بيروت في 26 أكتوبر /العمانية/ يرصد الكاتب مهنا الحبيل في كتابه الأخير “وائل حلّاق وإدوارد سعيد.. جدل ثالث”، أفكارَ حلّاق النقدية، بخاصة في مؤلَّفه الشهير “قصور الاستشراق”، مؤكداً بأن حلّاق وإدوارد سعيد متفقان على آثار إعاقة العقل المعاصر وحصار فلسفة الشرق عبر القوة الإمبريالية للمركزية الثقافية الغربية.
ويقرّ الحبيل في كتابه الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بإسهام إدوارد سعيد في الحفر الاستشراقي، ويحفظ لوائل حلّاق في الوقت نفسه، تفوّقه المعرفي، وتوسيع نطاقه النقدي للحداثة، والبحثي للتراث الإسلامي.
ويقول إن إشارة سعيد إلى أن الحداثة تمثل تحدياً إيجابياً للإسلام وليس إهانة (كما وضعها الاستشراق الإسلامي في الأكاديمية الغربية) تؤكد المأزق الذي وقع فيه سعيد، بوصف الحداثة المادية لديه مرجعاً تأهيلياً تقييمياً، وليس حداثة الإسلام القائمة على معرفته المستقلة لا على سيادة المعرفة الغربية.
ويوضح الحبيل أن المعرفة المستقلة التي خاضها حلّاق، وجمْعه لمحاولات عديدة لممارستها، تندرج تحتها الفلسفة الأخلاقية، لكن بجذور أوسع مداراً واستقلالاً وعبر ضمير أخلاقي متّحد في ذات الباحث وفي حقله الفكري حين يتحقق الشرط اللازم في ضمير الباحث، وهو التحرر من القهر السيادي لمعرفة الحداثة.
ويلفت الحبيل إلى أهمية النظر إلى حلّاق ورؤيته النقدية بعيداً عن زاوية الرد أو النقد لإدوارد سعيد فقط، وإنما بوصفه صاحب مدونة مميزة وتَشكّل خطابي عميق لنقد معطيات الفلسفة المقيدة بهذه الحداثة ذاتها، أو التي أُنشئت تحت حقولها المقننة.
ويشير إلى أن مجمل تحريرات حلّاق الفلسفية الخاصة، توجّه رسالة أخلاقية للعالم الجديد، لكسر جدار الصمت عن مصادر المعرفة، “المعرفة كما وُلدت مع الإنسان، وكما ثبتت دلائلها في الطبيعة، وفي الرحلة التاريخية للأرض، وفي التجربة البشرية المؤكدة، والتي هي واجب العلم الحديث الأول” بحسب تعبيره.
ويهدف الحبيل من كتابه هذا إلى توسيع دائرة الحوار الفلسفي الأخلاقي خارج الحيز الأكاديمي الغربي، ومحاولة فهم واستيعاب الطريق المعرفي الذي يصبّ في مصلحة الإنسانية، كما يطرق باب التدوين فيه من وجهة نظره وإيمانه بمقدرته على صناعة الفارق.
وهو يدعو للبحث عن المؤلف الغائب أو المُغيّب وسط الحشود من المؤلفين الذين يُعاد تدوير كتبهم وترجمتها ويُقيَّد الباحثون الجدد بتتبعها ثم الدوران في حلقتها، ومنهم بعضُ مَن يظن أنه يعارضها من منطق إسلامي، فـ”هذا التدوير المقلّد، لن يعطي فارقاً لصالح المعرفة الإسلامية ولا الرؤية الكونية للعالم”.
ويحوي الكتاب دراسات مقارنة تتأمل في التاريخ الاجتماعي للمؤلف، ومعيارية التقييم للخلاصات الفكرية، وفهم سبب تصدُّر بعض الرؤى وطمر بعض الرؤى الأخرى.
ويضعنا الحبيل أمام مثالين في الرواق الفرنسي هما “ميشيل فوكو” و”رينيه غينون”، متناولاً من خلالهما دور سيسيولوجيا المؤلف وأثرها الواضح في مسيرته الفكرية ومنهجيته العلمية، فاتحاً الباب على الجدل الفلسفي الأخلاقي بين النظرية والتطبيق العملي، والأهم مدى ثبات الميزان العلمي والقول بمعياريته للمصلحة الإنسانية.
ويختم الحبيل كتابه بقوله إن هذا الإصدار ليس سوى تمهيد تأصيلي، ورصف طريق أولي، يُحتاج بعده إلى إصدارٍ تخصصي، ينقل مفاهيم التراث وتجاربه الواسعة والمتعددة، إلى المنظار القيمي، وهو منظار “لا يقوم على صورة تراثية مستقاة، بحسب ما يظن بعض أنصار الخطاب الديني أو خصومهم، وإنما منظار معاصر، يدرك كيف تُحقق قواعد القيم، ومصالح الفرد والمجتمع الإنساني، في قوالب معاصرة، تساعدهم على الوصول إلى كتلة التغيير المنشودة”.
/العمانية / 174