من المسلم به في دولة القانون الحديثة التي تقوم على مبدأ سيادة القانون وأولوية الحق، أن تكون تصرفات السلطة التنفيذية على العموم التي تمس بصفة مباشرة ذاتية الفرد أو ممتلكاته أو حقوقه، خاضعة للرقابة القضائية التي يمكن ممارستها على السلطة التنفيذية بطريقة مرضية بواسطة القضاء الإداري أو المحاكم العادية.
وإن لم توجد محاكم متخصصة، لابد من إخضاع قرارات المحاكم والأجهزة الإدارية (المعينة لهذا الغرض)، إلى رقابة قضائية تكون أحكامها نهائية. ويجب أن تتاح للمواطن الذي وقع عليه ضرر بسبب تصرف غير قانوني من جانب السلطة التنفيذية طريقة مناسبة من طرق الطعن، إما بشكل دعوى مباشرة على الإدارة أو على صاحب التصرف أو على الإثنين معاً، على أن تضمن له هذه الطرق في جميع الأحوال تنفيذ الحكم.
ومن الواجب لتعزيز مبدأ أولوية الحق إلزام السلطة التنفيذية بوضع أسباب قراراتها ذات الطابع القضائي أو الإداري التي تمس حقوقاً للأفراد، وأن تبلغ أسباب القرار إلى الطرف المعني إذا طلب ذلك، فحماية الحقوق الأساسية من تعسف السلطة التنفيذية هي ركن جوهري من أركان مبدأ أولوية الحق، وهي تستند خصوصاً إلى الرقابة التي تمارسها المحاكم على الإدارة.
ويجب أن تكون هذه الرقابة من قبل المحاكم فعالة وسريعة وقليلة التكاليف، وهي تتطلب استقلال القضاء والمحاماة إستقلالاً كلياً، وتتوخى إلتزام السلطة التنفيذية حدود سلطاتها القانونية، وأن يتاح لكل فرد حق الطعن أمام المحاكم ضد أي إجراء إداري تعسفي تسلكه الإدارة وتخالف فيه مبدأ المشروعية.
ولضمان هذا لابد أن يكون استقلال القاضي واجباً لقيام مجتمع حر يعيش في ظل نظام الشرعية، ويعني هذا الإستقلال أن القاضي يجب أن يكون أدائه لمهمته غير معرض لأي تدخل من جانب السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية، ومع ذلك فلا يصح أن يتصرف القاضي تصرفاً تحكمياً إذ أن واجبه تفسير القانون ومبادئه العامة، وأن يكون هناك نوع من التعاون بين السلطات الثلاث في تعيين القضاة وأن تكون لهم حصانتهم من النقل والعزل إلا ضمن أسس محددة وواضحة.
أخيراً، لابد في ممارسة السلطة القضائية لدورها في حماية حقوق الفرد من التأكيد على إستقلالها، وبالتالي تتنوع الأنظمة القضائية لدى بعض الدول وذلك تبعاً لما يقضي به دستورها ومن الإستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا الخصوص، وأن تسعى الدول الديمقراطية المتقدمة إلى تعزيز دور القضاة لا سيما وأن التعددية السياسية بمعناها الدقيق تتطلب لمصلحة الجميع أن يكون هنالك قضاء متمرس ومستقر.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان