تمثّل حقبة الدولة السلجوقية في الحضارة الإسلامية، واحدة من أروع الحقب وأكثرها إيجابية، امتدت بين سنوات 433 – 619هـ، حيث ازدهرت في عهد هذه الدولة، جوانب الحضارة المختلفة من العلوم والآداب التي فازت بنصيب وافر من اهتمامهم، إلى جانب النشاط الاقتصادي البارز من زراعة وصناعة ورعي وتجارة وتنظيم الطرق وتأمين المسالك، وتوفير الحياة الكريمة، كل هذا اهتم به السلاجقة كثيراً، فضلاً عن اهتمامهم الدؤوب بشؤون الجيش وتطوير السلاح، وغير ذلك.
وكما نعلم أن كل حضارة رغم أفولها، إلا أنها ازدهرت خلال فترة صعودها من كافة النواحي، وبصرف النظر حول صعود حضارة على أنقاض أخرى، وهذا تاريخياً أمر طبيعي، يبين أن الزمن يتغير ولا يبقى شيء على حاله، لكن الذي يبقى هو ذاك الموروث الضخم الذي تركوه للأجيال اللاحقة، ومنه عرفنا عظمة تلك الحضارات، التي فعلاً كان لها الأثر الكبير في تشكيل الوعي الإسلامي في مجالات الحياة كافة، ناهيك عن العلوم والآداب المختلفة، والعلماء الكثر، الذين تركوا كتب كثيرة يشهد لها القاصي والداني لما تضم بين طياتها من علوم ومعارف قل نظيرها، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن كل الحضارات السابقة هي مصدر فخر وعز لنا، ومن يقول عكس ذلك، فهو حتماً لم يقرأ التاريخ جيداً، لأن قراءة التاريخ خير دليل على الافتخار الحقيقي بالموروث الضخم الذي وقع بين أيدينا، رغم وجود فئات كثيرة اليوم تحاول إلغاء التاريخ، وبمعنى أدق، يعلمون على تحريفه، وهذا ما سنقوم بتوضيحه، كي نساهم بإيصال الصورة المشرقة عن الحضارة السلجوقية الآن، ولاحقاً عن الحضارات الأخرى.
وإذا أرادت الأمة العربية والإسلامية أن تنهض من ثباتها لا بد لها من مراجعة تاريخها وتفحص صفحاته بكل صورها من إنجازات عظيمة وإخفاقات مريرة، لتستخلص منها الفوائد والدورس وتتعلم من العثرات في حاضرها وتستشرف آفاق مستقبلها، خاصة وأن دولة السلاجقة ولدت في ظروف في غاية الخطورة والتعقيد عاشتها الأمة بين أعداء داخليين (الفاطميين – البويهيين) وخارجيين (مغول وصليبيين)، وساهم الأتراك السلاجقة بالتصدي لتلك الأخطار، سواء الخطر البويهي الذي قوض أركان الخلافة وأوهن سلطتها في بغداد، أو الخطر الصليبي البيزنطي والفرنجي، الذي وقف السلاجقة سداً منيعاً في وجهه، وكسروا كبريائه في معركة تاريخية فاصلة انتصروا فيها (حادثة ملاذ كرد)، بمعنى أدق يجب معرفة الظروف التاريخية التي رافقت قدومهم إلى المشرق العربي، من خلال الغوص في أعماق تجربتهم السياسية والحضارية في العراق والشام ودورهم في إعادة هيبة الأمة الإسلامية وصون هويتها وكرامتها.
أين نشأت الدولة السلجوقية؟
ترجع الأسرة السلجوقية في نشأتها إلى تركستان الشرقية من آسيا الوسطى، ولظروف ما هاجرت هذه الأسرة بقيادة كبيرها سلجوق الذي تنسب الأسرة إليه، وبين خراسان وبخارى وأصبهان تراوحت إقامتها حتى استقرت بمرو حيث هاجمها السلطان الغزنوي مسعود ولكنه هزم أمامها، وأصبحت الخطبة تلقى بمرو باسم داود السلجوقي، نجل سلجوق الكبير وكان هذا في سنة 433هـ، ومن مدينة مرو انتشر سلطان السلاجقة إلى خوارزم، وبدأ تاريخهم يظهر كقوة لها كيانها المستقبل في العالم الإسلامي خلال القرن الخامس الهجري، إذ ينحدر السلاجقة أساساً من قبيلة “قنق” التركمانية التي تمتد من هضبة منغوليا وشمال الصين شرقاً إلى بحر الخزر، أو ما يعرف اليوم باسم “بحر قزوين”، ومن السهول السيبرية شمالاً إلى شبه القارة الهندية وفارس جنوباً، الذين عرفوا لا حقاً بالترك أو الأتراك، ولظروف اقتصادية وسياسية بحسب المؤرخين بدأت الهجرات نحو مناطق أكثر أماناً وأكثر رغداً حيث استقروا بعض الوقت في طبرستان وجرجان فأصبحوا بالقرب من الأراضي الإسلامية التي فتحها المسلمون بعد معركة نهاوند وسقوط الدولة الساسانية في بلاد فارس عام 21 هـ، وفي العام الذي يليه، تحركت الجيوش الإسلامية إلى مدينة الباب لفتحها، وكان يسكنها الأتراك، لكن حدث الصلح بينهم حينها، ومن ثم تم اتصال تلك الشعوب بالإسلام واعتنقوا الإسلام، وازداد عدد الأتراك في بلاط الخلفاء والأمراء العباسيين ومذاك الوقت بدأ الأتراك يأخذون مناصب مهمة في مسرح التاريخ الإسلامي حتى أسسوا دولتهم التي كانت على صلة قوية بخلفاء الدولة العباسية.
كما أن من أهم الحكام السلاجقة “أرطغرل – 1191” الذي سار في طريق المصلحين، وأراد أن يُعد قبيلته إعداداً محكماً، وأن يربيهم على القيم والمثل، ويزرع فيهم الإيمان والعمل الصالح، وينبت فيهم نبتة ستكون وارفة الظلال، كثيرة الأفنان فيما بعد، إذ تعد فترة حكمه فترة ثرية فهو الإنسان المسلم الذي بسببه قامت الدولة العثمانية وحكمت ما يقرب من ستة قرون، وهو الذي أسس نظاماً اجتماعياً مؤسسات اجتماعية من الدراويش والمشايخ، لم يكن أرطغرل أميراً مشهوراً، ولا فارساً أسطورياً، ولا طمح حتى في الدولة التي كانت في ما بعد، لكنه كان قائداً شجاعاً حكيماً، مربياً في المقام الأول، فهو أولى بمقولة “وِل ديورانت” في عثمان ابنه: “لم يكن عثمان قائداً عظيماً، ولكنه كان مثابراً صبوراً”، وهناك أيضاً جلال الدولة ملكشاه، ابن السلطان ألب أرسلان بن جفري بك السلجوقي التركي، ثالث السلاطين العظام في الدولة السلجوقية، وآخرهم، في عهده بلغت الدولة أقصى اتساعاتها حتى وصلت من تركستان “كاشغر” شرقاً إلى القدس غرباً، كما أن ألب أرسلان والده كان من أعظم سلاطين الدولة السلجوقية، والذي قاد معركة “ملاذكرد” أهم المعارك في التاريخ الإسلامي وأكثرها تأثيراً، أما الوزير نظام الملك فلا يقل شأناً عن الحكام والسلاطين، كان له الدور الكبير فيما شهدته الدول الإسلامية المتاخمة للروم، من حياة منتظمة على جميع الأصعدة، ما أكسب السلطان وعامة السّلاجقة احتراما وتقدير منقطعي النّظير من قبل المسلمين، وما جئنا على ذكره مجرد سرد سريع لأن الأسماء لا يستع المقال لها، حيث سنفرد بحثاً مطولاً نتحدث فيه عن سلاطين الدولة السلجوقية وأهم إنجازاتهم خاصة العسكرية التي كانت مهمة لدرجة كبيرة، ولا بد من التوقف عندها في بحثٍ خاص.
امتاز السلاجقة الأتراك في معاملاتهم بالتدين، وكانوا مظهراً للإنسان الفطري الذي هذبه الإسلام، هؤلاء كانوا نموذجاً طيباً حتى في معاملتهم للخليفة العباسي الذي حفظوا له عرشه، إنهم لم يكونوا كالذين انتصر بهم المعتصم، ولم يكونوا كالبويهيين حينما سيطروا على الخلافة وأذلوا كبرياء الخليفة، كان لهم فضل كبير في رفع راية الإسلام، وفي مد عمر الخلافة العباسية أكثر من قرنين من الزمان، كما بدأوا في مرحلة جديدة من التوسع الإسلامي في اتجاه آسيا الصغرى، ويقال إن هذا التوسع الإسلامي كان أحد أسباب قيام الحروب الصليبية.
وما يميز العهد السلجوقي هو انتشار المدارس الإسلامية، وتحديداً المدارس النظامية، أول ظهور كان للمدرسة في أواخر القرن الثاني الهجري وأوائل القرن الثالث الهجري، وهي مدرسة الإمام أبي حفص الفقيه البخاري (150 هـ – 217 هـ)، وأبو حفص من العلماء الذين تزعموا الحركة الفكرية في مدينة بخارى، وتوالت المدارس في نيسابور، ومدرسة ابن حيان (305 هـ)، وأبي الوليد حسان بن أحمد النيسابوري والمدرسة الصادرية والمدرسة البيهقية ومدرسة أبي حنيفة، بالتالي، ازدهرت الحركة العلمية في عصر الدولة السلجوقية، حيث نشط العلماء بالتوازي مع الجهود العسكرية مما ساهم في تقوية صفوف أركان الدولة، وتعتبر المدارس النظامية التي أنشأها وسهر على نجاحها نظام الملك، أحد أبرز معالم القوم للأمة المسلمة منذ عصر السلاجقة إلى صلاح الدين، فقد كانت تهدف إلى صناعة الرجال، علماً وخلقاً وكل ما ترتقي به النفوس والهمم. فخرج منها أهم العلماء منهم الشيرازي والجويني والغزالي وابن عساكر والعز بن عبد السلام فضلاً عن عماد الدين ونور الدين وصلاح الدين الأيوبي، وقد عمل نظام الدين وفق مقولة أبو الحسن الماوردي: إنه “ليس دين زال سلطانه إلا بدلت أحكامه، وطمست أعلامه، وكان لكل زعيم فيه بدعة، ولكل عصر في وَهْيِهِ أثر” وما كان يردده ابن خلدون: “الدين أس والسلطان حارس، وما لا أس له فمهزوم، وما لا حارس له فضائع”.
لقد نشط في الدولة السلجوقية أهم العلماء الذين ذكرناهم آنفاً، مثل العلامة إمام الحرمين أبو المعالي الجويني (ت 478هـ/1085م) صاحب كتاب “الرسالة النظامية”، ومن أجل الجويني بنى نظام الملك المدرسة النظامية في نيسابور عاصمة خراسان، أما العلامة أبو حامد الغزالي (ت 505هـ/1111م) وهو ابن مدينة طوس المدينة ذاتها التي وُلد فيها نظام الملك، كما أنه تلميذ الجويني، فقد تقرب هو الآخر من نظام الملك، ودعي إلى بغداد كي يدرس في المدرسة النظامية التي بناها لإحياء المذاهب والعقائد السنية بين أوساط العامة وطلبة العلم، كان يحضر في نظامية نيسابور ثلاثمئة طالب يومياً، وعلى مدار ثلاثين سنة للإصغاء إلى دروس إمام الحرمين الجويني، أما نظامية بغداد التي أُسست بين عامي 457 إلى 459هـ، فكان لها أوقاف كثيرة من أسواق وحمّامات ودكاكين وضياع لتأمين أجور العمال والأساتذة ونفقات الطلبة، وكان فيها أيضاً مكتبة قيّمة ذات منصّة وأساتذة ومعيدون وكُتبية وحُرّاس وخدم كثيرون، لقد كانت نفقات الأساتذة والطلاب خمسة عشر ألف دينار سنوياً، وكان عدد طلابها ستة آلاف طالب يدرسون النحو واللغة، والفنون الأدبية، والفقه، والتفسير، والحديث، وغير ذلك من العلوم الشرعية، انتشرت المدارس النظامية في البصرة وأصفهان وبلخ وهراة ومرو والموصل، وكان أكثر أساتذة النظاميات وكتبييها وطلابها من مشاهير علماء القرن الخامس والسادس والسابع الهجري، وكانت الأولوية لعلماء الشافعية والأشاعرة، وقد انتشر طلابها في حواضر العالم الإسلامي وتولّوا الوظائف المختلفة، حتى إن العلامة أبو إسحاق الشيرازي، المدرس الأول لنظامية بغداد، يحكي عن الأثر الكبير الذي أحدثه مشروع “المدارس النظامية” قائلاً:
“لما خرجتُ في رسالة الخليفة المقتدي إلى خراسان لم أدخُل بلدا أو قرية إلا وجدتُ قاضيها وخطيبها من تلامذتي”، ومن هنا بدأ المشروع يؤتي ثماره بتخرج دفعات من الطلاب الحريصين على نشر المذاهب السنية، حتى أصبح للمدارس النظامية سمعتها وقوتها في جميع أرجاء العالم الإسلامي.
وهنا لا بد من ذكر بعض مآثر هؤلاء العلماء وأهم مصنفاتهم التي لا تزال تحقق دراسات منطقعة النظير حتى يومنا هذا، فيما يتعلق بالإمام الجويني، إمام الحرمين، (419 هـ – 438 هـ) الذي بزغ نجمه في العهد السلجوقي وعملاق الفقه والفكر الإسلامي، الذي ذاع صيته شرقاً وغرباً، واعترف بفضله القاصي والداني، وأثنى عليه السابقون واللاحقون والمحْدَثون، إنه الإمام الأكبر ركن الدين، أبو المعالي عبد الملك ابن الإمام أبي محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني، النيسابوري، الشافعي، برع في الفقه، وصنَّف فيه التصانيف المفيدة، وشرح المزني شرحاً شافياً، وشرح الرسالة للشافعي، بلغت مؤلَّفات الجويني من التنوُّع والكثرة حدّاً كبيراً، تفسير القرآن الكريم، الشامل في أصول الدين، غياث الأمم في التياث الظلم، في علم الفقه: نهاية المطلب في دراية المذهب، ومختصر التقريب، ومختصر النهاية، والرسالة النظاميَّة في الأركان الإسلامية، في أصول الفقه: التلخيص، والبرهان، والغنية، التحفة، والورقات.
لدينا أيضاً، حجة الإسلام أبو حامد الغزالي (450 هـ – 505 هـ)، تلميذ الإمام الجويني، جهبذ من جهابذة العلماء، عاش في زمن دولة السلاجقة وعاصر الحروب الصليبية، وكان له منهج إصلاحي متفرد من خلال تشخيصه لأمراض المجتمع ووضع منهاج للتربية والتعليم وبناء العقيدة الإسلامية ومحاربة التيارات الفكرية المنحرفة، وإصلاح الفكر، الشيخ الإمام البحر، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان، زين العابدين أبو حامد ابن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، الشافعي، الغزالي، صاحب التصانيف والذكاء المفرط، أخذ في تأليف الأصول، والفقه، والكلام، والحكمة، من أشهر مصنفاته: الاقتصاد في الاعتقاد، إلجام العوام عن علم الكلام، مقاصد الفلاسفة، تهافت الفلاسفة، الوسيط في فقه الإمام الشافعي، إحياء علوم الدين، المنقذ من الضلال.
أيضاً، ما أود قوله إن هناك إلى الآن هناك البعض يعتقد أن الدولة السلجوقية خالية من العلماء أو لا ثقافة لديها، وما جئت على ذكره غيض من فيض كثير من علماء هم فخر ولهم تاريخ مشرف على امتداد العصور، ومنهم أيضاً الإمام أبو إسحاق الشيرازي (393 هـ – 574 هـ)، الشيخ، الإمام، القدوة، المجتهد، شيخ الإسلام، أبو إسحاق، إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي، الشيرازي، الشافعي، نزيل بغداد، صنف في الأصول والفروع والخلاف والمذهب، من مؤلفاته: الإشارة إلى مذهب أهل الحقّ، المهذب في فقه إسلامي الفقه الشّافعي، التنبيه في فقه إسلامي الفقه الشّافعيّ، طبقات الفقهاء، التبصرة في أصول الفقه، وغير ذلك.
ولعل هذا النجاح الكبير هو الذي جعل العلامة الحافظ ابن عساكر مؤرخ الشام ومحدّثها يُسارع للخروج من دمشق إلى بغداد ليسمع الدروس في الجامعة النظامية، وبعد عودته يعكف على تأليف أهم موسوعة خُطّت في ذلك العصر وهي “تاريخ دمشق” في أكثر من 70 مجلداً، بل إن صيت هذه المدرسة بلغ إلى آفاق بعيدة؛ إلى بلاد المغرب الأقصى، حيث سمع عنها ابن تومرت مؤسس الدولة الموحدية، فشد الرحال من المغرب إلى المدرسة النظامية لكي يتفقّه على يد العلامة أبي حامد الغزالي وغيره ثم يعود إلى موطنه يُناظر العلماء، ويدعو لنفسه، ويؤسس دولة الموحدين على أنقاض دولة المرابطين.
وكما العلم، كانت النهضة العمرانية في العهد السلجوقي حاضرة، فقد شيدت أول مئذنة لجامع الخليفة المكتفي بالله والذي عرف أيضاً بجامع القصر، وكان يقع في الجانب الشرقي من بغداد، حيث تم بناؤها وأذن فيها سنة 479 هـ، وحظيت الروضة الكاظمية مشهد الإمامين موسى الكاظم ومحمد الجواد بعناية السلاجقة، أما في عهد الخليفة الناصر لدين الله فقد شيدت للروضة الكاظمية أروقة وغرف تطل على الصحن وجدد الشباك الموجود على الضريحين وجعله من الساج المطعم، ومن الأبنية المهمة التي شيدت في العهد السلجوقي السور الكبير المحيط ببغداد الشرقية، والكثير غير ذلك.
لأهمية هذا العهد، كان مشروعهم العلمي والعمراني مُلهماً للدول كافة التي أعقبت السلاجقة في منطقة الشرق الإسلامي كما حدث مع الدولة الزنكية والأيوبية والمملوكية من خلفهم، وكلهم ساروا على نهج نظام الملك ونظامه التعليمي الذي كفل التشجيع على إقامة المدارس وإيقاف الأوقاف عليها، وهو ما ضمن حرية الدراسة والبحث العلمي، ونتج عنه في نهاية المطاف كمّاً هائلاً ورصيناً من المصنفات في فروع العلوم الإسلامية التي أُلّفت في القرون السادس والسابع والثامن والتاسع الهجري، والتي لا تزال شاهدة على عبقرية وثورية هذا النظام الذي أحدثه الوزير أبو علي الحسن نظام الملك الطوسي.
وما جئنا على ذكره غيض من فيض، يؤكد أن لكل مرحلة رجالاتها، وأن الدولة العباسية هيأت الأجواء والأوضاع للدولة السلجوقية وكذا الأخيرة لمن بعدها وهكذا، ما يعني أن الحضارات هي امتداد بعضها لبعض، وما يؤكد ذلك ترحال العلماء الدائم من مدنهم إلى المدن التي تضم العلماء، وهي رحلات موثقة في كتب التاريخ والسير، ما يعني أن الحضارة هي إسلامية بالمقام الأول، حضارة عريقة أوصلت العلوم إلى أصقاع الأرض، فلهم الفضل لأغلب العلوم التي نعرف خاصة الشرعية والعلمية والنهضة العمرانية والتي لا تزال شاهدة صروحها في كثير من البلدان التي سكنتها في زمنٍ مضى.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.