الوطن.. هذا المسمى الشريف بكيانه وطهره وعزه ونقاءه وأنفه وشموخه وقيمه ومبادئه ورسوخه وأرضه وفضاءه وهواءه وثرواته البشرية والطبيعية..
الوطن.. هذا الطود الشامخ، المتوغل في نفوسنا، يسكننا ونسكنه، يتألم لأجلنا، ونتألم لأجله، ومهما بذلنا في سبيله من تضحيات فلن نوفيه حقه، ومهما امتدحناه فلن نستطيع وصفه..
في يوم عيده الأغر الذي يوافق الثامن عشر من نوفمبر الأنور احترت ماذا أهديه، وماذا أقول فيه من كلمات فوجدت أن الهدايا مهما كانت قيمتها لا تساوي ذرة من ترابه الطهور، وأن الكلمات مهما بلغت فصاحتها وبلاغتها فلن توفيه حقه، ومهما قدمنا في سبيله من تضحيات فلا نستطيع رد جميله ..
فلم أجد سوى الأحلام والأماني والدعوات ، فحلمت وتمنيت ودعوت ربي مخلصاً بأن يكون وطني خالياً من الديون ، برغم ما يمر به من أزمات، وما يواجهه من متاعب وتحديات، بسبب تكالب المديونية ، وعدم استثمار الموارد الطبيعية، وعدم استغلال المراحل الذهبية ذات العوائد المادية، ناهيك عن المشاريع والمخططات السياحية والصناعية التي اقتطعت من جسده ووهبت للآخرين من داخل البلاد وخارجها..
ومع إحساسنا العميق بما تعانيه أيها الوطن العزيز من متاعب وأزمات، فإنه ليؤنبنا ضميرنا، أننا لا نستطيع أن نقدم لك ولو شيئاً يسيراً نظير ما قدّمته لنا من جميل وفضل ونعم وأمن وأمان، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان، وعند الشدائد تظهر معادن الرجال..
ولعل من أهم الأمور التي ينبغي أن نعيها ونحن نعايش هذه التحديات هي احترام العهود والمواثيق والمبادئ والقيم الوطنية، والعمل بجد وإخلاص لإعلاء الشأن الوطني ورفعته والذود عنه وحماية مكتسابته والابتعاد عن أي شكل من أشكال الفساد ومحاربة المفسدين، والمساهمة الفاعلة في جعل الوطن في مصاف الدول المتقدمة علماً وعملاً وحضارة..
وللمساهمة في فك كربة الوطن خلال فترته العصيبة فإنني أدعو من هذا المنبر هذا إلى تخصيص حساب وطني لسداد الدين العام الذي هو عبئاً ثقيلاً علينا وعلى الأجيال القادمة، وإنني لعلى ثقة تامة بأن الشرفاء المخلصين من أبناء عمان الأوفياء لن يألوا جهداً في دعم هذا الحساب الوطني، ولربما يشجع البعض على الإقدام على تبرأة ذممهم مما اقترفوه من استغلال للمال العام بقصد أو بدون قصد، وسيسهم هذا التوجه في غرس قيم البذل والعطاء في نفوس أبناء الوطن بدون إلزام أو إكراه، ولو طبقت هذه الفكرة لما كان هناك حاجة لاستقطاع نسبة من رواتب العاملين في القطاع العام الذين لديهم ما هو فوق طاقتهم من متاعب وأزمات غاية في الصعوبة ..
وحريٌ بأولئك الذين مهَّد لهم الوطن الطريق وأغدق عليهم الأموال والهبات حتى أصبحوا هم اليوم أغنى من الوطن نفسه بما يملكوه من أموالٍ وأراضٍ وعقارات .. حريٌ بهم أن يسندوا الوطن في عسرته، كما سندهم ومكَّن لهم في زمن الرخاء..
وبسداد الدين العام يكون الوطن حراً أبياً شامخاً.. لا يستعبده أحد، ولا يتحكم فيه صندوق النقد الدولي الذي أصبح يملي شروطه ويتدخل في سياسات الدول المدانة، ويجبرها على اتباع أوامره ونواهيه..
إن في مساندة الوطن على تجاوز محنته والوفاء بمديونيته ردٌ للجميل، وصونٌ لهذا الرمز العظيم من الذل والمهانة، وفي ذلك أمانٌ للأجيال القادمة بأن تعيش في رغد من العيش ، وهذا واجب علينا جميعاً، وهو ليس بعظيم على أهل عمان الأعزة المخلصين الذين سجلوا مواقف مشرفة ومشهودة في مختلف الابتلاءات والأزمات والكوارث الطبيعية التي شهدتها البلاد، ضارعين إلى الله أن يوفق أبناء عمان حكومة وشعباً في جعل عماننا خالية من الديون ، وأن يشمل كذلك فك كربات المواطنين الذين يرزحون تحت آلام هذه المعاناة، ويومها يحق لنا أن نفخر ونفاخر بهذا الإنجاز العظيم ..
وختاماً أغتنم هذه المناسبة الوطنية الخالدة لأرفع أطيب التهاني والتبريكات لسلطاننا المفدى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد وإلى الشعب العماني العزيز، داعياً المولى عز وجل أن ينعم على عمان وأهلها بالخير واليمن والبركات.
ناصر بن مسهر العلوي – ولاية بهلا
الأربعاء ٣ ربيع الثاني ١٤٤٢
الموافق ١٨ نوفمبر المجيد ٢٠٢٠م