في 4 إبريل 1985 نشرت مجلة العقيدة العُمانية حوارًا مع الإعلامي زاهر المحروقي عن برنامج “البث المباشر” الذي كان ملء السمع والبصر آنذاك بصفته أكثر برنامج متفاعل مع جمهور مستمعي الإذاعة العُمانية، وكان المحروقي هو المشرف العام على البرنامج. من ضمن أسئلة الحوار طلب منه الشاعر مبارك العامري – المحرر الثقافي والفني في المجلة حينها- هذا الطلب: “نودُّ أن نستعرض معًا بعض الأسماء الموهوبة التي ظهرت من خلال البرنامج”، وكان العامري يقصد الحلقة الثقافية من البرنامج التي كانت تبث كل أربعاء. ذكر زاهر في إجابته عدة أسماء منها: “ليلى بنت حارب، من المواهب الشابة التي تبشر بالخير في مجال الشعر، ولكن الشيء الذي لاحظتُه من خلال تقديمي لحلقة الأربعاء أنّ طابع التشاؤم يسيطر كثيرًا على كتابات ليلى الشعرية، وقد دعوتها مرارًا إلى التفاؤل. وحتى الآن لا أدري النتيجة”.
النتيجة هي أن ليلى حارب صارت بعد سنوات قصيرة زميلةً لزاهر في الإذاعة العُمانية، ومن أكثر موظفي الإذاعة الذين يبثون روح التفاؤل والطمأنينة في نفوس زملائها، وتدرجت في الوظائف من مسؤولة الأخبار المحلية إلى مذيعة، فمتخصصة في برامج الأسرة والطفل، حتى بات كثير من أطفال عُمان أصدقاءها الذين لا يحلو لهم مخاطبتها إلا “ماما ليلى”. وبات زاهر المحروقي أخاها الأكبر الذي تبثه همومها، وأذكر أنه كتب عنها في كتابه “سارق المنشار” حكاية ذات مغزى سردتها له ليلى في 22 فبراير 2017، وقد ذكر هذا التاريخ بالذات لأنه في اليوم نفسه طلب منه زميلٌ متدين لهما –ليلى وزاهر- الخروج ثلاثة أيام في سبيل الله. يقول المحروقي: “الزميلة ليلى بنت حارب، كانت تحكي لنا قصة رحلتها إلى “مكران” لأولِّ مرة وبمفردها، حيث بنَتْ هناك بتوفيقٍ من الله مسجدًا، إذ جمعت ليلى التبرعات من الناس، وشرحت لنا كيف هي الظروف صعبة في مكران، وكيف أنّ الناس محتاجون إلى المصاحف ولا يجدون. وتناولت ليلى الأوضاع المعيشية الصعبة، حيث لا كهرباء ولا ماء، وكيف أنها مرضت بسبب كثرة البعوض. إلا أنّ الشيخ (يقصد زميله المتدين) لم يعلق على كلّ ذلك، وكنتُ أقول لنفسي إنّ ما تحكيه لنا ليلى الآن هو مغامرةٌ فيها كلُّ عناصر التشويق، وربما تفوق مغامراتِ بعض أعضاء جماعة الدعوة بكثير، ولكن بما أنّ جهد ليلى كان جهدًا فرديًّا لا يمتّ إلى جماعة الدعوة بأيّ صلة، كان السكوت عنه هو الأولى. وكان من رأيي الذي رددتُه للشيخ أكثر من مرة هو أنّ أيَّ جهد لخدمة الإسلام فهو مشكور ومحمود، سواء كان فرديًّا أم جماعيًّا، سواء كان بالحال أم بالمال؛ فهناك من خدم الإسلام والمسلمين أضعاف ما خدمته جماعة الدعوة، ولا ينبغي أن يُنسى ذلك”.
قبل عدة سنوات أصيبت ليلى حارب بالسرطان، لكنها هزمته وشُفِيتْ منه، بقوة إيمانها بالله، وروح التفاؤل الغالبة عليها. ظلت هذه الروح عنوان ليلى في الحياة تبثها المحيطين بها حتى وهي في إصابتها الأخيرة بمرض كورونا، هذا المرض الذي انتصر عليها في النهاية. تغمدها الله برحمته الواسعة.
سليمان المعمري
جريدة عمان. عدد الأحد 4 يوليو 2021.