بغداد، في 4 يناير/ العمانية/ يفتتح الكاتب العراقي د.لؤي حمزة عباس روايته “حقائق
الحياة الصغيرة” بعبارة تقول: “لا يُنصت الجرذ لحكاية الإنسان بتفاصيلها الحزينة غالباً
والمفرحة أحياناً فحسب، بل يعيش فيها، ففي كلِّ حكاية جرذٌ ينطّ من سطر إلى سطر،
ويقفز من معنى إلى معنى، لو ناديت الجرذان التي تحيا، منذ أول الخلق، في شعاب
القصص والحكايات، لتبدّدت القصص وطارت الحكايات مثل دخان تنفخه الريح”.
هذا الاستهلال يضع قارئ الرواية التي صدرت مؤخراً عن منشورات المتوسط، في
المسافة التي تبدو مزهوَّةً بالفانتازيا، لكنَّها تنبشُ في الحقائق الصغيرة لحياةِ العراقي،
وتمضي عبر مسالك مُعتمة وأخرى قليلة الضوء؛ لتكشفَ ما يتوارى خلف أحداثٍ ظاهرُها
يبدو هو الآخر عاديَّاً.
وبين العاديِّ والخياليِّ يتعرَّف القارئ، سطراً وراء سطرٍ، على حكاية البطل ابن الثامنة
عشرة، في مدينة البصرة في بداية ثمانينات القرن الماضي، حيثُ تدورُ طاحونة الأيام،
ومعها تدورُ القصصُ التي يعيشُها المتلقي مع البطل “صديق الجرذان”، بين المدرسة
والبيت والشارع، بين اختلاط المشاعر الطَّرِّية وأصوات القنابل البعيدة، بين جرذانه
والكائنات الأسطوريَّة التي يقرأ حكاياتها على الجدَّة، وبين الوجوه وملامحها المنهكة من
آثار الحرب وظلالها.
وربما يكمن مفتاح الرواية التي تقع في 120 صفحة، في أوَّل جملةٍ من المتن السردي:
“يُكلِّم الجرذان منذ تعلَّمَ الكلام، فتسمعُ منه وتردُّ عليه”.
من أجواء الرواية: “تعال أيّها الجرذ، تناديك رائحة الجبن، اقترب ولا تخشَ شيئاً، لا تكن
جرذاً جباناً وتقدم، سأسمّيك جرذ الحرب، الحرب الجديدة التي بدأت هناك، سيكون اسماً
نادراً بين أسمائك، اسماً لم يذكره أحد من قبل ولم تدوّنه كتب القوارض أو تحفل به وثائق
التاريخ الطبيعي، بمقدوري أن أدوّنه تحت صورتك المطبوعة في صفحة منفردة إلى
جانب صفحات تضم صور جرذان كثيرة بأسماء تميّزها بحسب ألوانها وأشكالها، أو
بحسب حجومها أو سلوكها أو أماكن معيشتها، فوق الأرض أو تحتها، أسماء معروفة
طالما تناقلها البشر. سيكون (جرذ الحرب) الاسم الذي أناديك به من بين سائر الجرذان”.
يشار إلى أن لؤي حمزة عباس أصدر في الرواية: “الفريسة” (2002)، “صداقة النمر”
(2011)، “مدينة الصور” (2011). وله في القصة القصيرة أعمال منها: “على درّاجة
في الليل”، “ملاعبة الخيول”، “إغماض العينين”، “قرب شجرة عالية”. وله إصدارات
أدبية ونقدية أخرى من بينها: “المكان العراقي”، “الكتابة، إنقاذ اللغة من الغرق”، “بلاغة
التزوير” و”النوم إلى جوار الكتب”.
/العمانية /174