كانت أجواء الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس السابع والثلاثون ونائب الرئيس الأمريكي السادس والثلاثون، ريتشارد نيكسون، ملبدة بتوتر حاد بسبب تصاعد حرب فيتنام وتساقط الجنود الأميركيين بأيدي ثوار “الفيتكونغ” في أدغال جنوب شرق آسيا، حيث فاجأ الشعب الأمريكي والعالم بعد ستة أشهر فقط من توليه مهام منصبه كرئيس، بمبادرته المثيرة التي سجلها تاريخ الولايات المتحدة الحديث والتي عرفت باسم “مبدأ نيكسون”.
في تفاصيل تلك المرحلة، كان الشعب الأميركي بأسره كان ضد الحرب التي استنزفت قوى الولايات المتحدة البشرية والمادية. وكان لابد أن يبحث نيكسون (1913 – 1994)، الوافد إلى البيت الأبيض خلفاً للرئيس ليندون جونسون الرئيس السادس والثلاثون (1908 – 1973)، الذي تسببت سياسته في إسقاط الاميركيين في المستنقع الفيتنامي، عن مخرج لانتشال بلاده من العار الذي لحق بها في فيتنام. وكان برنامج نيكسون الانتخابي قائم على شعار “الخروج من فيتنام بسلام مشرف”. وجاء المخرج من خلال ما عرف بـ “مبدأ نيكسون”، وهو يتلخص في عبارة واحدة وهي “فتنمة” الحرب الفيتنامية، أي تصدير الحرب للفيتناميين أنفسهم، فتتولى فيتنام الجنوبية المحمية من الولايات المتحدة مسؤوليتها في مواجهة فيتنام الشمالية المرعية من قبل الاتحاد السوفييتي والصين، وفي نفس الوقت ترفع الولايات المتحدة يدها العسكرية فقط عن الأرض الفيتنامية دون أن تتخلى عن دعمها الكامل للجنوب الفيتنامي.
من هنا، وعلى خلفية الأسباب الآنفة الذكر، أعلن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون “مبدأ نيكسون” في يوليو/ تموز عام 1969، وذلك في وقت كانت الحرب في فيتنام قد مر عليها أربع سنوات تقريباً، وكان هدفه المعلن تشجيع فيتنام الجنوبية ونظام سايغون على تحمل المزيد من المسؤولية عن الحرب. مما يمهد الطريق للولايات المتحدة لسحب جميع جنودها تدريجياً من فيتنام، وينص المبدأ على أن الولايات المتحدة ستعمل على تشجيع بلدان العالم الثالث على تحمل مسؤوليات أكبر في الدفاع عن نفسها، وأن يقتصر دور الولايات المتحدة على تقديم المشورة وتزويد تلك الدول بالخبرة والمساعدة، وليست هذه هي المرة الأولى التي يطرح فيها رؤساء أميركيون أفكاراً وخططاً لتسيير شؤون العالم تحت مسمى “المبادئ”، مثل مبدأ آيزنهاور ومبدأ كارتر ومبدأ مونرو، الذين تحدثنا عنهم في مواضيع سابقة.
وكانت الولايات المتحدة من خلال هذه السياسة، تستهدف كما أشرنا الخروج من المستنقع الفيتنامي. وبالفعل بعد 40 شهراً من مبدأ نيكسون تم وقف القتال، ثم الانسحاب بعد شهرين، وكان الخروج هزيمة مريرة لا ينساها الشعب الأميركي. وبقى بعد ذلك مبدأ نيكسون، ومازال يطبق حتى الآن من خلال الدعم الأميركي لأنظمة تحمي المصالح الأميركية، حيث تم في 23 يناير/ كانون الثاني 1973 التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في فيتنام. وتضمن الاتفاق، توقف جميع أنواع العداء. وانسحاب القوات الأميركية من جنوب فيتنام خلال الشهرين التاليين للتوقيع، وإطلاق سراح الأسرى من الطرفين، إلى جانب الاعتراف بالمنطقة المنزوعة السلاح بين الشطرين على أنها مؤقتة لا أنها حدود سياسية، وإنشاء لجنة دولية مكلفة بمراقبة تطبيق الاتفاق، وبقاء 145 ألف جندي من شمال فيتنام في الجنوب. وبعد مغادرة آخر جندي أميركي من فيتنام، فاحت رائحة فضيحة ووترغيت التي أجبرت الرئيس نيكسون على الاستقالة يوم 9 أغسطس/ آب 1974. وبسببها لم تولِ واشنطن اهتماماً كبيراً بحكومة سايغون التي سقطت وتحدت فيتنام بفعل انتصار الشماليين.
ويرتبط مبدأ نيكسون أو مبدأ غوام، والقائم على تركيز الدبلوماسية الأمريكية في آسيا على الأدوات الاقتصادية كبديل عن الأدوات العسكرية، وجعل الدول الآسيوية أكثر اعتماداً على نفسها في حل نزاعاتها، وتقييد التدخل الأمريكي وحصره في ردع التهديدات التي تمارسها إحدى القوى النووية، مع إمكانية ردع التهديدات التقليدية التي تحدث على نطاق ضخم لا قبل لحلفاء أمريكا على مواجهتها.
بالتالي، تميزت فترة الرئيس نيكسون، وبإسهام خاص من وزير خارجيته هنري كيسنجر، بإنجازاتها على صعيد السياسة الخارجية، من خلال إنهاء التورط الأمريكي في فيتنام، وتطوير العلاقات مع كل من الصين الشعبية والاتحاد السوفييتي. وقد شهدت فترة نيكسون، وبجهود كيسنجر الشخصية أيضاً، التوصل إلى اتفاقيات الفصل بين قوات الكيان الصهيوني من جهة والسورية والمصرية من جهة أخرى، في أعقاب حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973.
وغادر نيكسون البيت الأبيض في عام 1974، قبل ما يقرب من ثلاث سنوات من انتهاء فترة رئاسته الثانية، بعد أن أجبر على الاستقالة كنتيجة لثبوت تورطه في فضيحة تجسس عناصر من الحزب الجمهوري على المقر الرئيسي للحزب الديمقراطي في واشنطن، فيما عرف بفضيحة ووترغيت الآنفة الذكر.
عبدالعزيز بن بدر القطان