستان وافغانستان أواخر الثمانينات من القرن المنصرم وعبر طائرات سعودية وخليجية و بحجة محاربة المد الأحمر الكافر ( الاتحاد السوفيتي ) عندما احتل أفغانستان .ولكن بعد دحر الاتحاد السوفيتي وخروجة من افغانستان وقتل الرئيس الشيوعي في افغانستان (نجيب الله ) تُركوا هناك اي آلاف مايسمى بالمجاهدين وسحبت يدها عنهم كل من الولايات المتحدة وباكستان والسعودية والانظمة الخليجية والدول الاخرى التي دعمت تجميعهم وتدريبهم وارسالهم لافغانستان ودعمهم بالسلاح والعتاد والغذاء … فبقوا تائهين حائرين وبلا اوراق تثبت شخصياتهم . فحقدوا على امريكا والسعودية وغيرهما فتلقفتهم ( حركة طالبان ) ودعمتهم وزوجت الكثير منهم وتبنتهم حليفا ..فتم حينها مايلي .
١- تأسس حينها ( تنظيم القاعدة / بزعامة اسامة بن لادن ) وتصاهر الاخير مع زعيم حركة طالبان. الملا عمر !!. وبقي المجاهدون والقاعديون حليفان الى حركة طالبان وخاضوا معها معارك كثيرة جدا ولازالوا . وقسم منهم ارسل بمهام الى دول كثيره وكان للعراق نصيبا بُعيد احتلاله من قبل الولايات المتحدة حيث دخل تنظيم القاعدة الى العراق فهشم وحدته المجتمعية والدينية والقبلية والمنطقية ولأول مرة في تاريخه !!
٢- وبالأستناد الى التجربة التاريخية في الدولة العثمانية في عملية تأسيس” الجيش الأنگشاري” للدفاع عّن الامبراطورية العثمانية وتاج السلطان، وبالاستفادة من تجربة حركة طالبان بات بيد أردوغان جيشا ً رديفا وخطيراً. وبات ينقله من دولة الى اخرى لتنفيذ مهام وواجبات الدفاع عّن تركيا وعن المصالح التركية …..وهذا ما رأيناه أخيرا حيث تم نشرهم كما يلي :-
١- تم تجميعهم ونشرهم في مدينة أدلب السورية وبعض المدن السورية خصوصا بعد دورهم في تدمير سوريا وتشريد الملايين من الشعب السوري. بحيث باتت أدلب بمثابة ” قندهار “و ” تورا بورا” اي بمثابة دويلة أرهابية أو بالاحرى الثكنة العملاقة للجيش الأنگشاري الجديد !
٢- تم نشرهم قرب الحدود السورية – التركية اي داخل الأراضي السورية بعمق من ٣٠ كيلو متر الى ٤٠ كيلو متر فأسست بهم تركيا منطقة آمنة “حائط صد”لحماية الحدود والأراضي التركية على طول الحدود السورية التركية ! .ثم تم تفعيل اتفاقية “أضنه” الامنية بين دمشق وأنقرة عام ١٩٩٨ فتم نشر الجيش التركي وكذلك الجيش الأنگشاري الجديد بحيث تم افشال احلام حركة سوريا الديموقراطية شرق الفرات !
٣- تم نشرهم قرب الحدود العراقية – التركية داخل الاراضي العراقية بعمق كبير جدا في الوقت الحالي وتحت ظل التوغل التركي في شمال العراق .بحيث نجحت تركيا بتأسيس منطقة آمنة ” حائط صد” داخل الاراضي العراقية لحماية الحدود والأراضي التركية ولصد حركة حزب العمال التركي الكردي PKK .ولازال الغموض سيد الموقف لخطورة الموقف وخطورة المنطقة !…ولكن هذه القوات التركية والجيش الأنگشاري المستتر “الجيش الرديف” سيكون له دور خطير وحال الشروع التركي باتجاه الموصل وكركوك!.
٤- تم نشرهم في ليبيا بعد التوغل التركي في بعض المناطق داخل ليبيا وفِي طرابلس خصوصا بعد التحالف الاستراتيجي بين حكومة السراج في طرابلس والحكومة التركية .وبالفعل خاضوا معارك كثيرة وضارية ولازالوا هناك يمارسون قوتهم وبطشهم لحماية حكومة الوفاق ومصالحها في ليبيا !
٥- واخيرا تم نشر الكثير منهم في اذربيجان للقتال في أقليم ” قره باغ” الى جانب اذربيجان ضد أرمينيا وسط استنكار دولي، وهلع من روسيا وايران اللتان ذهبتا نحو العراق وسوريا لقتال الارهاب وداعش هناك لكي لا يصل الأرهابيون الى منطقة القوقاز والحديقة الخلفية لروسيا ولكي لا يصلوا الى تخوم ايران. ولكن جميع الاستراتيجيات الاستباقية التي قامت بها روسيا وايران ضد الارهاب قد سقطت عندما ذهبت تركيا وجلبت أفواج من الجيش الأنگشاري” المتطرفين والارهابيين ” الى اذربيجان والشروع في القتال ضد أرمينيا . !.
—————-
هل تركيا مشاغبة أم عاقلة ؟
يُنظر لتركيا من قبل الأنظمة الحاقدة على تركيا ونهضتها وصعودها بأنها تُمارس الجنون والشعب . ويُنظر لها بأنها مسعورة من قبل انظمة وحكومات لا تعي ما يدور حولها . وينظر لتركيا نظرة الاعجاب المصحوبة بالفخر من قبل الدول الحليفه لها. ولكن بالمقابل هناك دول بلعت لسانها ولَم تتكلم خوفا من ردات فعل تركيا واولها الدول الاوربية المحاذية لتركيا والتي في حقيقتها لا تريد تلك الدول خيرا لتركيا ولكنها حائرة فعلا في طريقة التعامل مع تركيا . وهناك دول أصيبت بالصدمة والحيرة واولها ايران وروسيا ودوّل القوقاز الاخرى !
ونحن نقول:-
تركيا ليست مشاغبة وليست مسعورة بل دولة تبحث عّن تعزيز اركان نهضتها الاخيرة المتمثلة بمشروعها القومي ، وتبحث عّن مصدات وأوراق تكون بيدها لتدافع بها عّن نفسها وتمنع استهدافها أو تركيعها. لانها تعيش خوف منعها من الوصول الى عام ٢٠٢٣ .لأن هناك دول مختلفة لا تريد لتركيا الوصول الى عام ٢٠٢٣ وهو عام الخروج من سجن وأسر معاهدة لوزان عام ١٩٢٣. فتركيا تريد البقاء بهذه القوة وبهذه الوحدة الجغرافية والشعبية والسياسية حتى عام ٢٠٢٣ ولكن هناك دول لا تريد لها ذلك وبمقدمة تلك الدول فرنسا والمانيا والنمسا واليونان وقبرص والسعودية والامارات وحتى بلغاريا ومصر .
فحتى هناك تقارير باتت تتحدث عّن مخاطر تُحيط بشخص الرئيس التركي أردوغان نفسه بمحاولة لإيقاف وتيرة القومية الصاعدة التي يقودها أردوغان وصولا الى عام ٢٠٢٣ .لا بل حتى الولايات المتحدة ودوّل اخرى ذهبت فصنعت أحزاب تركية جديدة بقيادة شخصيات مهمة جدا وكانت الى جانب أردوغان سابقا ، ولكنها أنشقت عنه وأسست أحزابا وباتت تنتقد سياسات وقرارات أردوغان. ومن هؤلاء رئيس الوزراء السابق ووزير الخارجية الأسبق أحمد داود أوغلو الذي أسس حزب المستقل .، ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان الذي أسس حزب الديموقراطية والتقدم!وهنا فتش عّن دور الولايات المتحدة والغرب !
بحيث عند رؤية تسمية الحزبين وتصريحات الرجلين وقراءة ديباجة أحزابهم يؤشر أن الرجلين قررا القفز من سفينة حزب العدالة والتنمية وشعاراته الاسلامية نحو العمل خارج الراية الاسلامية. وهذا يذكرنا بطريقة خروج الرئيس السابق عبد الله غول ورفيقه الرئيس الحالي أردوغان من حزب استاذهم الأكبر أربكان وعندما أسسا حزب العدالة والتنمية. ووصفهم حينها أربكان وبتصريح صحفي ( أنهما تلميذان عاقان ويتماهيان مع الصهاينة ) . ..
لهذا سارعت القيادة التركية بزعامة الرئيس اردوغان بالتمدد في ( ليبيا ، وسوريا ، والعراق،وقطر ، واذربيجان ، والمتوسط ، والصومال وغيرها ) والذي أسماها البعض هروبا من المشاكل الداخلية واستحقاقاتها ولكن القيادة التركية مهووسة بصناعة اوراق اللعب الاستباقية مع الدول لتدافع عّن نفسها وتبقى قوية حتى عام ٢٠٢٣ …وبتوضيح أكثر :-
١- يعني تمدد قبيل الاعلان عّن تركيا دولة اقليمية عظمى ويجب ان تصل الى عام ٢٠٢٣ وهي سالمة !
٢- تحرك لأحياء بدايات ” الامبراطورية العثمانية القديمة ” بشكل واضح ليعطي للشعب التركي على قومي واندفاع قومي أكثر بدليل انتشار تركيا الحالي في الدول التي كانت تحت هيمنة الامبراطورية العثمانية سابقا وخصاصا في الشرق الأوسط!
—————— يتبع —————-
إلى اللقاء في ( الجزء الثالث) إن شاء الله
د. سمير عبيد