إن استهداف مقرات أحزاب وقوى سياسية في العراق وفي هذا التوقيت تحديداً ينذر بوجود “مخطط خطير” لزعزعة استقرار البلد وتهديد أمنه، خاصة استهداف مقر حزب، رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، ما يعني انتقال المواجهة إلى مرحلة قد تتسم بالدموية في المرحلة اللاحقة.
هذا المخطط بدا أنه سيأخذ منعطفات خطرة، في ضوء استهداف مقر حزب “تقدم” الذي يتزعمه رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي المنتخب مؤخراً لولاية ثانية على رأس البرلمان العراقي، والذي وقفت تيارات وأحزاب سياسية رافضة لفكرة تجديد ولايته لمرة ثانية الأمر الذي يشي بأنهم ضالعين في هذا الأمر، على الرغم من أنه قد يكون هناك من استغل هذه الذريعة لمجرد مد أصابع الاتهام لديهم، لكن حتى تتكشف الأمور كل الجهات تحت عين المجهر، لأن ما حدث في الجلسة الأولى للحكومة الجديدة أمر مرفوض ومعيب بكل المقاييس، فقد تم تنفيذ الهجوم من خلال مهاجمين، بعبوات ناسفة، فأين دعوات سحب السلاح المنفلت من أيدي الكثير من العراقيين، وإلى متى سيبقى الوضع الأمني يقض مضاجع العراقيين. أما آن الأوان لأن يتم الضرب بيد من حديد!
وقبيل ذلك استهدف هجوم صاروخي، المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية بغداد، حيث تم إطلاق 3 صواريخ من منطقة كرارة التابعة لمدينة الدورة جنوب بغداد، باتجاه المنطقة الخضراء، حيث تقع السفارة الأميركية في بغداد، وهذا ما كان له تبعات سياسية دولية ومحلية على الهجوم الصاروخي الأخير على السفارة الأميركية في بغداد، حيث أفاد البنتاغون في تصريحات بأنه بعث برسائل لإيران بشأن الهجوم على البعثة الدبلوماسية الأميركية، وأكد البنتاغون جاهزيته للرد على الفصائل المسلحة في العراق، فدائماً ما يُشار بالبنان في أي هجوم نحو إيران، وهذا أيضاً لا يجب تبنّيه إن لم يكن هناك دلائل تؤكد ضلوع الفصائل الموالية لها، لأنه وباعتقادي، هناك من يحاول صب الزيت على النار من خلال اقتناص الفرص وتوتير الأوضاع المتوترة أصلاً، نعم رفضت التيارات والاحزاب السياسية الموالية لإيران انتخاب الحلبوسي، لكن هذا لا يعني أنه على ضوء الرفض أن تنفيذ هجمات إرهابية وأن تورط نفسها بنفسها، هناك من يعبث بأمن العراق أياً كات يجب ان تُقطع يده من العراق.
هذه العمليات لا شك بأنها عمليات إرهابية، تهدف إلى عرقلة الاستحقاقات الوطنية والدستورية، إلى جانب زعزعة أمن واستقرار العراق، لأن ما يحدث هو محاولة لخلط الأوراق خاصة وأن الأخير لا يزال يعيش تداعيات الانتخابات المبكرة في العاشر من أكتوبر/ كانون الأول الماضي (2021)، وشهد فصولاً من العنف إثر إعلان نتائجها، فهل ذلك لتحريف الأنظار عن وجود القوات الأمريكية في البلاد، وسط مطالبات بالانسحاب؟ إذ يشهد العراق منذ فترة تصعيداً لافتاً ضد الوجود الأميركي في البلاد بزيادة الهجمات على السفارة الأميركية، مما دفع واشنطن للتهديد بإغلاقها لمدة 90 يوماً، كرد فعل على الاستهداف المتكرر لها، فعلى الرغم من تغيير كامل القطاعات الميدانية وضباطها الميدانيي، لكن هذا لم يوقف تلك الاستهدافات، فالهدف الرئيس من ذلك، خلق نوع من الفوضى لإشغال الشارع وصرفه عن القضايا الجوهرية التي تمس أمنه وقوته ومطالباته بخروج القوى الأجنبية من أراضيه، فلن يعرف العراق سلاماً إلا بانسحاب كافة القوى الأجنبية، اتفق معها أم وقف ضدها الشعب، الجميع يعلم أن الأرض العراقية مستباحة وهي مسرح عمليات لقوى خارجية لا ذنب للعراق أو شعبه بكل ما يحدث.
بالتالي، يبدو المشهد السياسي في العراق مفتوحاً على كل الاحتمالات في ضوء هذه التصعيدات الخطيرة، فأكثر ما يخيف اليوم هو حالة الفلتان الأمني وتحول الأوضاع إلى ما يشبه الحرب الأهلية لن يكون ضحيتها ألا الشعب العراقي الذي لا حول له ولا قوة، بل هو يقع في وسط عواصف سياسية هوجاء، يدفعه ثمنها من حياته وقوته وأمنه، فإن لم يتم إيجاد مخارج حقيقية، فإن هذا البلد أمام مشهد أقل ما يمكن وصفه بأنه كارثي، فإلى متى هذا الإهمال السياسي، والمتاجرة بقضايا العراق الأساسية، يجب إيجاد حلول سريعة تنهي هذا الوضع، وأكرر لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بخروج القوى الأجنبية من ساحات العراق، من هنا، على العقلاء أن يجدوا حلاً وسطاً يوازن بين زعماء المشهد السياسي العراقي، والتوجه قلباً وقالباً للوطن الواحد لا الولاءات والتخندق لصالح دول أخرى أو جهات أخرى.
وتمثل كل من الولايات المتحدة وإيران، أكبر قوتين مؤثرتين في صنع السياسة العراقية، ومع كل استحقاق سياسي يجري الحديث دوماً، عن معسكرين في العراق، أحدهما مدعوم من قبل طهران، والآخر من قبل واشنطن، لكن ما يحدث مؤخراً، أثار مخاوف من أن يتحول الأمر من منافسة سياسية على الساحة العراقية، إلى مواجهة عسكرية إيرانية – أمريكية، تتخذ الأراضي العراقية مسرحاً لها، حيث ويحظى الأمريكيون بنفوذ في العراق، بعضه سياسي وبعضه عسكري، فما حدث في انتخابات العراق، بدا جلياً أن إيران تدخلت من أجل وحدة الكتل والأحزاب الشيعية، لكن لم تصب هذه المرة وحدث ما حدث، فالتهنئة الإيرانية للحلبوسي تعني ربما رسالة إيرانية إيجابية للخطوات السياسية الدستورية القادمة (اختيار رئيس الجمهورية واختيار رئيس الوزراء)، فلطهران الآن مصلحة بالوقوف جانباً والابتعاد عن هذا الحدث تحديداً، بسبب الاتفاق النووي بينها وبين الغرب وهو أهم مما يحدث بالعراق بالنسبة لها حالياً، فلن تناقش في الوقت الحالي مسألة نفوذها في العراق إلا بعد إنقضاء الأمر، ويمكن أن يكون عدم التدخل في حدث ما و في وقت ما، عاملاً مساعداً لتوسع النفوذ وليس انحساره، والعكس صحيح.
وبطبيعة الحال إن نفوذ إيران معروف في العراق فهو يتعلق بالمكون الشيعي والمؤسسات السياسية في العراق هي رافد واحد من روافد النفوذ الإيراني في العراق، علاقات إيران مع المكوّنات الأخرى، والحدود المشتركة مع إيران، والعلاقات الدينية والاجتماعية، والعلاقات الرسمية بين العراق وإيران في مجال الاقتصاد والجيش والحشد الشعبي والفصائل الأخرى، جميعها روافد تؤسس لإيران نفوذاً في العراق، بالتالي، من الصعب إقصائها من المشهد العراقي، لكن ربما التخفيف من النفوذ أو التواجد، قد يفتح مجالاً أمام الكتل السياسية العراقية أن تنهض لتبني بلدها بعيداً عن هذا النفوذ، سواء إيران أو الولايات المتحدة، فخروج إيران من المشهد دون الولايات المتحدة، لن يفيد العراق في شيء، وهذا أمر معروف، لكن المهم اليوم من كل مجريات الأحداث ألا ينزلق العراق وتحدث حرب أهلية كما ذكرنا آنفاً.
من هنا، إن النفجيرات التي يحاول البعض تمرير رسائل من خلالها واتهام إيران، في ظل إنشغالها بلمف مصيري، لن تعبث به حتماً، لكن البعض فعلاً يعمل على خلط الأوراق، ربما هدم الاتفاق أساساً من إشعال العراق، ربما يكون الهدف أيضاً الطلب من إيران أن تقدم أكثر، وألا تقف حيادية في هذا التوقيت، هي تخمينات كثيرة، لكن الجميع يملك من المصلحة الكثير والواقع يقول إن جميعها لا يخدم العراق في شيء إلا زيادة الأوضاع سوءاً، وهذا أمر أصبح حله ضرورة ملحة لا يحتمل تأجيلاً ولا تدويلاً، الأمور على صفيح ساخن، ومسألة الانزلاق قد تحدث، فليفكر الجميع ولو لمرة بمصلحة العراق وتغليبها على التخندق المذهبي أو السياسي أو أياً يكن.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.