سؤال استراتيجي وجودي مصيري كبير يطرح في الآونة الأخيرة بقوة في ظل مناخات الهبة-الانتفاضة-المواجهة الحربية الأخيرة، ومناخات التفجير الشامل المحتمل في ضوء مخططات ومشاريع الضم والسرقة والسطو المسلح التي تنفذها مؤسسة الاحتلال في المدينة المقدسة وفي انحاء فلسطين..!
كما أنه سؤال كبير مطروح على الأجندات السياسية الإسرائيلية منذ سنوات، حيث كان نتنياهو نفسه قد اعترف بأنه سيعمل على أن يطول عمر “إسرائيل” أكثر من ثمانين عامًا في إشارة إلى عمر الدولة الحشمونائية المزعومة تاريخيًا: فهل ستستمر “إسرائيل” بالوجود متجاوزة رقم الثمانين؟ أم ستختفي عن الوجود في عقدها الثامن أو ربما قبل ذلك…؟!
نعتقد بقناعة كبيرة بأن اختفاء “إسرائيل” عن وجه المنطقة والعالم أمر ممكن لو جد جد العرب وقوى النهوض والتحرر العربية، فذلك الكيان هو “أوهن من بيت العنكبوت” وقابل للانهيار والزوال فيما لو لملم الفلسطينيون والعرب أوراقهم معًا في يوم من الأيام، واستحضروا مقولة الراحل الخالد جمال عبد الناصر بأن: “هذه الأمة إما أن تكون أو لا تكون في مواجهة إسرائيل”.
إلى كل ذلك، ففي المشهد الصراعي الفلسطيني-الصهيوني المتبلور في ظل وبعد الهبة-الانتفاضة-المواجهة الحربية وتداعياتها الوجودية، تتوافر مؤشرات متزايدة متراكمة على أن ما كان قبلها لن يكون ما بعدها على مستوى المنطقة برمتها، فنحن أمام تاريخ جديد تجري صياغته، وأمام خرائط وتداعيات ومعادلات مختلفة أخذت تتسيد الشرق الأوسط، وأمام عودة بالصراع مع المشروع الصهيوني إلى البدايات، والأبرز في كل ذلك أننا أمام أدبيات ونظريات صهيونية جديدة تبعث لديهم هواجس القلق والوجود والمصير، فظهر هناك في المشهد الإسرائيلي من يطلق عليهم “أنبياء زوال- نهاية إسرائيل”.
فالمتابعة الحثيثة للتفاعلات داخل الدولة – المجتمع والمؤسسات الأمنية الفكرية السياسية الأكاديمية الإعلامية الإسرائيلية، تظهر جدلًا حقيقيًا متسعًا حول مستقبل “إسرائيل” والحركة الصهيونية، وإن كان هذا الجدل يعود في بداياته إلى ما قبل وخلال وبعد النكبة، حيث تساءل الآباء المؤسسون آنذاك حول مستقبل “إسرائيل” وشروط بقائها، ويعود كذلك إلى ما بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان، حيث كتب البروفيسور اليهودي المناهض ل”إسرائيل” يشعياهو ليبوفيتش مرة: “في اليوم السابع، اللاحق لسادس أيام تلك الحرب، ستبدأ نهاية إسرائيل إذا لم تستيقظ”.
و”إسرائيل” الشمشونية الغاشمة لم تستيقظ بالمعنى الذي ذهب اليه ليبوفيتش، بل تمادت وذهبت أبعد وأبعد عميقًا في سياسات التطهير العرقي والتوسع والاستعمار الاستيطاني وفي سياسات إلغاء الآخر بالقوة الغاشمة، ما أجج عمليًا الصراع وإعادة إلى بداياته، وما كرس مفاهيم وقناعات فلسطينية-عربية راسخة في الوجدان والثقافة العروبية بأن الصراع وجودي واستراتيجي و”إما نحن وإما هم”.
وفي الجانب الآخر كذلك باتوا من جهتهم، في المجتمع الصهيوني يجمعون إلى حد كبير على “أن إسرائيل تقاتل على وجودها واستمرارها”، ما يثير الرعب الوجودي لديهم بين آونة وأخرى، فتحولت “إسرائيل” إلى ما يمكن أن نسميه “دولة الأزمات الوجودية”، وتحولت كافة العناوين لديهم إلى عناوين وجودية ترتبط ارتباطًا جدليًا بأمن ووجود ومستقبل “إسرائيل”، بل أصبحوا يحولون حتى الجزئيات إلى قضايا رئيسية تتعلق بامن ووجود الدولة.
بالاعترافات والشهادات والوثائق وهي كثيرة جدًا، فإن “إسرائيل” قابلة للهزيمة والاندحار والانهيار، وقابلة لأن تختفي عن وجه الأرض في عقدها الثمانين أو قبل ذلك، وما على أمتنا وشعوبنا سوى النهوض والاستعداد، كما أن المشكلة لدينا تكمن في دولنا وأنظمتنا وسياساتنا الرسمية التابعة والمتواطئة والمهزومة والمنبطحة تطبيعيًا إلى مستوى خياني لم يحلم به أحد..!
نواف الزرو – كاتب صحفي وباحث خبير في شؤون الصراع العربي – الصهيوني .