المعلم الحقيقي، هو من يكرّس وقته لنشر العلم والفائدة، وترقية الأمة، لدرجة إن فعلها بضمير وتُقى ومحبة، تصل إلى قلوب وعقول الحاضرين والسامعين، قد تكون صعبة للغاية على الرغم من أنها نعمة جليلة، فالمعلم هو الجندي المجهول الذي يعيش خدمةً للبشرية وصناعة جيل على قدرٍ من المسؤولية.
العلم من القيَم التي يحثنا عليها الدين الإسلامي، والعلم هو أغلى المكاسب وأعلى المطالب، وهو الذي يُنتفع به في الدنيا، وكفى أهله شرفاً أن يرفع قدرهم عن الله تبارك وتعالى، كما في قوله: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير)، والعلماء هم خير ميراث بقي لنا، وآثارهم في القلوب والسطور موجودة، فتعليم العلم لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، فعندما سُئل الإمام يحيى بن معين وهو على فراش الموت، ماذا تشتهي؟ قال: بيتٌ خالي وسند عالي، والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم دعا إلى العلم وهو النبيّ الأمّيّ وفي هذا الأمر حكمة بالغة، إذ في أميته ردّ الحجة على الملحدين في زعمهم أن كتاب الله العزيز من كتب الأقدمين، قال تبارك وتعالى: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون).
من هذه المقدمة التي هي مناسبة كي أشكر معلّمي وأستاذي، الدكتور بلال عبود مهدي السامرائي، الذي يخصص وقتاً كبيراً في تعليم كل طالب علم يرغب بالتحصيل العلمي، خاصة في المواضيع الإسلامية لكن بطريقةٍ أكاديمية نادرة جداً تثبت كفاءة واحتراف عاليين، لا بل قلّ نظيرهما، ومن حضوري لدروس الدكتور السامرائي، لا أخفي إعجابي في طريقة التدريس المتبعة في أكاديمية السامرائي لعلوم العربية في العراق، فأن يشرح أستاذ “موطأ الإمام مالك” إمام دار الهجرة مالك بن أنس، بأسانيده من الناحية الإعرابية، هذا أمر أكثر من رائع، فأن تعيش أجواء كهذه تحوي أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من خلال هذا السفر العظيم، بشرح الدكتور السامرائي أمر جميل جداً أيضاً، ومن خلال حضوري للدرس الأول واستماعي للمحاضرة عبر البث المباشر، ثم حضوري للمرة الثانية وتدويني للدرس، خاصة وأن التدوين من اهتماماتي التي أحب، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمحاضرات الأكاديمية.
ما دفعني للكتابة عن شخصية الدكتور بلال السامرائي، أن في ذهنه أشياء كثيرة إنطلاقاً مما يملك من شغفٍ وحب للعلم والتعلم والتعليم، وتجد ذلك في طريقة تدريسه وحرصه على الطلبة والتلاميذ، ويقف عند كلمة واحدة مهما كانت صغيرة، يوضحها ويشرحها، مسترسلاً حتى تدخل إلى عقول وأفئدة جميع الحاضرين، وهذا اليوم يُعتبَر أمراً نادراً أن نجد من يستهويه التدريس بصدرٍ رحب، ويملك من الشغف الكثير لمنح الطلبة كل العلم وإيصال المعلومات بمحبة خالصة.
قبل الحديث عن الأكاديمية، ومع ظهور ما كان يُعرف باسم (الستالايت)، أذكر أنني كنت من المداومين على حضور برنامج الدكتور فاضل السامرائي على قناة الشارقة الإماراتية، وكان مذاك علماً من أعلام اللغة العربية في العالمين العربي والإسلامي ككل، ولا أبالغ إن قلت، إن إمام اللغة العربية في القرنين العشرين والواحد والعشرين بلا منازع هو الدكتور فاضل السامرائي، خبير اللغة العربية وإمامها، من هنا عرفنا عائلة سُرّ من رأى، ولي معرفة بالكثير من العلماء من سامرّاء المدينة الجميلة التي تأسست على يد العباسيين ومنارة الدولة الإسلامية العباسية، كانت ولا زالت وستبقى منارة العلم والعلماء، فمن المعروف أن أهل المدينة من محبي العلم والحديث النبوي وما خدمتهم للغة العربية إلا خير دليل على ذلك، وكانوا حقاً منارة مشعة لكل الجامعات الإسلامية والعربية إن كان جامعات قطر أو الشارقة والمملكة العربية السعودية وغيرهم، وإلى الآن هم موجودون في العراق.
ومع التقدير لكل علماء العالم، لكن سُرّ من رأى تمتاز بعلماء اللغة العربية والحديث النبوي الشريف، وأنا أفخر أن من بين أساتذتي الدكتور بلال عبود السامرائي، والدكتور حذيفة عبود السامرائي، والدكتور أحمد السامرائي، وأيضاً شيخي في علم الحديث وأستاذي الكبير، المحدث السيد أنس صلاح السامرائي، والكثير من الفضلاء والعلماء الذين لا يتسع المقال لذكرهم، لكن ارتأيت أن استثمر درس موطأ الإمام ن مالك، إمام دار الهجرة، للحديث عن أساتذتي وشكرهم وتقديرهم، وتقدير كل القائمين لإفادة كل الطلبة والتلاميذ من كادر إداري وتعليمي في الأكاديمية، فقد درست في هذه الأكاديمية، متن الآجرومية بشرح الدكتور بلال السامرائي بالسند المتصل، وأيضاً الدكتور أحمد السامرائي بالسند المتصل.
فعسى الله أن يبارك لهم في هذه الأكاديمية التي هي منارة مشعة في سماء الأمة الإسلامية، وهذه خطوة نتمنى أن نراها تزدهر في العالمين العربي والإسلامي، خدمةً للغة القرآن الكريم، فهذا النوع من الأكاديميات لا بد من أن نجده بشكل واسع جداً ويحظى من اهتمام الحكومات وجميع المتخصصين لتعم الفائدة العامة على الجميع، وشخصياً أتمنى أن أرى المدرسة الشامية إلى جانب العراقية، خاصة وأن علماء الشام لديهم مدرسة الإمام النووي، وأكاديمية أبو حنيفة النعمان، حيث نجد أن علماء الشام مجتهدين في قضية المدارس ومجالس العلم، وكذلك المدارس المصرية والأزهر الشريف ومن فيها، من أمثال الدكتور أحمد معبد عبد الكريم، المحدث الكبير، والمحدث الكبير عبد العزيز الشهاوي، وكذلك الدكتور فتحي الحجازي، أستاذ اللغة العربية.
بالتالي، المدارس موجودة لكن الأمنية المرجوة هو استمراريتها، مع الإشارة إلى أن اختياري الحديث عن الدكتور بلال، لأن الأخوة والصداقة مع آل السامرائي متجذرة، حيث تربطني علاقة صداقة مع عمه الداعية الكبير الموجود في اليابان، صالح السامرائي، العالم الفاضل عسى أن يطيل الله بعمره، وهو الملم بدرجة كبيرة بالثقافة اليابانية عن قرب وعن كثب، حيث خدم الإسلام في اليابان خدمة كبيرة، وشاءت الأقدار أن أتعرف عليه عام 2000، وللأمانة، مذ تعرفت على الدكتور بلال، لا أخفي إعجابي بكل كتاباته ومؤلفاته وأيضاً رسالة البكالوريوس، وبكل فخر أنا نهلت من علم أستاذي ولي الشرف أن أستمر في نهل كل العلوم والمعارف عن طريقه وطريق كل أستاذ اختار طريق العلم كرسالة مشرفة لن يجدها أحد إلا عند أمثال الدكتور بلال السامرائي ومن مثله.
وتجدر الإشارة إلى أن الدكتور بلال السامرائي (1968) أستاذ جامعي في جامعة سامراء، حاصل على بكالوريوس وماجستير ودكتوراه في اللغة العربية ، وله عدد من المؤلفات: (كتاب الألفاظ التي وردت مرة واحدة في القرآن الكريم / معجم ودراسة بلاغية بيانية، وكتاب إعراب خمسين حديثاً من صحيح البخاري / قراءة في معاني النحو فيها، وكتاب أثر علم البلاغة في استنباط الحكم الشرعي) إلى جانب الكثير من البحوث المنشورة، وصاحب المشروع النهوضي الرسالي، مشروع تأسيس أكاديمية افتراضية (أكاديمية السامرائي لعلوم العربية) والتي تُعنى بتدريس علوم العربية كافة، وفق منهج العلماء الأقدمين مع الموائمة والتواشج مع الأساليب الحديثة المعاصرة في التدريس والتعليم عن بُعد، فبارك الله تعالى في الدكتور بلال وكل الأساتذة الرساليين الذين سخروا علمهم لخدمة الإسلام والمسلمين مسخرين كل الأدوات المفيدة لنشر العلم والمعارف في هذه الحياة.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.