إن تاريخ الأمة الإسلامية زاخر بالعلماء الأجلّاء أعلوا ورفعوا الدين الإسلامي، هم الصف الأول في الدفاع عن الإسلام، سخروا وقتهم وعلمهم لشرح ما تلفحه من غموض إن وجد، وفتحوا أبواب التغيير في الفكر والأخلاق، عن العلامة د. عبد الكريم زيدان طيّب الله ثراه أتحدث.
العلامة زيدان رحمه الله عالم عراقي جليل، مجاهد ومجتهد نذر نفسه للعلم ليهدي به الأجيال التواقة لنيله، ونستطيع القول إنه متمم رسالة الأنبياء في التبليغ، من خلال نقل الأمانة بكل صدق وصبر، لقد كان مترفعاً عن مكاسب الدنيا ومتاعها الزائل، وهو أحد أهم أعلام الأمة الإسلامية، قضى عمره في العمل الإسلامي والدعوة إلى الله تبارك وتعالى، حيث عرف بجهوده الفقهية وإسهاماته العلمية الكبيرة ومجابهته ورده على أعداء الإسلام.
العلامة زيدان من مواليد العراق وإسمه عبد الكريم زياد بهيج العاني تولد بغداد العام 1917، وتوفي في صنعاء باليمن في العام 2014، عن عمر يناهز 97 عاماً قضاها بكل الصلاح والتقوى، وكان وزيراً في حكومة 1968، ومراقباً عاماً سابقاً لجماعة الإخوان المسلمين في العراق، صل العديد من المناصب في الجامعات بالعراق واليمن، منها عمادة كليات ورئاسة أقسام وعضوية هيئات تدريس. ويعد من رواد العلماء الكبار في العصر الحديث.
وكل من يعرفه وتتلمذ على يده يعلم أهمية الموضوعات التي كتب فيها؛ كمقارنة الأحكام الشرعية بالأحكام الوضعية في كتابه “نظرات في الشريعة الإسلامية مقارنة بالأحكام الوضعيَّة”، وكتابه المُهمِّ: “السنن الإلهية في الأمم والأفراد والجماعات”، وكتبه نستطيع القول إنها من النوادر في كل العالم الإسلامي تمت ترجمتها إلى عدد من اللغات، فلقد أخرج الكثير من مواضيع الفقه مستفيداً من سعة إطلاعه على الأحكام الوضعية، حيث أظهر من خلال ذلك بالحجة والبرهان عظمة التشريع الإسلامي أي جمع بين القانون والشريعة وهذه ميزة رائعة لديه وفي كل المجالات، فهو أحد مؤسسي كلية الحقوق في جامعة بغداد، فنحن في حضرة رجل موسوعي رغم كبر سنه لكنه كان حاضر وسريع البديهة ويفند لك الآراء في المذاهب الإسلامية الأربعة وهذا دليل على العبقرية.
كان رحمه الله، وأحسن مثواه، أصولياً وفقهياً وقانونياً وسياسياً وعقدياً وداعية، جمع بين محكمات الشرع ومقتضيات العصر ولأجل ذلك كان فقهه خالداً إلى يومنا هذا، فلقد تميزت مؤلفاته بالعمق العلمي والتأصيل الشرعي والمنهجية مراعياً كل الأحكام مع واقع الحياة المعاش، لكن أهم ما تركه العالم الجليل هو أن أنشأ جيلاً من العلماء الذين سخروا الشرع وفق مقتضيات العصر كنهج العلامة الراحل أي من خلال الجمع بين فقه النص وفقه الواقع لتبليغ الرسالة وتأدية الأمانة، وهذا واجب كل مسلم الذي يرى في الدين المحمدي ميراثه نحو العلو والرفعة من خلال إعلائه ورفعه في كل المحافل، وتجدر الإشارة إلى أنه وإلى الآن كتب العلامة زيدان تدرس في جامعات الكويت والسعودية وتعتبر من أهم المقررات في كليات القانون والشريعة، مع ملاحظة مهمة، أن أصول الفقه كان هو من أفضل من شرحها بعد الإمام الشافعي، من خلال طريقته الجميلة في تعليم علم الأصول، فالإنسان وخاصة في عصرنا الحالي لا يزال بحاجة إلى فقهاء شرعيين وقانونيين. فطلاب العلم اليوم هناك الكثير من رسالات الماجستير والدكتوراه تُعمل بناءً على أسلوبه وتعاليمه ونهجه.
كان وقته مقسم بين تلاوة القرآن وقراءة ما كتبه تلامذته ومناقشتهم في منزله أو التأليف أو استقبال العلماء والتلاميذ او التدريس، فهو من المؤلفين المتميزين في الجمع بين تخصص الشريعة والقانون، وتميزت مصنفاته بالإبتكار والإبداع والسلاسة والوضوح وعمق الفهم المقاصدي للشريعة والإلتزام بالموضوعية والرأي المعتدل، لن أبالغ إن قلت عنه إنه “فقيه الواقع”، وهو القوي وصاحب الحجة من خلال ربط أصول الفقه بالقانون والشريعة الإسلامية، فإن تكلم عن القانون لا يستغني عن الشريعة، وإن تكلم بالشريعة لا يستغني عن الإستدلالات القانونية وهذه عبقرية قل نظيرها لا تجد مثلها إلا عند الفقيه القانوني الدكتور عبد الرزاق السنهوري رحمه الله
كتب العلامة زيدان وبأمانة لا بديل عنها لغاية الآن، لم تخسره العراق فقط، بل خسرته كل الأمة العربية والإسلامية.
أخيراً، لقدت فقدت الأمة الإسلامية أحد أهم الأعلام في علوم الدين الإسلامي بكل تلافيفه، رحمه الله ورحم كل علماء الأمة، وأتمنى من تلامذة العلامة الدكتور زيدان خاصة في العراق واليمن والخليج، الذين يملكون بعضاً من إرثه من تسجيل لمحاضراته وكتاباته وإستشاراته سواء (صوت وصورة أو صوت)، فليطرحوها لطلاب العلم ويجعلونها كتاب له، ونجد من تلامذته من يحقق كتبه ويجعلها مقصد لكل راغب في النهل من هذا العلم الكبير والرائد الذي قل نظيره بلا منازع في مشارق الأرض ومغاربها وعلى العهد باقين.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان