عاد العمانيون من زنجبار بقلوب منكسرة على فقدان الفردوس المشعشع مطرا وغيما وقرنفلا ونارجيل.
يتحدثون عن ثورة غير نظيفة.
وعن ثوَّار لا يتحلّون بقيم الثوَّار.
وعن زنجبار بستان إفريقيا الذي طرزه السلاطين قصورا وشوانب وجوامع ومعاهد.
عادوا بالقليل من “الشلنجات” وبأطنان من الحسرة والتفجع على وطن ينسحب من الجغرافيا ليستقر في متاهة الحلم , بعد أن استبدل اسمه وبيارقه وسلاطينه وعملته وحتى طوابع بريده.
وبعكس كل العائدين من الفردوس الإفريقي كان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي يرى أن عودته جاءت متأخرة , فكان يتعشق منذ طفولته العودة قبل أن يهشم الإنقلابيون وجه زنجبار , وكانت نزوى المزدانة بالإمام الرضي محمد بن عبدالله الخليلي هي فردوس الدنيا بالنسبة إليه .
ومن حارة (الفنسة) بريف زنجبار الممرعة بطفولته كان يتطلع للإلتحاق بالمعهد الإسلامي بفرضة زنجبار ليكون قنطرته إلى معهد الإمام الخليلي في نزوى.
إلا أن المسافة بين الفنسة والفرضة حالت دون التحاقه بالمعهد لصعوبة قطع المسافة بقياسات الطفولة في تلك الأزمان ، فتباعد معهد الفرضة واستطال الطريق إلى نزوى.
ولما شب عن الطوق كسر بشوقه لنزوى كل المسافات فتصاغرت خطوط الطول والعرض بين نزوى وزنجبار ، رغم توزعهما على قارتين .
وكان الشيخ أحمد الخليلي على خط عودته على النقيض من كل العمانيين ، فقد جاء يسبقه شوقه إلى عمان عطر الأئمة والسلاطين ، ومرتع الملائكة السباحة بين ألف محراب وألف قبر .
لم يكترث الشيخ بقرنفل إفريقيا وشوانبها وقصورها فجاء يحمل رزما من الكتب بدلا من رزم الشلنجات , وأماني كبار لعمان بدلا من الحسرة والتفجع على وطن ضيعه أهله .
وفي الطريق من شطآن عمان حيث رست سفينته الى بهلا التي تنتظره مرت السيارة التي تحمله و أسرته بنزوى فرأى الشهباء لأول مرة بعنفوانها الذي تعملق في الوجدان وتضخم في صفحات التاريخ.
وسار بمحاذاة جامع نزوى الذي عطر الأزمنة العمانية طويلا ، فكانت البلدة التي سمع عنها في معتكفه الزنجباري البعيد هاهي بحيويتها وابهتها وبذخها تتحرك أمام ناظريه .
الرجال والعمائم واللحى.
والأذان الذي يشعشع من الجوامع وهو يحمل أنفاس الصلحاء والأخيار .
والافلاج التي تسبِّح بخريرها .
والنخيل التي تتبتل في عرصات مغزولة بالأئمة والسلاطين .
إنها نزوى إذن ، بيضة الاسلام وعطر الملائكة وسجادة الصلاة وهو يراها في اول ارتطام له بدهشة المكان .
ثم واصل مسيره إلى بهلا فكان يتمهل في المشي فالأديم يعبق بأجساد آبائه.
وبعد أن حط رحاله في أواخر جمادى الثانية من سنة ١٣٨٤ للهجرة بالخضراء ببهلا اتجه بصره إلى المسجد المسمى بالرفيع فأقام أولى حلقات الدرس به.
وقدر الله لحلقات الدرس تلك أن تتسع يوميا لتبعث من هناك أول رسالة إلى مسقط التي تنتظره على أفضل ميعاد رتبه التاريخ لصناعة نزوى جديدة تحمل الكثير من عطرها والكثير من بهاء عمائمها فاستدعاه السيد أحمد بن إبراهيم ناظر الشؤون الداخلية ليبلغه بأمر جلالة السلطان سعيد بن تيمور بتعيينه مدرسا بمسجد الخور .
وهكذا ولدت نزوى جديدة تحت سفح الميراني بمسقط وتحت عناية قصر العلم.
وبدأت عمان التي كانت تخب النياق بفلذات أكبادها إلى مدرسة الإمام الرضي محمد بن عبدالله الخليلي في نزوى تتسابق بهم السيارات إلى مسقط , وإلى خليلي آخر هو الشيخ أحمد الذي يتحدر من نسل الخليل بن شاذان فقذفت به إرتدادات الثورة السوداء بزنجبار ليشرق بإطلالته النيرة على عمان .
و ليعيد إليها ما افتقدته من زهوها ومن رونق أيامها .
وكما كان الشيخ احمد الخليلي ينتحب على رحيل الإمام الخليلي ويتساءل من سيعلمني بعد موته , هاهو يعود إلى عمان لا ليتعلم عند الإمام الخليلي بل ليعلم طلاب الإمام الخليلي ، وليزاحم وباقتدار قامات بطول الإمام الخليلي .
وجاءت عودة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي التي بدت متأخرة في تقويم أمانيه ، فهي في موعدها في تقويم إحتياجات عمان رغم أن عمان كانت في فترة وصول الشيخ لا تزال تتلألأ بالمئات من العلماء الأعلام .
إلا أن هزات الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين جففت المنابع وقللت مساحة الإهتمام بنشر العلم والمعرفة . فالمضيرب والقابل تبحثان عن المحتسب الذي تحج له عمان فلم يأت.
ومساجد بدية تتحرق شوقا (لسالمي جديد) يشع بعلمه فلم يص .
ومعهد الشيخ أبو زيد الريامي أوصد أبوابه في بهلا منذ أربعينيات القرن العشرين ولم يفتح .
ومعهد نزوى تصدع جراء الحرب وتفرق الطلاب أيدي سبأ فلم يرمم .
والعلامة حمد بن عبيد السليمي تجاوز عتبة المائة فغادر مسجد الخور إلى معتزله السمائلي.
والشيخ ابن جميل يزحف نحو الكهولة.
والشيخ محمد بن سالم الرقيشي لا يزال يضيء زنازين الجلالي مع كوكبة من العلماء والصلحاء.
وأبعدت السياسة بعض القامات العلمية عن منبر رسول الله ونشر رسالة العلم.
وانشغل سيدي الوالد والمشايخ ابراهيم العبري ومحمد بن شامس البطاشي ومحد بن راشد الخصيبي وسعيد بن خلف الخروصي وابراهيم بن سيف الكندي وهاشم بن عيسى الطائي وغيرهم من العلماء بمهام القضاء .
وفي هذا الجو الأسود إفريقيَّا ًوالمضبب عمانياً أطل الشيخ أحمد بن حمد الخليلي ليسطع في أفق عمان.
ولتستعيد مسقط السياسية مكانة نزوى الدينية.
ولينهض مسجد الخور برسالة جامع نزوى محققا مقولة الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري ” أن علمنا يتضاءل أمام علم الشيخ أحمد الخليلي “.
ومحققا نبوءة الشيخ القاضي هاشم بن عيسى الطائي حين علم أن الشيخ أحمد بهذه المرتبة من العلم وهو في عشرينيات عمره فقال الشيخ هاشم “وكيف سيكون حاله عندما يبلغ الأربعين ” ؟.
وفي هذا الجو ايضا كان لقاء الوالد بالشيخ أحمد الخليلي , إذ كان جلالة السطان سعيد بن تيمور قد أصدر أمرا بنقل الوالد من بدبد حيث كان واليا وقاضيا بها الى مسقط ليتقلد القضاء بمحكتها الشرعية في عودة جديدة لها فتجاورا معا ، إذ لم تكن تبعد المحكمة الشرعية بقصر العلم حيث يعمل الوالد عن مسجد الخور حيث يعمل الشيخ أحمد إلا خطوات .
وكان الوالد قد إستدعى ولديه الهلال والبدر من غربتهما الخليجية ليلتحقا بمعهد هذا الكوكب الساطع في أفق عمان فلبيا الأمر والتحقا بمسجد الخور وارتبطا بسماحة الشيخ الخليلي برباط تسامى على رابطة الطلاب بمعلمهم .
وكما رأى فيه العلماء علامات سطوع إسم كبير كان سيد عمان حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم حفظه الله ورعاه يرى فيه اكثر مما رأوا ، فامر بإسناد مسؤولية الإفتاء إليه بعد شغور هذا الموقع بموت الشيخ الرضي إبراهيم بن سعيد العبري في حادث سير مروع .
وقد توافرت للإختيار السامي الكثير من الاستحقاقات فهذا الطود الأشم الذي اشرق في التاريخ العماني والعربي والإسلامي هو من العلماء الموسوعيين المجددين للفقه . وممن فتح الله عليهم عوالم واسرار القرآن ففسره تفسيرا لا يكرر ما سبقه ومن سبقه ، بل يستنبط من كنوزه ما فاتهم معرفته فأهدى المكتبة الاسلامية أحد أهم كتب التفسير .
وقد استقبل الناس أجزاء هذا التفسير قبل أن تصدر وتتداول مطبوعة فاستجلوا معانيها بصوت الشيخ الخليلي في حلقات الدرس التي دأب على عقدها بجامع السلطان قابوس بروي ومن تسجيلات تلفزيون سلطنة عمان وأشرطة مكتبة الإستقامة.
كما تبحر في علم الحديث فساعده لأن يبطل الكثير من مفخخات الخصوم الذين جعلوا من الأحاديث الموضوعة والضعيفة مطية المحاججة.
والشيخ الخليلي من اللغويين الكبار الذي تعشقوا لغة القرآن فخاض لجج نحوها وصرفها وبيانها وبديعها.
وعرف عنه ولعه بشعر العرب جاهليه وحديثه.
ورغم عدم قرضه للشعر الا انه كان أخبر بالشعر من كثير ممن علقوا على أستار الكعبة يتيمات الدهر .
وما كثرة استشهاداته بأبيات فحول الشعراء إلا أمثلة ناصعة على أن الشعر يجري في عروقه مجرى الدماء ، فما سُمِعَ الشيخ الخليلي متحدثا في جلسة أو خطيبا من على منبر إلا وكان الشعر بعد القرآن والحديث بين أكثر استشهاداته وبه يوصل أفكاره ، وبمضمونه يبلغ رسائله ، وبسحر بيان الشعر يحاجج ويجادل.
ولم يقتصر ولع الشيخ بالشعر كأحد رواته بل كان ناقدا للشعر ومنظِّرا له ، وتجلى ذلك في اختياره لعضوية لجنة تقييم قصائد العمانيين في أول مسابقة شعرية في السلطنة منتصف سبعينيات القرن الماضي حيث كان كأحد أكثر الأعضاء حضورا في اللجنة كناقد يرجح بين جمال الاستهلال وروعة التصوير وذكاء الاستعارة ورقة المفردات وجزالة الألفاظ.
ولم يكن التاريخ ببعيد عن اهتماماته فكان ممن درس تاريخ العرب فتعطرت حياته بالسيرة النبوية الطاهرة وسير آله وأصحابه ، ثم امتلأ قلبه قيحا من العهد الأموي كما عبر عنه في كتابه الاستبداد ، ثم تجددت روحه بتاريخ عمان المعطر بالاسلاف العظام ، فكان الشيخ كثير الاستشهاد في أحاديثه بمآثرهم وآرائهم الفقهية.
وتمثل إطلالته الاسبوعية من فضائية تلفزيون سلطنةً في برنامج سؤال أهل الذكر حصة دراسية معمقة تستأثر باهتمام الصغير والكبير حيث يتجلى فيها ثراء العالم الموسوعي وحنان الأب الموجه وهو يجيب على أسئلة المشاهدين من عمان وخارجها.
ورغم الموقع الهام الذي يمثله في الدولة إلا أن ذلك لم يشغله عن مد قطيفة من الوشائج الاتسانية وهي قطيفة تتسع يوميا ولا تضيق رغم التقدم في السن ، فلم يعرف عن الشيخ أحمد أنه رد سائلا قصده ليعقد قران ابنه وإن بَعُدَ المكان مئات الكيلومترات من سكن الشيخ إلا اذا تعارض الموعد مع مهمة عمل أو سفر أو مرض عارض ، فكان في كل أسبوع يتجشم عناء الذهاب لمسجد ليعقد قران شاب في هذه الولاية وتلك .
ولا يكاد يمر يوم إلا ويتواجد في بيت أو مستشفى ليعود مريضا أو يعزي أسرة مواساة لها في فقيدها .
ومع تعاظم رصيده في الداخل كان يقابله الرصيد ذاته في الخارج فقد أحب الناس عمان كما شكلها سيدها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم حفظه الله ورعاه كدولة اعتدال ووسطية وتسامح وتعايش ، وهي قيم تستسقى من منبع الاسلام فاستطاع الشيخ احمد الخليلي من موقعه في الإفتاء أن يمثل (عمان قابوس) خير تمثيل ، فالتفت الخارج إلى عمان وإلى سلطانها وسياسته الحكيمة.
ويذكر الناس للشيخ احمد الخليلي أنه على عكس الكثير من القامات الدينية في الخارج التي تتلون بالسياسة وتبحث لها عن موقع تحت أضواء السياسة كان الشيخ معبرا أصدق تعبير عن سياسة سيد عمان الثابتة ثبوت شوامخ عمان ،فالشيخ كثير التألم لما تشهده ديار الإسلام من فرقة وتشتت وانقسام وبعثرة وتنازع وبغضاء.
وقد وقعها كل ذلك في شر الفتن وجر إليها الويلات والمحن ، وترتب عليها سفك الكثير من الدماء وزهق الارواح البريئة فيما العدو يجثم على مقدسات المسلمين و يتفرج ويشمت في أمة (واعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا) .
وحين أحيت غزة احتفالا بانتصاراتها بالدوحة بحضور خالد مشعل وعدد من العلماء والساسة لتأبين الشهداء كان الشيخ الخليلي أكثرهم بكاء حتى من القادة الغزاويين.
وعودة لعلاقة الوالد بالعلامة الشيخ أحمد الخليلي فأنها علاقة ارتوت من الكثير من هذه المشتركات بينهما فكان الوالد هو الآخر ذلك الطود الأشم والعالم العامل الجامع الموسوعي الذي وضع اسمه على أكثر من ثمانين كتابا في الفقه والتفسير والحديث واللغة والشعر والتاريخ والأنساب.
وفي كل فج سلكه الوالد اخضوضر واعشوشب ، وكل مرتقى ارتقاه بلغ قمته ، وكان له دوما القدح المعلى .
وكما بدأ الوالد حياته مدرسا ببوشر ثم جمع القضاء والتدريس بحصن نخل كان الشيخ الخليلي على نفس الدرب كمدرس ببهلا ثم بمسقط.
وقد ازدانت الفترة من منتصف ستينيات القرن العشرين وحتى العام الثالث من تسعينيات نفس القرن بتفاصيل هذه العلاقة بين القطبين النيرين الوالد والشيخ الخليلي فجمعتهما لجنة تحقيق التراث بوزارة التراث فانهمكا معا لمراجعة العديد من كتب المذهب والكتب التاريخية ، وخرجت من هذه اللجنة المباركة العديد من العناوين التي تمثل اليوم مفاخر المكتبة العمانية.
كما جمعت الوالد والشيخ الخليلي الكثير من المهام العلمية حيث اشتركا في عام ١٩٨٦في عضوية اللجنة الوطنية العمانية لمشروع السلطان قابوس للاسماء العربية , حيث قدما المشورة لفريق العمل الذي ضم عددا من الأساتذة العمانيين والأساتذة من عدد من الدول العربية .
وحضرا حفل تسليم العمل في نسخته النهائية للمقام السامي في احتفال ببيت البركة العامر .
كما تناوبا ارتقاء منابر الجمعة والعيدين بمسجد الخور ليؤما المصلين بحضور صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم حفظه الله ورعاه وكبار رجال دولته .
كما جمعتهما مهام عمل داخل وخارج عمان فزارا معا المملكة العربية السعودية وشملت العديد من مدنها وعلى رأسها مكة والمدينة الى جانب الرياض والظهران والدمام والطائف ،
واجتمعا إلى ملكها خالد بن عبدالعزيز ووزير الدفاع سلطان بن عبدالعزيز وكبار رجال الدولة السعودية وتباحثا مع كبار علمائها وعلى رأسهم الشيخ بن باز فيما ينفع البلاد والعباد وذلك قبل ان تتصاعد الأمور بين الشيخ الخليلي والشيخ بن باز في اللقاء الذي جمعهما بعد ذلك بعامين .
واشتركا معا في في العشرين من رجب ١٣٩٧ للهجرة الموافق السابع من يوليو من عام١٩٧٧ للميلاد في الحكم على أحد الولاة الذي تهجم وتطاول على قضاة المحكمة الشرعية فتشكلت لجنة قضائية من الوالد والشيخ أحمد الخليلي للنظر في الأمر فيما يعرف اليوم بإهانة المحاكم .
كما تشاورا في كثير من الأمور التي تهم البلاد والعباد حيث درج علماؤنا التشاور رغم طول باع كل فرد فيهم ، فكانت اسئلتهم تخب بها الركبان بين بلدان عمان بغرض ازدياد المعرفة والتوثق من الامور فما خاب من استشار
كما جمعتهما عضوية لجنة الأهلة المناط بها تحديد مطالع شهري مضان شوال وإصدار الحكم الشرعي ببدء وختام شهر رمضان الفضيل.
وحملا مشعل التنوير معا فبينما كان الشيخ يعقد حلقة الدرس بجامع السلطان قابوس بروي كان الوالد بعد أن ترك القضاء يعقد حلقة درس أخري على بعد أمتار بمسجد عبدالرضا سلطان ليتكاملا في الرسالة والهدف.
وكما عطر الشيخ الخليلي الأفق بإجاباته المسجلة كان الوالد قد ملأ الأفق قبل ذلك بسنوات حيث تزخر مكتبة الإذاعة وموقع اليوتيوب بهذه التسجيلات .
وقد احتفى الشيخ أحمد بكتب الوالد وعبر عن غيرته لنظرة الآخرين إلى كتب علماء المذهب مستشهدا في كتابه الإستبداد بكتاب الوالد إسعاف الأعيان في أنساب أهل عمان والنظرة المذهبية الضيقة تجاهه وتجاه بقية كتب المذهب .
وفي مسيرة حياة الوالد والشيخ الخليلي الكثير من الرسائل المتبادلة بينهما.
إلا أن أرشيف الوالد تداعى وتصرمت الوثائق كما تصرمت الأعمار والأياملعدم توفر الحس التوثيقي لدينا في الإحتفاظ بكنوزه , وما بقي إلا النزر اليسير اليسير اليسير .
وقد كان الشيخ أحمد في تواصل مع الوالد حتى آخر أيامه.
وكان أول الواصلين لبستانه السمائلي حين علم بوفاته حيث تولى بمساعدة أبنائه تغسيله وتكفينه وحمل نعشه.
وأم المصلين للصلاة عليه في مسجد الشيخ خلفان بن جميل السيابي.
وسار خلف جنازته حتى ووري الثرى في بستانه المعروف بالوقيف.
والشيخ أحمد الخليلي الذي يشع في حياتنا وتاريخنا اليوم ، تأخذه الأسفار أحيانا إلى زنجبار وإلى الفنسة والى الشوانب المبخرة بالقرنفل ليتذكر الطفولة التي رتعت يوما هناك ، والرجال الذين شمخوا سواري بيارق هناك ، والقصائد التي شعشعت وعرشت هناك.
ولكن زنجبار التي يزورها الآن غير زنجبار التي خرج منها تسبقه فرحته وأشواقه إلى عمان العقر والشواذنة ورضوى والشهباء وبهلاء القلاع والاسوار،
وزنجبار جزيرة سلاطين عمان التي غادرها الشيخ في شبابه تفرش له اليوم حين يزورها السجاد الأحمر فهو يزورها ليفتتح باسم سلطان عمان مسجدا جديدا يؤم فيه المصلين لصلاة الجمعة.
ويزورها ليحاضر في معهد شيده سلطان عمان الذي يعلي اليوم اسم عمان وبيرقها في كل مكان.
واذا كان للثورة السوداء من حسنات فإن عودة الشيخ الخليلي لعمان حسنتها الوحيدة.
واذا كان الإنقلابيون بجريمتهم الشنعاء قد فرضوا الأمر الواقع على تضاريس الجغرافيا فإنهم فشلوا في تنكيس أعلام التاريخ ، فعمان تستعيد اليوم الكثير من الألق في القارة السوداء .
حمود بن سالم السيابي
مسقط في الخامس من يوليو ٢٠١٥م
يذكرني به الفيسبوك فأعيد نشره