ينادي الكثير من رجال الاقتصاد بالخصخصة لمعالجة التضخم والبيروقراطية وكأن الحل السحري لا يخرج الا من رحمها.
ونرى بين الحين والأخر هذه المناشدات عبر الصحف الرسمية والمستقلة لتعزيز هذه الفكرة لدى الرأي العام وصانع القرار عبر سياسة التخويف من التضخم وإنهيار الاقتصاد.
بينما هي السم الزعاف والموت السريع للشعوب والدول فهي النهب القانوني لثرواته وفقدان السيادة على القرار السياسي، وما يبقى في الدولة في حال تم تخصيص كياناتها إلا عبيد بلا مستقبل ولا كرامة واسياد لا دين لهم الا تعاظم الأرباح ولو جاء على حساب سيادة الوطن وحياة المواطن، فهم عادة يعملون بلا رحمة وبلا شفقة.
استطاع اصحاب هذه النظرية (وعلى رأسهم ميلتون فريدمان حامل لواء رأسمالية الكوارث ) الذين يقتاتون من آلام الشعوب ومحن الدول، الولوج الى مختبرات صناعة القرار الاقتصادي والسياسي في الدول المنكوبة بالتضخم او الحروب او الكوارث الطبيعية وذلك عبر تمكين كتائب الشركات المتعددة الجنسيات وتحويل موارد الدول الى مورد خاص وما على الحكومات الا تسهيل عملية النهب فقط؛ ويكمن مشروعهم في اختطاف الشركات والمشاريع الحكومية بأقل ثمن وخاصة عندما تكون الدولة في أوج محنتها؛ كما هو في تشيلي وبوليفيا وبولندا والارجنتين واندونسيا وسريلانكا وغيرها الكثير من الدول؛ التي استغاثة بالبنك الدولي وبالخبراء واصبحت بعد عقد من الزمن رهينة الشركات المتعددة الجنسيات والبنك الدولي.
هل عمان في معزل عن هذه المخططات؟
طبعا كل الدول دخلت مستنقع الخصخصة عبر جيش الغازين من الخبراء والفنيين التابعين لهذه المدرسة ومتجاهلين كل النظريات الاقتصادية التي حافظت على كرامة الانسان وسيادة الدول.
فعمان قامت بخصخصة قطاع الاتصالات والكهرباء والماء و بعض القطاعات مثل أمن المنشأت؛ ومشروع الخصخصة لم يتوقف ولا زال مستمر ولكن ما يميزنا أن الدولة لم تسلم الشركات كاملة للقطاع الخاص ولم تسلمها ايضا الى شركات أجنبية وما ساعدنا في ذلك سلعتنا الاستراتيجية النفط والغاز حيث اتبعت النموذج الروسي في ملكية المشاريع حيث تنافس على الحصص القيادات النافذة والعوائل الغنية من أبناء البلد.
ولكن ما يضغط على الحكومة للخصخصة هو الهدر المالي السنوي الذي يكلف ما يقارب المليار ريال عماني لقطاع الكهرباء فقط؛ غير التعليم والصحة والبنية التحتية؛ فالحكومة تريد تخفف عن كاهلها هذا الانفاق الضخم وتصبح منسق ومتابع ومشرف على العمليات الانتاجية وتأخذ الضرائب فقط.
ولكن لكي نعالج هذه المسألة ينبغي معرفة ما الذي يجعل من هذه المشاريع ربحية في يد القطاع الخاص وخاسرة في يد الحكومة؟؟؟
طبعا الاجابة البسيطة والمتعارف عليها سوف يقوم القطاع الخاص بتقليص الموظفين حد العظم وزيادة ساعات العمل وجلب يد عاملة رخيصة من خارج الحدود واستخدام تقنيات حديثة.
إذن ما الحل؟
اولاً: على الحكومة أن تتجه في معالجة الخسائر واستنزاف الموارد في حوكمة الأداء والشفافية وثانيا اطلاق يد الاعلام الاستقصائي واللجان عبر المجالس المنتخبة وجهاز الرقابة لبحث الملفات والعقود المبرمة مع الاطراف المتعاقدة.
ثالثا: خلق حلول جذرية عبر مراكز الابحاث المختصة لمعالجة استنزاف الاموال واستخدام احدث التقنيات.
رابعاً: برامج تدريبية قوية وجادة تبدأ من التعليم الاساسي حتى الجامعي لخلق مواطن مجتهد ومثابر للتفوق وتمكينهم وتنميتهم وتأهيلهم فنياً وتقنياً؛ فهنا ربحنا السيادة والأنسان.
فليس الحل في الخصخصة التي ينادي بها ليل نهار اصحاب الريال الأسود الذين يبحثون عن أرخص الموارد لزيادة ثرواتهم مقابل تجفيف ثروات البلد وزهق مستقبل المواطن والأجيال القادمة.
سلطان الحسني