في مثل هذا اليوم 8 نوفمبر 2002 صدر قرار مجلس الأمن رقم 1441 ضد العراق ، بحجة وجود أسلحة دمار شامل لديها ، وعدم تعاونها مع مهمة التفتيش التابعة للأمم المتحدة بقيادة هانز بليكس، وقد صدر القرار في حضور بليكس وكذلك د. محمد البرادعي مدير وكالة الطاقة النووية آنذاك .
يومها كنت في مكتبي كسفير لمصر في أوغندا ، سارعت أقرأ نص القرار واحلله، ولفت نظري الجملة الأخيرة من القرار والتي تنص علي ” عواقب وخيمة ” serious consequences إذا لم يلتزم العراق بالقرار .
ربطت بين ذلك وبين ما كانت تردده الإدارة الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 حول ما أطلقت عليه ” الحرب الإجهاضية ” preemptive war والتي شرحها وزير الدفاع الأمريكي ومعه وزير الخارجية كولن باول وكذلك مستشارة الأمن القومي كوندليزا رايس، بأنها حرب مشروعة وفقا لميثاق الأمم المتحدة الذي يعطي للدول وفق المادة 51 حق الدفاع عن النفس وأطلق علي ذلك ” مبدأ بوش” .
ولما كنت قد سبق لي أن فندت ذلك المبدأ في مقال قمت بنشره في صيف نفس العام ، فقد سارعت بتفنيد قرار مجلس الأمن ( والذي صدر للأسف بالإجماع ) ، وذكرت صراحة أنه لا يزيد عن كونه رخصة لغزو العراق ممهورة بخاتم الأمم المتحدة، وسارعت بإرسال مقال إلي صحيفة البيان الإماراتية ، وكذلك إلي مجلة الدبلوماسي بالتحليل المذكور ، كما نشرت مقالا علي صفحة كاملة في صحيفة The East African ذائعة الإنتشار في أفريقيا تحت عنوان :” أمريكا تدق طبول الحرب ” .
اتصل وزير الخارجية المرحوم أحمد ماهر معترضا علي مقالاتي ، مشيرا إلي أن السفارة الأمريكية اعترضت عليها ، ولما كان سيادته لم يقرأ هذه المقالات فقد لخصتها له ، وأوضحت أنني أتحدث عن قواعد القانون الدولي وليس عن سياسة أمريكا .
وقد زارني الوزير لحضور مؤتمر للكوميسا عقد في كمبالا ، وكان الغزو قد تم للعراق ، وتحدثنا لبعض الوقت حول مقالاتي ، وكان لا يزال معترضا ، لكنه أبدي إعجابه بتفنيدي لمبدأ بوش في الضربة الإجهاضية ، وذكر أشياء لا يجوز لي نشرها خاصة بعد وفاته ، وأتذكر أنني قلت له ” اعتبر أن مقالاتي بالونات اختبار .. قولوا للسفير الأمريكي في القاهرة أن سفراءنا قد ضجوا من سياساتكم، وأنهم انفجروا في وجوهنا لأن سياسات أمريكا تهدد مصالح مصر علي المدي الطويل .. ابتسم الوزير العظيم أحمد ماهر ، وقال لي ما لا أستطيع أيضا الحديث عنه .. رحمه الله رحمة واسعة ، كان يملك أن يطلب مني التوقف عن كتابة المقالات ، ولكنه لم يفعل .
معصوم مرزوق