مفاجأة كانت صادمة ليس داخل لبنان فقط، بل وخارجه أيضاً، تجاه الأسباب التي دفعت برئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، سعد الحريري لتعليق مشاركته في الحياة السياسية داخل بلده لبنان في لحظة مفصلية تمر بها البلاد، بينما تُجمع الغالبية أن قرار الحريري جاء بأوامر خارجية سنعمل على توضيحها إن كانت صحيحة.
اللافت هو تزامن القرار مع زيارة وزير الخارجية الكويتي إلى العاصمة اللبنانية بيروت، الأمر الذي دفع العديد من المراقبين للقول إنه حمل شروطاً معينة دفعت بالحريري للعزوف عن الحياة السياسية ليس هو فقط بل وعائلته وكل تيار المستقبل الذي يترأسه، وهذا أمر ربما كان وليد صدفة، لأن شروط الخليج واضحة ومعروفة، وما زيارة وزير الخارجية الكويتي، إلا لبحث آخر ما توصل إليه الساسة في لبنان، مع الإشارة إلى أنه كانت هناك أكثر من واسطة لتقريب وجهات النظر، سواء المبادرة الفرنسية أو المصرية، والتي لم تحقق المرجو منها.
بالتالي، إن قرار رئيس كتلة المستقبل، إنما هو ربما وقف الدعم الذي كانوا يحظون به خاصة من المملكة العربية السعودية في ظل تنامي الأحزاب والكتل السياسية الأخرى المناهضة للمملكة إن جاز التعبير، فمع كل الدعم المقدم لهم سابقاً لم يتحقق من أمره شيء، بل على العكس ازدادت سطوة البعض على حساب الآخرين من وجهة نظر عامة وكما يراها الأفرقاء، ما يعني أن الانسحاب من المشهدين السياسي والانتخابي، هو بمنزلة رسالة ورمي للكرة بوجه الحلفاء المحليين، الذين كانوا يضغطون على سعد الحريري بوصفه الأكثر تمثيلاً بينهم؛ نيابياً وسياسياً وشعبياً، ليقود المواجهة مع المقاومة وحزب الله، سواء سياسياً أو عسكرياً، وهو ما كشف الحريري أنه يرفضه، بتأكيد رفضه للحرب الأهلية.
على المقلب الآخر، آخرون محسوبون على إيران، رأوا أن تعليق سعد الحريري العمل السياسي، إنما هو بهدف إشعال فتنة جديدة في لبنان تحديداً بين “السنة والشيعة”، ويؤكدون أن قرار رئيس كتلة المستقبل هذا إنما جاء بأوامر سعودية، وهذه رواية بحد ذاتها تشرعن الحرب الطائفية وهي مع شديد الأسف فتنوية أكثر منها إبداءً للرأي، من المفروض أن يتم شرح وعرض الأسباب سواء خرجت الاستقالة بدافع شخصي منه أو رغماً عنه، لا إعلان حرب، لأن الحقيقة، الطائفية متغلغلة في لبنان ولم تتوقف لا بوجود الحريري ولا مع استقالته، فجل ما تحتاجه فتيل صغير حتى تشتعل.
بدورها نقلت وسائل إعلام محلية لبنانية، عن مصادر مطلعة، قولها إن وراء تعليق سعد الحريري للعمل السياسي، ثلاثة أسباب رئيسية، السبب الأول، وجود رغبة خليجية بأن يأخذ استراحة خلال المرحلة الحالية ويعيد خلالها ترتيب علاقاته مع الدول الخليجية، السبب الثاني، فهو وضعه المالي المتعثر ورغبته بالتركيز حالياً على هذا الجانب لتحسين أوضاعه المالية، بينما يكمن السبب الثالث، في غياب المال السياسي والقطيعة الخليجية تجاه لبنان والتي لا يبدو أنها ستنتهي قريباً، وفي هذه الأسباب شيء من المنطق، وأقرب إلى العقل من الفرضيات الأخرى.
ومهما تكن الأسباب التي وقفت خلف اتخاذ مثل هذا القرار، من وريث الرئيس الراحل رفيق الحريري، فإن تلك الأسباب له صلة بمسألة التصعيد الخليجي الكبير ضد بيروت مؤخراً، والذي بدأ منذ العام الفائت، ونتج عنه سحب سفير الرياض لدى بيروت، بينما تؤكد أوساط لبنانية، أن العلاقات بين الرياض وبيروت لن تعود لسابق عهدها، قبل كف النفوذ الإيراني في الداخل اللبناني، وبالعودة إلى زيارة وزير الخارجية الكويتي أحمد الناصر الصباح، كشفت معلومات عن أن الورقة التي قال الناصر إنها رسالة كويتية خليجية عربية ودولية كإجراءات وأفكار مقترحة لبناء الثقة مجدداً مع لبنان كلها مستنبطة من قرارات الشرعية الدولية، وقرارات سابقة لجامعة الدول العربية، وسلّمها لرؤساء الجمهورية ميشال عون، والحكومة نجيب ميقاتي، ومجلس النواب نبيه بري، تضمنت 10 مطالب من لبنان من بينها:
التزام لبنان مسار الإصلاح السياسي والاقتصادي والمالي، إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة اللبنانية، اعتماد سياسة النأي بالنفس وإعادة إحيائها بعد تعرضها لشوائب وتجاوزات كثيرة، احترام سيادة الدول العربية والخليجية ووقف التدخل السياسي والإعلامي والعسكري في أي من هذه الدول، احترام قرارات الجامعة العربية والالتزام بالشرعية العربية، منع تهريب المخدرات واعتماد سياسة أمنية واضحة وحاسمة توقف استهداف دول الخليج من خلال عمليات تهريب المخدرات، وعدم تدخل جهات لبنانية بحرب اليمن، اتخاذ لبنان إجراءات حازمة لمنع تنظيم أي لقاءات أو مؤتمرات من شأنها أن تمس بالشأن الداخلي لدول الخليج، كما حصل في الفترة الماضية لجهة تنظيم مؤتمر للمعارضة البحرينية والمعارضة السعودية، وغير ذلك، وإذا صحت المعلومات فلا صلة بتاتاً بين استقالة سعد الحريري وزيارة الوزير الكويتي إلى بيروت.
لكن من المؤكد أن قرار سعد الحريري سيشكل عائقاً كبيراً أمام الانتخابات النيابية المقرر عقدها شهر مايو/ أيار القادم، خصوصاً في ظل تعتيم على الزعيم السني الذي سيخلف الحريري وما إن كان شقيقه بهاء مثلاً والذي من المعروف أنه على حالة عداء مع شقيقه، حتى أن سعد ذاته في خطابه طلب من عائلته ألا ترشح نفسها لأي منصب سياسي، ولكن هذا متوقف على موعد الانتخابات المقبلة، ومن غير الممكن أن تُترك الساحة خالية، خاصة وأن ذلك يندرج في إطار الهزيمة، حتى للداعمين، فإما هناك شخصية ما يتم تحضيرها تغطي غياب الحريرية من لبنان، أو يكون بهاء المرشح الأكثر حظاً لهذا الدور، وهذا مجرد تحليل سيتبين صدقه من عدمه في موعد الانتخابات المقبلة.
أخيراً وليس آخراً، ورغم كل ما أثاره موضوع ابتعاد الحريري عن الحياة السياسية في لبنان من جدل كبير، إلا أن هناك توقعات قوية باحتمال عودته بقوة للعمل السياسي، خصوصاً أنه وفي خطابه لم يعلن الاعتزال نهائياً، إنما أعلن تعليق العمل السياسي، ومن يدري متى يستأنف نشاطه أو ماذا سيكون شكل العودة المرتقبة له أو لشقيقه أو لشخصية أخرى تنتهي معها فترة الحريرية وهذا رغم استحالته لكن في لبنان كل شي ممكن، لبنان كالعراق يجب أن يقرر بنفسه ويستعيد سيادته ليستعيد عافيته، ولبنان محبوب من الجميع، يجب النظر بعين الوطن لا بعين الولاءات والأحزاب والمصالح، حينها من الممكن القول إن لبنان سينهض، وإلى أن يتحقق ذلك، لك الله أيها البلد الجميل.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.