تحتفل مصر “غدًا الخميس 23 ديسمبر”.. بالذكرى الخامسة والستين لعيد النصر.. ذلك اليوم الذى يجسد واحدة من أهم درر الأيام الوطنية الخالدة.. ليس لأنه يوم الانتصار على قوى العدوان الثلاثى على مصر “إنجلترا – فرنسا – الكيان الصهيونى”.. ولكن لأنه تجسيد عبقرى لقوة إرادة المصريين.. وإصرارهم على تحقيق التنمية الحقيقية لوطنهم.. من خلال استثمار حقيقى لكل الروافد.. التى يمكن أن تدعم الاقتصاد الوطنى ومن قبله الكرامة الوطنية.. ومثل هذا العيد يستحق أن نحتفى به.. وأن نقدم تفاصيله الملحمية للأجيال الجديدة من شباب هذا الوطن العظيم.. وحتى نعرف مدى أهمية هذا اليوم الفاصل فى تاريخ مصر الحديث.. نتوقف أمام بعض الأحداث المهمة التى سبقت عيد النصر.. وكانت الطريق المؤدى إليه:
أولًا: جاءت ثورة يوليو 1952 بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر.. ومعها مشروع تنموى عملاق.. يسعى إلى إحداث نهضة حقيقية فى كل جنبات المجتمع المصرى.. والغريب أن أهم قواعد هذا المشروع النهضوى.. كانت تقوم على أفكار تم طرحها على حكومات ما قبل ثورة يوليو.. وللأسف الشديد فإن هذه الحكومات لم تتحمس لهذه الأفكار رغم أهميتها.. ومنها السد العالى – الإصلاح الزراعى – مجانية التعليم.. إلخ.
وقد تبنت ثورة يوليو كل هذه الأفكار.. التى تتماشى مع أهداف الثورة.. تلك الثورة التى جعلت الإنسان هدفًا لها.. من خلال القضاء على مثلث الرعب الفقر والجهل والمرض.. ومن خلال ترسيخ مجموعة من السياسات التنموية.. وفى مقدمتها العدالة الاجتماعية.. التى تعمل على تضييق الفوارق بين الطبقات.. من خلال تعميم “تكافؤ الفرص”.. فى التعليم وفى التوظيف.. وفى كل ثمار هذا المشروع التنموى العملاق.
ثانيًا: كان مشروع السد العالى بمثابة “قاطرة التنمية”.. التى تقود كل مشروعات التنمية الأخرى.. وفكرة هذا السد قديمة جدًا.. حيث فكر فيها العالم الإسلامى الشهير الحسن بن الهيثم المتوفى عام 1029 م.. أما السد العالى بشكله الحالى فكان من بنات أفكار المهندس المصرى اليونانى الأصل “أدريان دانينوس”.. والذى عرضها على حكومات ما قبل ثورة يوليو.. والتى لم تتحمس للفكرة.. رغم أن تنفيذها فى حدها الأدنى.. ستمنع الآثار التدميرية للفيضان.. وستمنع الآثار الكارثية للجفاف.
وبعد ثورة يوليو تقدم “أدريان دانينوس” بالفكرة إلى مكتب جمال عبدالناصر والذى تحمس كثيرًا للفكرة.. لأنها ليست فقط ستمنع آثار الفيضان والجفاف ولكنها ستعمل على توليد الكهرباء.. التى تستخدمها خطط التصنيع التى كان عبدالناصر يفكر فى إنجازها.
ولأن تكلفة إنشاء السد العالى.. كانت أكبر من قدرات الاقتصاد المصرى الوليد فى ذلك الوقت.. قرر عبدالناصر عرض الفكرة على المؤسسات الدولية.. والدول الكبرى.. وأجمعت كل المؤسسات على جدوى وأهمية المشروع.. وقررت أمريكا وإنجلترا مشاركة البنك الدولى فى تنفيذ المشروع.. وفجأة عرض الأمريكان والإنجليز شروطًا تعجيزية على مصر.. منها مراقبة الموازنة العامة للدولة لمنع مصر من شراء السلاح.. وضرورة مشاركة مصر فى حلف بغداد.. الذى يهدف إلى حصار الاتحاد السوفيتى من الجنوب.. وغير ذلك من الشروط التى تمس الكرامة الوطنية.. وكان من الطبيعى أن يرفض عبدالناصر هذه الشروط.. وجاء الرد الأمريكى الإنجليزى يحمل الكثير من العجرفة الاستعمارية.. بإعلان الانسحاب من تمويل المشروع.. بحجة عدم قدرة الاقتصاد المصرى على تحمل تكلفة المشروع.
ثالثًا: حدث انسحاب الأمريكان والإنجليز والبنك الدولى من تمويل مشروع السد العالى يوم 20 يوليو 1956.. وجاء رد الرئيس عبدالناصر لطمة مدوية على وجه الاستعمار.. بإعلانه تأميم شركة قناة السويس يوم 26 يوليو 1956.. فى خطابه الأشهر بميدان المنشية فى الإسكندرية.. ومن المؤكد أن قرارًا بهذه الدرجة من الخطورة لا يمكن اتخاذه خلال ستة أيام فقط.. والحقيقة أن عبدالناصر بدأ التفكير فى تأميم قناة السويس – وهى من الأفكار التى كانت مطروحة قبل ثورة يوليو أيضًا – بعد اندلاع الثورة بأيام قليلة.. عندما استقبل فى أغسطس 1952 د.مصطفى الحفناوى الأب الروحى لمشروع التأميم.. وصاحب الكتاب الموسوعى “قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة”.. والذى عرض على عبدالناصر فكرة التأميم.. وكان رد ناصر دعنا نحقق جلاء الإنجليز عن مصر.. وبعدها سأحقق حلمك وحلم كل المصريين فى تأميم القناة.. وفى شهر نوفمبر 1952 دعا عبدالناصر د.الحفناوى لإلقاء محاضرة عن قناة السويس فى نادى الضباط بالزمالك.. حضرها كل كبار الضباط فى الجيش المصرى.. وبعد هذه الندوة قرر عبدالناصر تكوين سبع لجان لدراسة كل شىء عن قناة السويس.. وكانت هذه اللجان تعمل بشكل منفصل تمامًا بعضها عن بعض.. ولم تكن أى لجنة تعلم بوجود بقية اللجان.. وكان المنسق العام بين هذه اللجان السيد على صبرى.. والذى كان حلقة الوصل بين هذه اللجان والرئيس عبدالناصر.. وقد درست هذه اللجان كل التفاصيل السياسية والاقتصادية والعسكرية لقرار التأميم.. لدرجة أن الرئيس عبدالناصر عمل على إطالة مدة خطابه حتى يتأكد من إغلاق بورصة باريس.. لأن نص القرار كان منح قيمة الأسهم للمساهمين طبقًا لآخر إقفال لبورصة باريس.
رابعًا: أحدث قرار عبدالناصر بتأميم قناة السويس دويًا عالميًا كبيرًا.. وانقسم العالم قلة ضئيلة من الدول ضد القرار وعلى رأسها إنجلترا وفرنسا.. وغالبية كاسحة مع القرار.. وشهدت أروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة مناقشات عنيفة.. استطاع خلالها مندوبو مصر والاتحاد السوفيتى والهند..دحض كل محاولات التأكيد على عدم قانونية القرار.. وانتقلت هذه المناقشات إلى مؤتمر لندن.. وعندما تأكدت كل من إنجلترا وفرنسا من الفشل الدبلوماسى والقانونى.. انتقلت الدولتان إلى فكرة الحل العسكرى.. وتم عقد اجتماع سرى فى ضاحية “سيفر” بالقرب من باريس.. حضره مندوبو إنجلترا وفرنسا والكيان الصهيونى.. وتقرر خلال هذا الاجتماع وضع خطط العدوان الثلاثى على مصر.
خامسًا: بدأ العدوان يوم 29 أكتوبر بهجوم صهيونى على سيناء يوم 29 أكتوبر 1956.. ولم يحقق هذا الهجوم أى نجاح.. ورغم ذلك أصدرت كل من إنجلترا وفرنسا إنذارًا إلى كل من مصر والكيان الصهيونى بضرورة سحب قواتهما شرق وغرب القناة لمسافة عشرة كيلو مترات.. وفى ذلك الوقت لم يكن الجيش الصهيونى قد توغل فى سيناء بضعة أمتار.. ولكن أهداف العدوان.. كانت عودة إنجلترا إلى قاعدة قناة السويس “معسكر الجلاء الآن” أهم قواعدها الاستعمارية على الإطلاق.. وضمان فرنسا منع مصر من مساندة الثورة الجزائرية.. وتأكد الصهاينة من عدم مولد قوة إقليمية إلى جوارهم.
خامسًا: رفضت مصر الإنذار الإنجليزى الفرنسى.. فبدأ طيران الدولتين ضرب كل المواقع المصرية المهمة.. وعلى الفور أصدر عبدالناصر قرارين مهمين الأول إغراق سفينتين بعرض قناة السويس.. لمنع بوارج العدوان من استخدام القناة.. وقد استفاد عبدالناصر في هذا القرار من خطأ الزعيم أحمد عرابى.. الذى تعرض لخيانة ديليسبس وكانت القناة هى الطريق الأسهل لقوات الاحتلال الإنجليزى على مصر عام 1882.. أما القرار الثانى فكان سحب القوات المصرية الموجودة فى سيناء.. حتى تتفادى مؤامرة “الكماشة” التى خطط لها المعتدون.
سادسًا: ذهب عبدالناصر لصلاة الجمعة فى الجامع الأزهر الشريف يوم 3 نوفمبر.. وبعد الصلاة صعد المنبر وقال خطبته الشهيرة.. والتى أعلن خلالها أننا “سنقاتل سنقاتل”.. تلك الكلمة التى أصبحت شعارًا للمعركة.. واختار المعتدون بورسعيد لتكون مقبرة لهم.. حيث سارع شباب بورسعيد إلى تكوين أكثر من عشر مجموعات للمقاومة الشعبية.. يقودها ضابط الشرطة مصطفى كمال الصياد.. تحت إشراف ضابطى المخابرات سمير غانم وعبدالفتاح أبو الفضل.
سابعًا: استطاعت مصر الصمود أمام هذا العدوان الغاشم لمدة تسعة أيام كاملة.. حتى صدر الإنذار السوفيتى الشهير يوم 7 نوفمبر.. وتبعه الإنذار الأمريكى.. ليتأكد فشل العدوان، وقد برز من أبناء بورسعيد العديد من أبطال المقاومة الشعبية مثل سيد عسران – محمد حمدالله – زينب الكفراوى.. إلخ.. كما استطاع أبطال الصاعقة التسلل إلى المدينة بقيادة الرائد جلال هويدى.. وقاموا بنسف بعض دبابات العدوان.
ثامنًا: أعلنت قوات العدوان انسحابها من بورسعيد وهى تجر كل أذيال الفشل والخيبة.. وتقرر انسحاب آخر جندى يوم 23 ديسمبر 1956.. ولكن كل جنود العدوان انسحبوا يوم 22 ديسمبر.. ليكون المشهد الختامى لهذا الانتصار العظيم.. هو نسف تمثال اللص الخائن ديليسبس أحد أبغض الرموز الاستعمارية بالنسبة للمصريين.. وذلك عندما أعطى ضابط المخابرات سمير غانم حقيبة المتفجرات للبطل يحيى الشاعر.. وطلب منه نسف التمثال.. والمؤلم أن يظهر هذه الأيام من يطالب بإعادة تمثال الجلاد ديليسبس.
تاسعًا:23 ديسمبر عيد النصر.. انتصار عظيم للدولة المصرية.. وأهم الدلائل على كونه انتصارًا عظيمًا.. أن المعركة كانت على من يتحكم فى قناة السويس.. واستطاعت مصر أن تسترد قناة السويس كاملة.. وأن تظل القناة فى حوزتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. ولتتحول القناة إلى أهم رافد من روافد التنمية فى مصر.. منذ تأميمها وحتى الآن.
ولتتحول مدينة بورسعيد إلى بوابة عملاقة للتاريخ.. حيث أنهت إلى الأبد كون إنجلترا وفرنسا قوى عظمى.. وعملت على تدشين القوى العظمى الجديدة “أمريكا والاتحاد السوفيتى”.
محمد الشافعى
عيد النصر.. بورسعيد بوابة التاريخ
محمد الشافعى
تحتفل مصر “غدًا الخميس 23 ديسمبر”.. بالذكرى الخامسة والستين لعيد النصر.. ذلك اليوم الذى يجسد واحدة من أهم درر الأيام الوطنية الخالدة.. ليس لأنه يوم الانتصار على قوى العدوان الثلاثى على مصر “إنجلترا – فرنسا – الكيان الصهيونى”.. ولكن لأنه تجسيد عبقرى لقوة إرادة المصريين.. وإصرارهم على تحقيق التنمية الحقيقية لوطنهم.. من خلال استثمار حقيقى لكل الروافد.. التى يمكن أن تدعم الاقتصاد الوطنى ومن قبله الكرامة الوطنية.. ومثل هذا العيد يستحق أن نحتفى به.. وأن نقدم تفاصيله الملحمية للأجيال الجديدة من شباب هذا الوطن العظيم.. وحتى نعرف مدى أهمية هذا اليوم الفاصل فى تاريخ مصر الحديث.. نتوقف أمام بعض الأحداث المهمة التى سبقت عيد النصر.. وكانت الطريق المؤدى إليه:
أولًا: جاءت ثورة يوليو 1952 بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر.. ومعها مشروع تنموى عملاق.. يسعى إلى إحداث نهضة حقيقية فى كل جنبات المجتمع المصرى.. والغريب أن أهم قواعد هذا المشروع النهضوى.. كانت تقوم على أفكار تم طرحها على حكومات ما قبل ثورة يوليو.. وللأسف الشديد فإن هذه الحكومات لم تتحمس لهذه الأفكار رغم أهميتها.. ومنها السد العالى – الإصلاح الزراعى – مجانية التعليم.. إلخ.
وقد تبنت ثورة يوليو كل هذه الأفكار.. التى تتماشى مع أهداف الثورة.. تلك الثورة التى جعلت الإنسان هدفًا لها.. من خلال القضاء على مثلث الرعب الفقر والجهل والمرض.. ومن خلال ترسيخ مجموعة من السياسات التنموية.. وفى مقدمتها العدالة الاجتماعية.. التى تعمل على تضييق الفوارق بين الطبقات.. من خلال تعميم “تكافؤ الفرص”.. فى التعليم وفى التوظيف.. وفى كل ثمار هذا المشروع التنموى العملاق.
ثانيًا: كان مشروع السد العالى بمثابة “قاطرة التنمية”.. التى تقود كل مشروعات التنمية الأخرى.. وفكرة هذا السد قديمة جدًا.. حيث فكر فيها العالم الإسلامى الشهير الحسن بن الهيثم المتوفى عام 1029 م.. أما السد العالى بشكله الحالى فكان من بنات أفكار المهندس المصرى اليونانى الأصل “أدريان دانينوس”.. والذى عرضها على حكومات ما قبل ثورة يوليو.. والتى لم تتحمس للفكرة.. رغم أن تنفيذها فى حدها الأدنى.. ستمنع الآثار التدميرية للفيضان.. وستمنع الآثار الكارثية للجفاف.
وبعد ثورة يوليو تقدم “أدريان دانينوس” بالفكرة إلى مكتب جمال عبدالناصر والذى تحمس كثيرًا للفكرة.. لأنها ليست فقط ستمنع آثار الفيضان والجفاف ولكنها ستعمل على توليد الكهرباء.. التى تستخدمها خطط التصنيع التى كان عبدالناصر يفكر فى إنجازها.
ولأن تكلفة إنشاء السد العالى.. كانت أكبر من قدرات الاقتصاد المصرى الوليد فى ذلك الوقت.. قرر عبدالناصر عرض الفكرة على المؤسسات الدولية.. والدول الكبرى.. وأجمعت كل المؤسسات على جدوى وأهمية المشروع.. وقررت أمريكا وإنجلترا مشاركة البنك الدولى فى تنفيذ المشروع.. وفجأة عرض الأمريكان والإنجليز شروطًا تعجيزية على مصر.. منها مراقبة الموازنة العامة للدولة لمنع مصر من شراء السلاح.. وضرورة مشاركة مصر فى حلف بغداد.. الذى يهدف إلى حصار الاتحاد السوفيتى من الجنوب.. وغير ذلك من الشروط التى تمس الكرامة الوطنية.. وكان من الطبيعى أن يرفض عبدالناصر هذه الشروط.. وجاء الرد الأمريكى الإنجليزى يحمل الكثير من العجرفة الاستعمارية.. بإعلان الانسحاب من تمويل المشروع.. بحجة عدم قدرة الاقتصاد المصرى على تحمل تكلفة المشروع.
ثالثًا: حدث انسحاب الأمريكان والإنجليز والبنك الدولى من تمويل مشروع السد العالى يوم 20 يوليو 1956.. وجاء رد الرئيس عبدالناصر لطمة مدوية على وجه الاستعمار.. بإعلانه تأميم شركة قناة السويس يوم 26 يوليو 1956.. فى خطابه الأشهر بميدان المنشية فى الإسكندرية.. ومن المؤكد أن قرارًا بهذه الدرجة من الخطورة لا يمكن اتخاذه خلال ستة أيام فقط.. والحقيقة أن عبدالناصر بدأ التفكير فى تأميم قناة السويس – وهى من الأفكار التى كانت مطروحة قبل ثورة يوليو أيضًا – بعد اندلاع الثورة بأيام قليلة.. عندما استقبل فى أغسطس 1952 د.مصطفى الحفناوى الأب الروحى لمشروع التأميم.. وصاحب الكتاب الموسوعى “قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة”.. والذى عرض على عبدالناصر فكرة التأميم.. وكان رد ناصر دعنا نحقق جلاء الإنجليز عن مصر.. وبعدها سأحقق حلمك وحلم كل المصريين فى تأميم القناة.. وفى شهر نوفمبر 1952 دعا عبدالناصر د.الحفناوى لإلقاء محاضرة عن قناة السويس فى نادى الضباط بالزمالك.. حضرها كل كبار الضباط فى الجيش المصرى.. وبعد هذه الندوة قرر عبدالناصر تكوين سبع لجان لدراسة كل شىء عن قناة السويس.. وكانت هذه اللجان تعمل بشكل منفصل تمامًا بعضها عن بعض.. ولم تكن أى لجنة تعلم بوجود بقية اللجان.. وكان المنسق العام بين هذه اللجان السيد على صبرى.. والذى كان حلقة الوصل بين هذه اللجان والرئيس عبدالناصر.. وقد درست هذه اللجان كل التفاصيل السياسية والاقتصادية والعسكرية لقرار التأميم.. لدرجة أن الرئيس عبدالناصر عمل على إطالة مدة خطابه حتى يتأكد من إغلاق بورصة باريس.. لأن نص القرار كان منح قيمة الأسهم للمساهمين طبقًا لآخر إقفال لبورصة باريس.
رابعًا: أحدث قرار عبدالناصر بتأميم قناة السويس دويًا عالميًا كبيرًا.. وانقسم العالم قلة ضئيلة من الدول ضد القرار وعلى رأسها إنجلترا وفرنسا.. وغالبية كاسحة مع القرار.. وشهدت أروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة مناقشات عنيفة.. استطاع خلالها مندوبو مصر والاتحاد السوفيتى والهند..دحض كل محاولات التأكيد على عدم قانونية القرار.. وانتقلت هذه المناقشات إلى مؤتمر لندن.. وعندما تأكدت كل من إنجلترا وفرنسا من الفشل الدبلوماسى والقانونى.. انتقلت الدولتان إلى فكرة الحل العسكرى.. وتم عقد اجتماع سرى فى ضاحية “سيفر” بالقرب من باريس.. حضره مندوبو إنجلترا وفرنسا والكيان الصهيونى.. وتقرر خلال هذا الاجتماع وضع خطط العدوان الثلاثى على مصر.
خامسًا: بدأ العدوان يوم 29 أكتوبر بهجوم صهيونى على سيناء يوم 29 أكتوبر 1956.. ولم يحقق هذا الهجوم أى نجاح.. ورغم ذلك أصدرت كل من إنجلترا وفرنسا إنذارًا إلى كل من مصر والكيان الصهيونى بضرورة سحب قواتهما شرق وغرب القناة لمسافة عشرة كيلو مترات.. وفى ذلك الوقت لم يكن الجيش الصهيونى قد توغل فى سيناء بضعة أمتار.. ولكن أهداف العدوان.. كانت عودة إنجلترا إلى قاعدة قناة السويس “معسكر الجلاء الآن” أهم قواعدها الاستعمارية على الإطلاق.. وضمان فرنسا منع مصر من مساندة الثورة الجزائرية.. وتأكد الصهاينة من عدم مولد قوة إقليمية إلى جوارهم.
خامسًا: رفضت مصر الإنذار الإنجليزى الفرنسى.. فبدأ طيران الدولتين ضرب كل المواقع المصرية المهمة.. وعلى الفور أصدر عبدالناصر قرارين مهمين الأول إغراق سفينتين بعرض قناة السويس.. لمنع بوارج العدوان من استخدام القناة.. وقد استفاد عبدالناصر في هذا القرار من خطأ الزعيم أحمد عرابى.. الذى تعرض لخيانة ديليسبس وكانت القناة هى الطريق الأسهل لقوات الاحتلال الإنجليزى على مصر عام 1882.. أما القرار الثانى فكان سحب القوات المصرية الموجودة فى سيناء.. حتى تتفادى مؤامرة “الكماشة” التى خطط لها المعتدون.
سادسًا: ذهب عبدالناصر لصلاة الجمعة فى الجامع الأزهر الشريف يوم 3 نوفمبر.. وبعد الصلاة صعد المنبر وقال خطبته الشهيرة.. والتى أعلن خلالها أننا “سنقاتل سنقاتل”.. تلك الكلمة التى أصبحت شعارًا للمعركة.. واختار المعتدون بورسعيد لتكون مقبرة لهم.. حيث سارع شباب بورسعيد إلى تكوين أكثر من عشر مجموعات للمقاومة الشعبية.. يقودها ضابط الشرطة مصطفى كمال الصياد.. تحت إشراف ضابطى المخابرات سمير غانم وعبدالفتاح أبو الفضل.
سابعًا: استطاعت مصر الصمود أمام هذا العدوان الغاشم لمدة تسعة أيام كاملة.. حتى صدر الإنذار السوفيتى الشهير يوم 7 نوفمبر.. وتبعه الإنذار الأمريكى.. ليتأكد فشل العدوان، وقد برز من أبناء بورسعيد العديد من أبطال المقاومة الشعبية مثل سيد عسران – محمد حمدالله – زينب الكفراوى.. إلخ.. كما استطاع أبطال الصاعقة التسلل إلى المدينة بقيادة الرائد جلال هويدى.. وقاموا بنسف بعض دبابات العدوان.
ثامنًا: أعلنت قوات العدوان انسحابها من بورسعيد وهى تجر كل أذيال الفشل والخيبة.. وتقرر انسحاب آخر جندى يوم 23 ديسمبر 1956.. ولكن كل جنود العدوان انسحبوا يوم 22 ديسمبر.. ليكون المشهد الختامى لهذا الانتصار العظيم.. هو نسف تمثال اللص الخائن ديليسبس أحد أبغض الرموز الاستعمارية بالنسبة للمصريين.. وذلك عندما أعطى ضابط المخابرات سمير غانم حقيبة المتفجرات للبطل يحيى الشاعر.. وطلب منه نسف التمثال.. والمؤلم أن يظهر هذه الأيام من يطالب بإعادة تمثال الجلاد ديليسبس.
تاسعًا:23 ديسمبر عيد النصر.. انتصار عظيم للدولة المصرية.. وأهم الدلائل على كونه انتصارًا عظيمًا.. أن المعركة كانت على من يتحكم فى قناة السويس.. واستطاعت مصر أن تسترد قناة السويس كاملة.. وأن تظل القناة فى حوزتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. ولتتحول القناة إلى أهم رافد من روافد التنمية فى مصر.. منذ تأميمها وحتى الآن.
ولتتحول مدينة بورسعيد إلى بوابة عملاقة للتاريخ.. حيث أنهت إلى الأبد كون إنجلترا وفرنسا قوى عظمى.. وعملت على تدشين القوى العظمى الجديدة “أمريكا والاتحاد السوفيتى”.
محمد الشافعى
عيد النصر.. بورسعيد بوابة التاريخ
محمد الشافعى
تحتفل مصر “غدًا الخميس 23 ديسمبر”.. بالذكرى الخامسة والستين لعيد النصر.. ذلك اليوم الذى يجسد واحدة من أهم درر الأيام الوطنية الخالدة.. ليس لأنه يوم الانتصار على قوى العدوان الثلاثى على مصر “إنجلترا – فرنسا – الكيان الصهيونى”.. ولكن لأنه تجسيد عبقرى لقوة إرادة المصريين.. وإصرارهم على تحقيق التنمية الحقيقية لوطنهم.. من خلال استثمار حقيقى لكل الروافد.. التى يمكن أن تدعم الاقتصاد الوطنى ومن قبله الكرامة الوطنية.. ومثل هذا العيد يستحق أن نحتفى به.. وأن نقدم تفاصيله الملحمية للأجيال الجديدة من شباب هذا الوطن العظيم.. وحتى نعرف مدى أهمية هذا اليوم الفاصل فى تاريخ مصر الحديث.. نتوقف أمام بعض الأحداث المهمة التى سبقت عيد النصر.. وكانت الطريق المؤدى إليه:
أولًا: جاءت ثورة يوليو 1952 بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر.. ومعها مشروع تنموى عملاق.. يسعى إلى إحداث نهضة حقيقية فى كل جنبات المجتمع المصرى.. والغريب أن أهم قواعد هذا المشروع النهضوى.. كانت تقوم على أفكار تم طرحها على حكومات ما قبل ثورة يوليو.. وللأسف الشديد فإن هذه الحكومات لم تتحمس لهذه الأفكار رغم أهميتها.. ومنها السد العالى – الإصلاح الزراعى – مجانية التعليم.. إلخ.
وقد تبنت ثورة يوليو كل هذه الأفكار.. التى تتماشى مع أهداف الثورة.. تلك الثورة التى جعلت الإنسان هدفًا لها.. من خلال القضاء على مثلث الرعب الفقر والجهل والمرض.. ومن خلال ترسيخ مجموعة من السياسات التنموية.. وفى مقدمتها العدالة الاجتماعية.. التى تعمل على تضييق الفوارق بين الطبقات.. من خلال تعميم “تكافؤ الفرص”.. فى التعليم وفى التوظيف.. وفى كل ثمار هذا المشروع التنموى العملاق.
ثانيًا: كان مشروع السد العالى بمثابة “قاطرة التنمية”.. التى تقود كل مشروعات التنمية الأخرى.. وفكرة هذا السد قديمة جدًا.. حيث فكر فيها العالم الإسلامى الشهير الحسن بن الهيثم المتوفى عام 1029 م.. أما السد العالى بشكله الحالى فكان من بنات أفكار المهندس المصرى اليونانى الأصل “أدريان دانينوس”.. والذى عرضها على حكومات ما قبل ثورة يوليو.. والتى لم تتحمس للفكرة.. رغم أن تنفيذها فى حدها الأدنى.. ستمنع الآثار التدميرية للفيضان.. وستمنع الآثار الكارثية للجفاف.
وبعد ثورة يوليو تقدم “أدريان دانينوس” بالفكرة إلى مكتب جمال عبدالناصر والذى تحمس كثيرًا للفكرة.. لأنها ليست فقط ستمنع آثار الفيضان والجفاف ولكنها ستعمل على توليد الكهرباء.. التى تستخدمها خطط التصنيع التى كان عبدالناصر يفكر فى إنجازها.
ولأن تكلفة إنشاء السد العالى.. كانت أكبر من قدرات الاقتصاد المصرى الوليد فى ذلك الوقت.. قرر عبدالناصر عرض الفكرة على المؤسسات الدولية.. والدول الكبرى.. وأجمعت كل المؤسسات على جدوى وأهمية المشروع.. وقررت أمريكا وإنجلترا مشاركة البنك الدولى فى تنفيذ المشروع.. وفجأة عرض الأمريكان والإنجليز شروطًا تعجيزية على مصر.. منها مراقبة الموازنة العامة للدولة لمنع مصر من شراء السلاح.. وضرورة مشاركة مصر فى حلف بغداد.. الذى يهدف إلى حصار الاتحاد السوفيتى من الجنوب.. وغير ذلك من الشروط التى تمس الكرامة الوطنية.. وكان من الطبيعى أن يرفض عبدالناصر هذه الشروط.. وجاء الرد الأمريكى الإنجليزى يحمل الكثير من العجرفة الاستعمارية.. بإعلان الانسحاب من تمويل المشروع.. بحجة عدم قدرة الاقتصاد المصرى على تحمل تكلفة المشروع.
ثالثًا: حدث انسحاب الأمريكان والإنجليز والبنك الدولى من تمويل مشروع السد العالى يوم 20 يوليو 1956.. وجاء رد الرئيس عبدالناصر لطمة مدوية على وجه الاستعمار.. بإعلانه تأميم شركة قناة السويس يوم 26 يوليو 1956.. فى خطابه الأشهر بميدان المنشية فى الإسكندرية.. ومن المؤكد أن قرارًا بهذه الدرجة من الخطورة لا يمكن اتخاذه خلال ستة أيام فقط.. والحقيقة أن عبدالناصر بدأ التفكير فى تأميم قناة السويس – وهى من الأفكار التى كانت مطروحة قبل ثورة يوليو أيضًا – بعد اندلاع الثورة بأيام قليلة.. عندما استقبل فى أغسطس 1952 د.مصطفى الحفناوى الأب الروحى لمشروع التأميم.. وصاحب الكتاب الموسوعى “قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة”.. والذى عرض على عبدالناصر فكرة التأميم.. وكان رد ناصر دعنا نحقق جلاء الإنجليز عن مصر.. وبعدها سأحقق حلمك وحلم كل المصريين فى تأميم القناة.. وفى شهر نوفمبر 1952 دعا عبدالناصر د.الحفناوى لإلقاء محاضرة عن قناة السويس فى نادى الضباط بالزمالك.. حضرها كل كبار الضباط فى الجيش المصرى.. وبعد هذه الندوة قرر عبدالناصر تكوين سبع لجان لدراسة كل شىء عن قناة السويس.. وكانت هذه اللجان تعمل بشكل منفصل تمامًا بعضها عن بعض.. ولم تكن أى لجنة تعلم بوجود بقية اللجان.. وكان المنسق العام بين هذه اللجان السيد على صبرى.. والذى كان حلقة الوصل بين هذه اللجان والرئيس عبدالناصر.. وقد درست هذه اللجان كل التفاصيل السياسية والاقتصادية والعسكرية لقرار التأميم.. لدرجة أن الرئيس عبدالناصر عمل على إطالة مدة خطابه حتى يتأكد من إغلاق بورصة باريس.. لأن نص القرار كان منح قيمة الأسهم للمساهمين طبقًا لآخر إقفال لبورصة باريس.
رابعًا: أحدث قرار عبدالناصر بتأميم قناة السويس دويًا عالميًا كبيرًا.. وانقسم العالم قلة ضئيلة من الدول ضد القرار وعلى رأسها إنجلترا وفرنسا.. وغالبية كاسحة مع القرار.. وشهدت أروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة مناقشات عنيفة.. استطاع خلالها مندوبو مصر والاتحاد السوفيتى والهند..دحض كل محاولات التأكيد على عدم قانونية القرار.. وانتقلت هذه المناقشات إلى مؤتمر لندن.. وعندما تأكدت كل من إنجلترا وفرنسا من الفشل الدبلوماسى والقانونى.. انتقلت الدولتان إلى فكرة الحل العسكرى.. وتم عقد اجتماع سرى فى ضاحية “سيفر” بالقرب من باريس.. حضره مندوبو إنجلترا وفرنسا والكيان الصهيونى.. وتقرر خلال هذا الاجتماع وضع خطط العدوان الثلاثى على مصر.
خامسًا: بدأ العدوان يوم 29 أكتوبر بهجوم صهيونى على سيناء يوم 29 أكتوبر 1956.. ولم يحقق هذا الهجوم أى نجاح.. ورغم ذلك أصدرت كل من إنجلترا وفرنسا إنذارًا إلى كل من مصر والكيان الصهيونى بضرورة سحب قواتهما شرق وغرب القناة لمسافة عشرة كيلو مترات.. وفى ذلك الوقت لم يكن الجيش الصهيونى قد توغل فى سيناء بضعة أمتار.. ولكن أهداف العدوان.. كانت عودة إنجلترا إلى قاعدة قناة السويس “معسكر الجلاء الآن” أهم قواعدها الاستعمارية على الإطلاق.. وضمان فرنسا منع مصر من مساندة الثورة الجزائرية.. وتأكد الصهاينة من عدم مولد قوة إقليمية إلى جوارهم.
خامسًا: رفضت مصر الإنذار الإنجليزى الفرنسى.. فبدأ طيران الدولتين ضرب كل المواقع المصرية المهمة.. وعلى الفور أصدر عبدالناصر قرارين مهمين الأول إغراق سفينتين بعرض قناة السويس.. لمنع بوارج العدوان من استخدام القناة.. وقد استفاد عبدالناصر في هذا القرار من خطأ الزعيم أحمد عرابى.. الذى تعرض لخيانة ديليسبس وكانت القناة هى الطريق الأسهل لقوات الاحتلال الإنجليزى على مصر عام 1882.. أما القرار الثانى فكان سحب القوات المصرية الموجودة فى سيناء.. حتى تتفادى مؤامرة “الكماشة” التى خطط لها المعتدون.
سادسًا: ذهب عبدالناصر لصلاة الجمعة فى الجامع الأزهر الشريف يوم 3 نوفمبر.. وبعد الصلاة صعد المنبر وقال خطبته الشهيرة.. والتى أعلن خلالها أننا “سنقاتل سنقاتل”.. تلك الكلمة التى أصبحت شعارًا للمعركة.. واختار المعتدون بورسعيد لتكون مقبرة لهم.. حيث سارع شباب بورسعيد إلى تكوين أكثر من عشر مجموعات للمقاومة الشعبية.. يقودها ضابط الشرطة مصطفى كمال الصياد.. تحت إشراف ضابطى المخابرات سمير غانم وعبدالفتاح أبو الفضل.
سابعًا: استطاعت مصر الصمود أمام هذا العدوان الغاشم لمدة تسعة أيام كاملة.. حتى صدر الإنذار السوفيتى الشهير يوم 7 نوفمبر.. وتبعه الإنذار الأمريكى.. ليتأكد فشل العدوان، وقد برز من أبناء بورسعيد العديد من أبطال المقاومة الشعبية مثل سيد عسران – محمد حمدالله – زينب الكفراوى.. إلخ.. كما استطاع أبطال الصاعقة التسلل إلى المدينة بقيادة الرائد جلال هويدى.. وقاموا بنسف بعض دبابات العدوان.
ثامنًا: أعلنت قوات العدوان انسحابها من بورسعيد وهى تجر كل أذيال الفشل والخيبة.. وتقرر انسحاب آخر جندى يوم 23 ديسمبر 1956.. ولكن كل جنود العدوان انسحبوا يوم 22 ديسمبر.. ليكون المشهد الختامى لهذا الانتصار العظيم.. هو نسف تمثال اللص الخائن ديليسبس أحد أبغض الرموز الاستعمارية بالنسبة للمصريين.. وذلك عندما أعطى ضابط المخابرات سمير غانم حقيبة المتفجرات للبطل يحيى الشاعر.. وطلب منه نسف التمثال.. والمؤلم أن يظهر هذه الأيام من يطالب بإعادة تمثال الجلاد ديليسبس.
تاسعًا:23 ديسمبر عيد النصر.. انتصار عظيم للدولة المصرية.. وأهم الدلائل على كونه انتصارًا عظيمًا.. أن المعركة كانت على من يتحكم فى قناة السويس.. واستطاعت مصر أن تسترد قناة السويس كاملة.. وأن تظل القناة فى حوزتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. ولتتحول القناة إلى أهم رافد من روافد التنمية فى مصر.. منذ تأميمها وحتى الآن.
ولتتحول مدينة بورسعيد إلى بوابة عملاقة للتاريخ.. حيث أنهت إلى الأبد كون إنجلترا وفرنسا قوى عظمى.. وعملت على تدشين القوى العظمى الجديدة “أمريكا والاتحاد السوفيتى”.
الكاتب الصحفي والمؤرخ محمد الشافعي رئيس تحرير مجلة الهلال السابق