——————————– القصيدة الأولى —————————-
عابرة الخاطر
في الشعر تبدأ الحكاية، وفي القصيدة يسبك الشاعر المعنى، يذوب في أنفاس العطر، ويسكب عبيره في كؤوس الوجد، يغني على ليلاه، ويطير في سماء الروح، ويقلب صفحات الجمال، وينشد أبيات العشق، ويسافر في ملكوت النجوم، يحاورها، وينظر إليها، ويحمل معها شوقه الذي خبأه طويلا في قلبه، هكذا يكون الشعر طائرا ذا أجنحة خضراء، يرفرف في سماء القلوب العاشقة.
الشاعر سيف السعدي يكتب قصيدته بحبر الإبداع، ويتلاعب بها كيف يشاء، ويخرجها كعروس بحر لا تغرق إلا في بحر العاشقين..لنقرأ الجمال القادم..
أبهى من الصبح وأبيض من حسن ظني
كلْما اعبرت خاطري في شارع أنفاسي
تراود الليل عن عيني وتسكنّي
وترتب الشمع وأقلامي وقرطاسي
كأنّها جت لهذا الكون تفتنّي
وتلمْ لَمّ الجدايل ثاير إحساسي
في صمت نظراتها خِلْت الهوى يغنّي
وخِلْت البدر والنجوم الوُضح جلاسي
أتهيّل أنفاسها.. وعيونها بِنّي
وإن سولفت قنّدت بإحساسها راسي
مثل القصيدة تولّعني وهي مني
وتذهل شعوري وتتعدى عن قياسي
يا ما بفيّة هدبها هِمت متمنّي
ويا ما بفضة سناها هام هوجاسي
الحب والشعر يُروى في العرب عنّي
وهي من تصب الشعر والحب في كاسي
——————– القصيدة الثانية ———————–
في غربة الذات
بخيت تبوك
لا يُسمّى الشعر شعرا إلا حين يلامس شغاف القلب، ويتمازج مع الروح، ويسمو بك إلى الأجواء العليا من النشوة التي تبهج نفسك، ويهبك عطر الحياة، وهذا النوع من القصائد نادر، لا يكاد يبين وسط هذا الكم الهائل من الشعر.
وفي النص التالي واحدة من تلك الأصناف غير الاعتيادية التي يمكن لنا قراءتها دون ملل، يكتبها شاعرها بخيت تبوك بروح الإبداع، يتنقل بنا من بيت إلى بيت بخفة عميقة، كفراشات تداعب زهورها، أو كنوارس تعانق موجات البحر، يحمل معها الكثير من الفلسفة التي نرددها دون وعي، ونكتبها دون إرادة، ونستعيدها دون ذاكرة..
لنقرأ الإبداع القادم بعمق النص، وجمال الكلمة..
زوابع الفكر تغلب جوّي الهادي
تأخذني بجو فيه العاصفة سادت
في غربه الذات ماخذ للسفر زادي
والذات من غربتي للآن ما عادت!!
عوّدت في درب عشاق السرى غادي
معتاد والنفس ترجع حسب ما اعتادت
أورد تجارب زمن هجري وميلادي
وعذوبة الشاعرية كلما جادت
يا لون الأصناف بين بْياض ورْمادي
الذوق فطرة معي والنفس ما حادت
عندي لبعض البشر تصنيف آحادي
في خانة القلب لا نقصت ولا زادت!!
وجودهم ما يهم، وفقدهم عادي
مجرد أسماء لا ضرّت ولا فادت
وإن غاب راعي الشيَم وكْريم الأيادي
تخايل الأرض بعده كأنها بادت
لكن بحكم القدر نرضى وننقادي
ومشيئة الله تأتي حيث ما رادت
يا قمري اللي سجع من ضفة الوادي
ألحانك العاطفية خافقي نادت
رجّعتني للشعور الفطري البادي
ودروب رحبة عليها النفس ارتادت
الخف يطوي الأمد والشوق بعتادي
ومسافتك يا بعيد الدرب ازدادت
يبعدني الليل كلما قرّب مرادي
والأرض كلما تقرّب خطوتي مادت!!
———————القصيدة الثالثة ———————–
شذرات شعرية
يوسف بن علي بوبر البلوشي
ما الشاعر إلا مجموعة أحاسيس ينثرها على القصيدة، يعبّر من خلالها عن الأشياء من حوله، ويسير معها نحو الطريق البعيد، ينظر حوله، ويرصد الأحداث، ويلملم أوراقه بصمت، ثم يكتب ما يرى أو يسمع أو يقرأ، وهو في كل حالاته لسان حال الآخرين، يكتب عنهم ولهم، ويسرد حكايات المجتمع، ويقص قصصه، ويروي زواياه..
تماما كما يفعل الشاعر يوسف البلوشي في شذراته القصيرة والمعبرة التالية…
(1)
(التقاعد)
للتقاعد سير في حفظ الكريم
من بعد خدمة مليئة بالعمل
من بعد أعوام بالكد العظيم
حان لك ترتاح، وتذوق “الكسل”
هو كسل يومين، ما يبقى مديم
واكسر الروتين، إن جاك الملل
اضحك لدنياك، والدنيا تزين
ما يفيد اللوم أو كثر الزعل
دنيتك حلوة ولا تحيا حزين
دام رزقك عند ربك والأجل
أي شيءٍ لو تحبه لك سنين
يا بترحل عنه أو عنك رحل
(2)
ذنب وغفران
لولا الذنّب ما كان في الكون توبة
ولولا الخطايا ما انوجد يوم غفران
يا رب أنا عبدك كثيرة ذنوبه
وانته لطيف الأمر راحم ورحمان
أجاهد النفس، بسّ بصعوبة
أثبت على الطاعة من وقت، للآن
الإنسان مهما اكتمل تبقى عيوبه
هي خير شاهد، أنه بصدق.. إنسان
(3)
(أمّي)
قالت: علامك ما تزوجت للحين؟
قلت: النصيب، وكل هالأمر مقسوم
لكل شي موعد ولا بد بيحين
دامي عبد حق رب قادر، وقيوم
شفتي العدو اللي سكن في فلسطين
لابد له في يوم ويروح مهزوم
تحسبين الشيب من طول الزمان؟
ما دريتي الشيب من فرقى الحبيب؟
موت أمّي ضيق بوجهي المكان
والحزن أشعل في قلبي المشيب
قرب أمي.. كان لي مرسى الأمان
كانت أمي الشمس لو شمسي تغيب
——————- القصيدة الرابعة ————————–
ذكريات زمان
عبدالله الحرابي
تبقى الذكريات الجميلة ماثلة للعيان، ترويها الأيام، وتسردها الأزمان، تعيد ترتيب نفسها في الذاكرة، وتلعب بها رياح الدهر، تعيد تشكيلها أو محوها، وترسلها نحو القلب الذي يهيم بها حين تمر على خاطره، وحين تكون الذكريات جزءا من المكان، فإنها تعلق في الروح لا تغادرها، تماما كما تمر على الناس ذكريات قريتهم الصغيرة، وأحبابهم الذين عاشوا وكبروا معهم، ثم فرقتهم الليالي، حتى أصبحوا لا يكادون يرونهم إلا على فترات طويلة، وقد لا يرونهم أبدا.
الشاعر عبدالله الحرابي يعيد تشكيل ذاكرته القديمة، ويتماهى مع تلك الأيام البسيطة التي مرت به، ثم اختفت مع هذه المدينة الضخمة.
يتكسّر الشعر لا مني ذكرت الدار
ذيك البيوت اللي بناها حطب صدري!!
وقت الفلاح وقت أذان الاستغفار
أوقظ أبوي: حانت ساعة الفجري
قبلة صلاته وسجادة التذكار
وأمي بتعجن رغيف الزاد والتمري
راحت سنين البحر ومخاوية ّمحّار
يصارع الموج يبحث عن صدف درّي
يا مال يا مال يا الساحل ويا البحّار
يا الله على ذيك السنين وما نفض دهري
أصنع هواري وأصنع هيئة الفخار
صنعة أبوي عريش الزور ما قصري
يا بوي وينك رجع لي محملك منهار
يرثي الشواطي وينعي خاطري كسري
أتذكر الدار وأذكر شعلة السمّار
ذيك المنازل خلت من ناسها جبري
لمّة حبايب جمعهم بالصدف الاسفار
وصاروا سواعد على الضيقات والقهري
صارت بلادي بعد شيبانها إحسار
كنّه رياح السموم تحالفت بدري
أشوف المدينة وكنه صابها إعصار
ما عاد ذيك الحياة ف نبضنا تجري
جرّيت صوتي ويخنقني أنا المزمار
الدار والبحر قصّة تاهت بشعري
——————– القصيدة الخامسة ———————–
زهور الحب
علي بن حمدان الفجري
لا يبقى شيء على حاله، كل شيء يرحل دون عودة، وكل أمر يتغير، غير أن الذاكرة تظل على حالها، تنتظر الغائب، وتهيم في ذاك الذي رحل دون وداع، ويتذكر تلك الليالي الرائعة التي عاشها، وعشقها حتى ذاب فيها، ثم رحلت، ولكنها تركت عطرها في الذاكرة.
الشاعر علي الفجري يسرد حكاية زهرته التي ذبلت، ثم غادرت الحديقة التي أزهرت فيها، ورحلت عودة..
يا زهور الحب وينك يا زهور
اختفيتي عن حياتي ودنيتي
يا ليالي السعد هلّي بالظهور
ارجعي لي، رجّعي لي فرحتي
ارجعي يا أحلى الليالي والدهور
واكتبي بدموع عينك قصتي
وارسمي الفرحة على جناح الطيور
واخبريها كيف كانت رحلتي
تمضي الأيام من عمري شهور
ساهرٍ ليلي أسامر وحدتي
أذكر أيامٍ لها بقلبي شعور
ارحلت عني تسابق خطوتي
واتركتني في وسط صحراء قفور
لا صديق ولا رفيق ف غربتي
هذي الدنيا محطات وعبور
تسعدك مرة ومرة تبتلى
والزمن غدار والدنيا تدور
وأطلب المولى يفرّج كربتي