آفاق التواصل اللغوي بين العربية والفارسية
لم تقتصر حرکة التبادل بين ضفتي الخليج على الجانب الاقتصادي والاجتماعي بل تعداه الى اكثر من صعيد عززت كلها مجتمعة أواصر العلاقة بين ايران و جيرانها العرب على الضفة الاخرى حيث امتد التواصل و التبادل ليشمل مختلف مناحي الحياة و في مطلعها اللغة.
وفي اطار تعزيز العلاقات الأخوية والشعبية المتجذرة بين دولة الكويت و الجمهورية الاسلامية الايرانية بادرت رابطة الصداقة الكويتية الايرانية بنشر كتاب( التواصل اللغوي العربي- الفارسي:اللهجة الكويتية نموذجا).
يشير الاستاذ محمد السنعوسي وزير الاعلام الكويتي السابق و رئيس الرابطة في تقديمه للكتاب الى ان كتبا عديدة تناولت اللغات الاوربية واشتقاقاتها وتداخلها وتشابهها نظرا للجغرافية السكانية لكن الفارق بينها وبين كتاب الدكتور سمير ارشدي انه بذل جهدا في تقريب لغة و لهجة مختلفتين كليا رغم اننا نعرف ان كلمات فارسية وردت في القرآن الكريم،ما يعني ان التداخل ليس مقتصرا على حقبة معينة بل يمتد الى تاريخ طويل.
ويشير الوزير والاعلامي الكويتي الى ان الغاية من الكتاب هي تأصيل الترابط بين الشعب الإيراني والشعب العربي بمختلف محطاته الحضارية والثقافية و التجارية والمعيشية والممتدة عبر القرون و تكريس اسقاطاتها ضمن المستجدات التي تفرضها الأوضاع العالمية.
و يؤكد مؤلف الكتاب استاذ اللغة الفارسية بجامعة الكويت سمير ارشدي على ان التبادل اللغوي يعتبر عامل نهوض ولا يضير لغة تأثرها بجارتها ولم يحط ذلك من قدرها وكان فضل العربية على الفارسية هو فضل إتمام النقص وسد الحاجة بالمفردات التي فرضها المعتقد الجديد وتطلب التشبع بالأدب العربي و اقتباس الالفاظ التشريعية والقانونية والبلاغية و الصرفية.
و أخذ العرب من الفرس كلمات وموضوعات مهمة ترسخت في المعاجم والكتب العلمية على مر العصور ولم تزحمهم كثرتها و لم يعقهم نطقها فللفارسية الفضل في رأب الحاجة الحضارية وسد النقص اللغوي الذي تطلبه العصر الجديد بعد الفتح الاسلامي و لا تزال المفردات الفارسية المعربة والدخيلة متداولة في اللغة العربية الفصحى او اللهجات العامية.
ويضيف المؤلف: الطريف في الأمر ان التبادل والإقتراض اللغوي بين العربية والفارسية وصل الى استخدام العرب اسماء فارسية لمسميات في حين ان الفرس استخدموا أسماءها العربية،وعلى سبيل المثال نورد بعض الأمثلة:
-في العربية نسمي التقويم”روزنامه” وهي كلمة فارسية تعني صحيفة اليوم وبياناته بينما في الفارسية نستعمل كلمة “تقويم”العربية.
- “دستور” كلمة فارسية تعني القانون الاساسي للدولة متداولة في العربية بينما في ايران نستعمل “قانون اساسي”بمعنى الدستور.
- الكهرباء كلمة فارسية تعني القدرة المغناطيسية الناجمة عن ضرب حجرين ببعضهما فيجذبا التبن والقش بينما الفرس يطلقون على هذه الطاقة كلمة عربية وهي” برق”.
- في العربية نسمي الإنعام المقدم للعامل او الخادم” بخشيش” وهي كلمة فارسية بنفس الدلالة في حين نستعمل بالفارسية “انعام”.
يجمع الكتاب بين دفتيه عشرات الكلمات والمفردات الفارسية المتداولة في اللهجات الخليجية ولا سيما الكويتية ليؤكد التمازج بين الحضارتين و أواصر القربى والمصاهرة بين الشعبين الجارين.
و قد ساعد الانتاج الكويتي الغزير للمسلسلات التلفزيونية و الاعمال المسرحية لاسيما تمثيليات و مسرحيات الممثل الراحل عبدالحسين عبدالرضا في ترسيخ هذه الكلمات والمصطلحات في التراث الشعبي الكويتي حيث بات الناس يرددونها في تعاملهم اليومي و يأنسون بتداولها نظرا لسلاسة لفظها و قربها للغتهم الأم.
فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد كلمة النوخذه وتعني قبطان السفينة مقتبسة من كلمة(ناخدا) و كلمة دريشة بمعنى النافذة مأخوذة من (دريچه) الفارسیة و الدروازه و هي البوابة الكبيرة من (دروازه) و غيرها عشرات المفردات التي جمعها الكتاب بين دفتيه معتمدا على العديد من المراجع و المصادر الجامعية و أبحاث طلاب مقرر اللغة الفارسية بكلية الآداب في جامعة الكويت.
سمير أرشدي