كتب التفسير القرآنية هي من أعظم الكتب التي يمكن للإنسان المسلم أن يحظى بها، وتفسير “من وحي القرآن” للعلامة السيد محمد حسين فضل الله (1935 – 2010) هو من التفاسير القرآنية المهمة ذات القيمة العلمية ليس للشيعة فقط، بل وللسنة أيضاً.
ومن يقرأ هذا التفسير ومتعمق عموماً في كتب التفسير، يلاحظ تأثر العلامة فضل الله في كتابه “من وحي القرآن” بكتاب الأستاذ الشهيد سيد قطب “في ظلال القرآن”، وتأثر في منهجيته ولكن للأمانة العلمية، ان فضل الله لم يعتمد هذه المنهجية في كل تفسيره، بل أبان للقارئ أن فيه شيئاً من فكر سيد قطب، ونجد في هذا التفسير أيضاً أن السيد فضل الله كان متأثراً بتفسير الإمام الطاهر بن عاشور، وهذا كان واضحاً لدى السيد فضل الله الذي كان أديباً وشاعراً ومهتماً بعلوم اللغة، فقد أعطى لكتابه بروزاً أدبياً واضحاً، فأراد من تفسيره هذا بأن يكون صاحب صناعة خاصة به، ومع ذلك، وطعّم الكتاب بروايات الإثني عشرية، وأخذ من كتب تفاسير السنّة، لكن مع الأسف تلك الروايات لم تكن محققة.
*سيد قطب: (سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي كاتب وشاعر وأديب ومنظر إسلامي مصري، مؤلف كتاب في ظلال القرآن، 1906 – 1966).
*الطاهر بن عاشور: (محمد الطاهر بن عاشور عالم وفقيه تونسي، من أشراف المغرب، 1879 – 1973).
وهذا أمر لاحظته لدى معظم علماء المذهب الشيعي، أنهم لا يولون عناية في مسألة التحقيق، بالتالي، تفسير “من وحي القرآن” هو تفسير جيد جداً وشخصياً أحبه كثيراً، لكن من المآخذ عليه قضية التحقيق التي افتقر منها، وربما هذا أمر يعود للثقافة الحوزوية، لكن بحكم منهجي الخاص، أولي التحقيق عناية كبيرة خاصة فيما يتعلق بالحديث الشريف، يجب أن يكون السند حاضراً، من خلال علم الجرح والتعديل، وعلم الرجال، وقواعد مدرسة أهل الحديث التي أذكرها مراراً وتكراراً، خاصة وأن تفسير القرأن بالمأثور، اعتماداً على ما جاء في القرآن نفسه من البيان والتفصيل لبعض آياته، وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، وما نقل عن الصحابة والتابعين، والاعتماد فيه على الرواية الثابتة، فالمعروف أن أهم القواعد التي يجب أن تتوفر في شخص المفسر، أولاً، إحاطته وإلمامه بلغة العرب ولهجاتهم ولسانهم (النحو والصرف واللهجات والكلمات والألسنة أي الحروف)، وثانياً، إحاطته وإلمامه بتفسير النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتفسير صحابتهم والتابعين، أي يجب على المفسر أن يكون محيط وملم بما نقل بسندٍ صحيح وثابت عما سبق ذكره، وثالثاً، أن يكون المفسر من رواد العلوم النقلية والعقلية، ومجاز أو مرخص له، أو مشهود له، في الكفاءة بالعلوم النقلية والعقلية، لأن تفسير القرآن أساساً يستند إلى فهم لغة العرب كما أشرت سابقاً، وفهم المنقول عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعن الصحابة والتابعين، والمفسر يجب ان يكون صاحب عقلية راجحة مشهود له ببراعته في العلوم العقلية التي هي “المنطق والفلسفة والحكمة”، ونعلم أن من أشهر التفاسير (جامع البيان للإمام الطبري، تفسير القرآن العظيم لابن كثير، روح المعاني للآلوسي، البحر المحيط لأبو حيان الأندلسي، وغير ذلك)، فنسخ التجارب القديمة لا يكفي، على الرغم من غزارتها وعمقها ومنهجيتها العلمية والاهتمام بأدق التفاصيل لغوياً ونحوياً وصرفاً والتفسير بالمأثور والتفسير بالرأي، لأنها أمانة بكل بساطة، أمانة قرآنية، لذلك تجد لها مئات الآلاف من الطبعات ومئات التحقيقات.
*الإمام الطبري: (أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري، إمام المفسرين، 224 هـ – 310 هـ).
*الإمام الآلوسي: (محمود شهاب الدين أبو الثناء الحسيني الآلوسي، مفسر، ومحدث، وفقيه، وأديب، صاحب تفسير روح المعاني، 1217 هـ – 1270 هـ).
*أبو حيان الأندلسي: (حمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الغرناطي أثير الدين أبو حيان الجياني الأندلسي النحوي، 654 هـ – 745 هـ، صاحب تفسير البحر المحيط).
لكن ربما البعض لا يعرف التعامل مع هذه الآلية، وهنا لا أخصص المذهب الشيعي بل هذا ينطبق على كل ما يخلو من التحقيق، إنما من واجبي التنبيه عليه، لكن بالمجمل هو أفضل تفسير قرآني في العصر الحديث كما أشرت بعد كتاب تفسير الميزان للطبطبائي.
تفسير من وحي القرآن من أهم الكتب، فيه استشهادات جميلة وقطع أدبية جميلة وأشعار وروايات غير محققة التي أكرر أهميتها، ولكي يبقى هذا الكتاب في القمة على العلماء الجهابذة خاصة من تلامذته تولي مسألة تحقيقه وتدعيمه ليخرج سفراً متكاملاً عظيماً.
السيد محمد حسين فضل الله كان عالماً ومن أفضل علماء لبنان في المذهب الإثني عشري، لكن ودون خوض التفاصيل يمكن القول عنه إنه: “كان عالماً بين جهّال”، لقد كان شفّافاً رقيقاً ومنفتحاً على الآخر، وعلى التوجهات الفكرية والسياسية والثقافية، فكان خير علماء لبنان، لا يقبل بالخرافات وليس لديه غلو محبوب من الجميع، رغم تحفظات البعض في إظهار ذلك، فلبنان متعدد المذاهب، والسيد كان فاهماً للشارع اللبناني وللمكونات اللبنانية، لذلك نجد خطابه كان موجهاً للإنسان، وهذا أجمل ما به، العلامة السيد محمد حسين فضل الله رجل نادر بكل ما للكلمة من معنى، وفي تفسير كلام الله الجميع واحد، يلتغي التمذهب والتحزب في حضرة القرآن الكريم.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.