لكي تضمن الدول الديمقراطية وجوب توافق التشريع مع الدستور، ولكي تبعد القوانين الجائرة والمخالفة للدستور ولمبادئ حقوق الإنسان، أقام الكثير من هذه الدول محكمة دستورية بتسميات مختلفة تضطلع بوظيفة حماية الحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور.
إلا أن دور هذه المحكمة وتشكيلها وإختصاصاتها متباين جداً، لكنه متطور، وأبرز ما يلاحظ هذا التطور بعد الأزمات الكبرى التي تثبت دائماً أن لا بديل عن حرية الإنسان من أجل تقدم المجتمعات وتقدم البشرية.
فلقد شهد عقد السبعينات من القرن العشرين، تنامي الرقابة الدستورية على القوانين في مختلف البلدان الأوروبية سواء بإدخال إصلاحات معدلة للأنظمة التي كانت سائدة كما في “ألمانيا والنمسا وفرنسا”، أو بإجتهادات قضائية جديدة مثل “إسبانيا واليونان والبرتغال وبلجيكا”، وبصورة عامة، فإن الموجة الثالثة من الإبداعات الواردة بعد ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية قد تطابقت مع تجديد أنواع من القضاء سبق أن كانت قائمة، حتى بعضها كان قد أوضح عن نيته بإقامة رقابة دستورية كما حصل في بريطانيا مثلاً، حيث صدرت تصريحات عن لزوم وضع دستور دائم وإلغاء غرفة اللوردات.
ومن التطورات الكثيرة التي شوهدت حديثاً في الرقابة على دستورية القوانين، ما شهدته النمسا حيث أدخلت تعديلات هامة عام 1981، وذلك بفتح باب الطعن الدستوري المباشر ضد القوانين الفيدرالية أمام الغير من النواب، وبذلك أتيح فعلاً للمعارضة أن تراقب عن طريق المحكمة الدستورية، قانوناً ما، قد تصدره الأكثرية.
وفي مصر على سبيل المثال، تحتل المحكمة الدستورية العليا مكاناً مرموقاً في بنيان النظام القضائي، حيث عهد إليها الدستور بمهمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين، وجعل هذه الرقابة مركزة فيها وهي وحدها تفصل في التعارض المدعى به بين النصوص التشريعية وأحكام الدستور، مع الإشارة إلى أن الدعوى الدستورية لا تقام إلا أمامها وفقاً لقانونها وبالشروط المنصوص عليها فيه.
وفي سوريا، نص الدستور السوري على تشكيل محكمة دستورية ولكن مهمتها محصورة بإبداء الرأي بالقوانين قبل إصدارها وبالمراسيم التشريعية ضمن الحدود المعينة في قانونها، وليس للأفراد استعداء هذه المحكمة للنظر في دستورية القوانين بأي شكلٍ كان.
ومع ذلك سلك القضاء العادي والإداري في سوريا مسلكاً إجتهادياً في استبعاد تطبيق بعض النصوص القانونية بحجة مخالفتها للدستور، لكن هذه الأحكام قليلة جداً، سنشير إليها في مقالات لاحقة خلال بحث اختصاص القضائين العادي والإداري في حماية حقوق الإنسان.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان