خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية لا حديث – واقعي وإفتراضي – يعلو فوق حدث تدشين سوق دبا الشعبي الذي جاء بدعم من لجنة الشؤون البلدية في ولاية دبا إستشعارا للإرث الحضاري لدبا كأحد أسواق العرب المشهورة قبل الإسلام وأحد أبرز المحطات التجارية في المنطقة أبان منتصف القرن الماضي ومع هذه العودة التي نريدها للجوهر قبل المظهر سأطرح سؤالا : هل كانت العودة مظفرة!
لا أريد الخوض في التفاصيل التاريخية لسوق دبا التي يجيدها فطاحلها دون حاجة لأي إضافة (حبتين زيادة) ولكن التأمل وإستشعار قيمة ذلك الإرث الحضاري مهم جدا لنا وللأجيال القادمة فالدماء التي سرت في من قدم لنا ما نفاخر به اليوم هي ذات الدماء التي تسري في عروقنا والدماء لا تموت حتى يوم البعث.
تأملات البداية شوشت عليها عاطفة من يفرح لأي تقدم وإنجاز حقيقي فما جرى جاء بعزم وتكاتف بعيدا عن بيروقراطية اللجان المشكلة وهذا هو التأمل الأول الذي يقول بأن الرأي السديد يعقبه عزيمة وإلا أصبح مترددا.
وبعيدا عن (حسبة) تدوير الأموال في عمليات البيع والشراء التي لا تحتاج أن يقدم المرء نفسه فيها في صورة (أبو العريف) فإن للسوق منهجية تربوية سلوكية نفتقد أثرها كثيرا الآن وأثارني موقف أحد قاصدي السوق الذي جاء يبحث عن البصل الأخضر المحلي فرد عليه البائع : ( الحين ياي الظهر ) وهنا استشعر قيمة الآية الكريمة في سورة النبأ : ( وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)). التأمل الثاني يؤكد فعلا على قيمة النهار كوقت للحركة التي فيها البركة وكم نحتاج لإعادة برمجة يومنا بين لباس الليل ومعاش النهار.
التأمل الثالث جاء من رؤية اخواننا الباعة من أبناء الولاية – من الصغار والكبار – وهم قائمون على تجارتهم في السوق ويكسرون بذلك الصورة النمطية التي يصر البعض إلصاقها على جيل الشباب اليوم بأن لا فائدة ترجى فيهم وهم (مال منام وبلاستيشن وواتساب) وأجزم بأن إستفادة الباعة اليافعين تتعدى مسألة الأرباح المالية فهناك تعزيز لتطبيق العمليات الحسابية لديهم وتمكين مهارات التواصل مع الآخرين واكتساب الهوية المحلية التي نتفرد بها ونخاف ظمورها مع تاليات السنين.
السوق تفاعل اجتماعي فيه من يبيع وفيه من يشتري وفيه من (يتطمش ويتسفر) فيحضر السلام والتحية والعلم والخبر والبشاشة والسرور وغير ذلك من القيم والمعاني. وعودا إلى السؤال المطروح أعلاه : هل كانت عودة سوق دبا مظفرة؟ الإجابة ستكون لكم! فبأي حال عدت يا سوق.
محمد بن سيفان الشحي
٢٧ فبراير ٢٠٢١ م