يشهد الشرق الأوسط مؤخراً، تطورات ميدانية وسياسية كثيرة، في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وبالطبع ليبيا، والتحالفات الكبيرة والصغيرة منها متغيرة، والسياسة كما نقول دائماً، فن المتغير، فحليف اليوم قد يكون عدو الأمس، والأخير قد يكون صديق اليوم.
الملفات الفاترة عادة لتسخن، وحراك دبلوماسي سياسي وعسكري غير مسبوق، ولعل أشده قوة في اليمن، وكنت قد ذكرت أن الحرب هذه لا طائل منها، خاصة مع الحديث عن استشهاد عشرات الأطفال في الغارات، والذين لا حول لهم ولا قوة ولا ذنب لهم في تبعات مشاكل الكبار، اللافت أن المتزعم للملف اليمني هو الولايات المتحدة الأمريكية، ولتعود قليلاً بالذاكرة، فقد ألغت تصنيف الحوثيين عن قوائم الإرهاب بعد أن تصنيفه السابق، بالتالي، وبحيادية مطلقة، هذا أمر كان يهدف إلى سحب هذا الطرف نحو الحوار للتهدئة وإيجاد حل ومخرج، لكن لم يتحقق ذلك، ما يُلغي أو يشكك بفرضية السبب الرئيسي لهذه الحركة، لكن اليوم المبعوث الأمريكي ماذا فعل في الأزمة اليمنية؟ لا شيء، بل التصعيد مستمر ووحده الإنسان اليمني يدفع الثمن، وعلى قادتنا في دول مجلس التعاون الخليجي، إعادة وضع هيكلية وأرضية ثابتة تتوقف معها هذه الحرب خاصة وأن تبعاتها تضر بالجميع، وأثق جيداً بحصول هذا وسيتحقق ذلك عندما يتم التباحث خليجياً وداخل البيت الواحد بعيداً عن الأمريكي، وإخراج كل الأطراف من المعادلة بما فيها الإقليمية.
وبالطبع بقناعتي، أن الحل سيكون خليجي – يمني مهما حاولت الأطراف الدولية والإقليمية التدخل لإيجاد مخرج وحل للأزمة، وهذا لن يتحقق إلا برعاية دول الخليج لمبادرة تُنهي هذه الأزمة لتستعيد المنطقة عافيتها، ويبدأ معها إعادة إعمار اليمن وإنهاء هذه الحقبة السوداء.
وبالانتقال إلى الملف الليبي والذي ترعاه الأمم المتحدة وتحديداً، مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفاني ويليامز، وتأجيل الانتخابات الليبية التي كان من المفترض أن تتم في 24 ديسمبر/ كانون الأول (2021)، لكنها تأجلت، ومع هذا التأجيل، إلتغت فرص إيجاد حل وانتخاب رئيس يقود البلاد، يختاره الشعب الليبي بنزاهة وديمقراطية دون تدخل أحد، لكن التأجيل هذا قضى على هذا الحلم، ومع التأجيل لعام جديد، فستبقى ليبيا تنفض غبار ما تعاني منه دون بارقة أمل تلوح في الأفق، فأن تتحكم المنظمات الدولية بالقرار السيادي الليبي، هذا أمر لم يعد مقبولاً، ليبيا تحتاج إلى رئيس حقيقي ينقذ البلاد من تبعات حرب أهلية كادت أن تقضي عليه، بالتالي، وقف الأطماع الخارجية وبخاصة تلك التي كان لها تاريخ استعماري كبير في القارة الأفريقية، فهذه التدخلات من الجانب الغربي مرفوضة ولن يتم السيطرة على القرار الليبي أو مقدراته وثرواته إن تم تحكيم الوطنية والعقل بقيادة البلاد نحو دفة الأمان، في ظل وضع خارطة طريق برعاية أممية لكنها ومع شديد الأسف لم يتم اتخاذ خطوات فاعلة على أرض الواقع لتبقى الأمور على حالها.
بالانتقال إلى لبنان، لا يزال المشهد اللبناني على حاله، الجديد فيه، استثمار ما حدث مؤخراً في دول الإمارات العربية من بعض الأفرقاء السياسيين، واتهام إيران، اعتقاداً منهم أن ذلك قد يقربهم من دول الخليج، مع الإشارة إلى أن تبعات هذا الأمر لا صلة لها بالموقف الخليجي بالنسبة للبنان، فقد توضحت أسباب المقاطعة الأخيرة، على الرغم من أنها صعبة وقاسية على الشعب اللبناني، لكن يجب التفكير مليّاً بالأبعاد السياسية، فلكل دول سياسة خارجية ترسم أبعاد تحالفاتها ضمن الأطر المرسومة لها، صحيحة كانت أم خاطئة، هذا أمر يحدده صانعو القرار في كل بلد، مع إشارةٍ أخرى وهي أنه لا يمكن فصل الملف اللبناني عن ملفات المنطقة ككل، إلا أن لبنان على موعد مع الانتخابات كما أعلن الرئيس اللبناني في مايو/ أيار المقبل (2022)، فقد تكون فرصة لاستقرار هذا البلد، وأما المصالحة مع دول الخليج، من المؤكد أنها أيضاً لن تطول، لكن كما ذكرت آنفاً هذا أمر تحدده كل بلد وسياستها الخارجية تجاه هذا الملف، فنحن هنا نُبدي الرأي، لكن القرار أولاً وأخيراً لأصحاب الشأن، مع الأمنيات الطيبة لأن تنقشع هذه الغمامة ويعود البيت العربي واحد كما كنا نعيش.
ومع المشهد السوري، الذي فيه من التطورات الكثير، ربطاً مع زيارة مبعوث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين إلى الشرق الأوسط، ألكسندر لافرنتييف، إلى الرياض ولقائه سمو الأمير، ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ومن ثم زيارته لدمشق، ملف مترابط وكأنه فيما يُقرأ من عنوانه بأن روسيا ترعى ملف الشرق الأوسط للتقريب بين الدول، خاصة وأن التطبيع بين الرياض ودمشق، يعيقه شرط واحد وهو التواجد الإيراني في سوريا، فإن تحقق هذا الشرط يبدو لا عوائق تعيق هذا التطبيع، لكن مع استمراريته حالياً لا تطبيع مرتقب، فزيارة لافرنتييف يبدو أنها تصب في تقريب وجهات النظر بين الأفرقاء، مع الإشارة إلى أن الرياض احتضنت أكثر من اجتماع لمسؤولين سوريين، ولا أعتقد أن المملكة متعنتة في هذا الأمر، لكن لها حساباتها ولها ظروفها، فكما انتقت على سبيل المثال دولة الإمارات الوقت المناسب للتطبيع مع دمشق، فالمملكة أيضاً لها ظروفها التي من خلالها ستختار الوقت الذي يناسبها للإقدام على هذه الخطوة، ولا أعتقد أنها تحتاج إلى تدخلات خارجية خاصة مع تقارب بعض الدول الخليجية مع سوريا مثل الإمارات وسلطنة عمان، ونسبياً البحرين، بالتالي هذا الأمر حسمه يعود لعامل الوقت أكثر منه للأمور الأخرى.
يُضاف إلى ذلك، أن هناك من الملفات وترتيبها من مهم إلى أهم بالنسبة للمملكة العربية السعودية، مع الحفاظ على الملفات الأخرى على سوية واحدة، لكن طرق المعالجة تحتاج بعض الصبر لكل ما يمكن تأجيله، ولنقل إن الملف السوري يرتبط بالدرجة الأولى مع الحديث لعودتها إلى جامعة الدول العربية، وحضورها للقمة العربية المتقبة في مارس/ آذار المقبل (2022) في الجزائر، وسط ترحيب عربي واسع لعودتها، فباعتقادي هذا الأمر ربما يتم حسمه سلباً أم إيجابياً في ذاك الموعد، ولحينها، ربما يتم حسم الملفات الأخرى مع الإشارة إلى أن كل الملفات العربية مرتبطة بعضها ببعض، ولا يمكن فصلها عن بعضها الآخر، فالتسويات العربية يجب أن نبقى داخل البيت العربي ولا حاجة للآخر، إذ يكفينا كل التدخلات الخارجية التي عصفت بنسيجنا الواحد حتى الآن.
من هنا، إن الإرهاب الذي ضرب الدول العربية والحروب والاقتتال، غيّر من خارطة التحالفات بلا شك، وحدثت تحولات كبيرة في المشهد العربي ككل، واستثمر الغرب هذه الظروف وزاد تفاقم الازمات، واستغلها إن كان احتلالاً أو تدخلاً، لكن الحسم الأول والأخير سيحدث إن تم تذليل الصعاب من داخل البيت العربي، هذه قناعتي الوحيدة، لأن الخارج يعمل وفقاً لمصالحه بعيداً عن المصلحة العربية، ولو كان يعمل وفق أجندة يريد منها إنهاء الأزمات، لما طالت كل هذه السنوات، السعودية لطالما كانت الدولة العربية الأم بالنسبة لكل الدول العربية، وكل ما حدث سابقاً ليس أكثر من سحابة صيف، والإخوة دائماً يتصافون ويفتحون صفحة جديدة لإعادة لم الشمل وصلة الرحم، ولا أحد يستطيع أن يغير تلك الحقيقة.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.