تتسرب بين آونة وأخرى من أرشيف الجيش الإسرائيلي بعض الوثائق الخطيرة المتعلقة بالمجازر وجرائم الحرب التي اقترفها جنود وجنرالات ذلك الجيش منذ عام 1948 على مختلف الجبهات العربية، وأحدث وثيقة في هذا السياق كانت حول فضيحة إحراق وقتل الجنود المصريين، وقد تحدث الضابط الإسرائيليّ السابق الجنرال المتقاعد زئيف بلوخ والشاهد على مجزرة حرق حوالي 80 جنديًا مصريًا من جنود الصاعقة المصريين بالقرب من القدس إبان حرب 1967، تحدّث عن تفاصيل المعركة وقال: “لقد قمنا بدفن أمورٍ مكروهةٍ، وتستّرنا على القضيّة، مثلما نتستّر على أمورٍ كريهة”، وأضاف في حديثٍ أدلى به لمركز (عكيفوت)، وهو معهد لبحث الصراع الإسرائيليّ-الفلسطينيّ”، إنّ الجنود المصريين دخلوا للمنطقة دون تخطيط مسبق ولم يكن لديهم أيّ خرائط للمنطقة صحيحة، ولم نكن نعلم بوجودهم”، وأشار العسكريّ السابق، وهو من مؤسسي مستوطنة (نحشون) التي نفذّت فيها المجزرة الرهيبة بحقّ الجنود المصريين، أشار إلى أنّه “في يوم المعركة تحركت قافلة دبابات إسرائيلية، وفوجئت بضربات مقذوفات من طراز “آر بي جي” مباغتة في الليل”، وتابع قائلاً: ”في صباح اليوم التالي علمنا بوجود مجموعة من القوات التابعة لدولة أخرى تهجم علينا”. واختتم مؤكدا: “أحرقنا جثث الجنود المصريين وحفرنا حفرةً كبيرةً ودفنّا القضية مثل المكروهات -وكالات- الثلاثاء 12 يوليو 2022”. وكذلك تلك الشهادة التي جاءت في صحيفة “يديعوت أحرونوت الجمعة 18-2-2012، حول مجزرة بشعة اقترفها جنود سلاح المظليين الإسرائيليين بحق عدد من جنود المشاة في الجيش المصري عام 1955، داخل مخيمهم في قطاع غزة على يد الجنرال أهارون ديفيد الذي توفي قبل أيام-84 عاما-.
فلأول مرة كانت كشف النقاب عن خرائط تنفيذ العملية التى لُقبت في حينها باسم “عملية السهم الأسود”، التي قادها نائب قائد “كتيبة الانتقام” أرئيل شارون يوم 17 آذار عام 1955، عندما فاجأوا القوات المصرية في مخيمها، وقالت يديعوت إنه بعد 57 عامًا من العملية الانتقامية الإسرائيلية، توفي منذ عدة أيام صاحب عملية “السهم الأسود” في شمال قطاع غزة، وأوضحت يديعوت أن عملية “السهم الأسود” في أرشيف الجيش الإسرائيلي، تعد من أهم العمليات وأنها فرضت من قبل شارون وديفيد للرد على أعمال المخابرات المصرية. وقال شارون “الهدف من هذه العملية هو دخول معسكر للجيش المصري في قطاع غزة وقتل جميع الجنود وتفجير كل الأسلحة والقنابل الموجودة فيه وتخريب منشآته بالكامل حتى تتم العملية بنجاح”.
وحول الخسائر البشرية فى صفوف الجنود المصريين قالت يديعوت إن الكتيبة الإسرائيلية قتلت الجميع حتى الجرحى منهم ولم تترك أحدًا على قيد الحياة كما قامت بتفجير المعسكر بالكامل وأن قوات المظليين الإسرائيليين، نجحوا في تفعيل عنصر المفاجأة في الدقائق القليلة الأولى، وكشفت الصحيفة: أن العملية قام بها خمسة من قادة سلاح المظليين كان على رأسهم السفاح ديفيد، بالإضافة إلى قوة ثالثة بقيادة مات دانى، بالإضافة لديفيد بن اليعازر الذي شغل منصب رئيس هيئة الأركان بالجيش الإسرائيلي عام 1973 وانضم بعد ذلك لقيادة شارون من قسم التدريب فى هيئة الأركان العامة.
ويذكر في هذا السياق أن الجنرال احتياط بنيامين بن اليعازر كان اعترف بمجزرة كبيرة بحق الجنود المصريين في حرب عام 1967؛ فحينما تكشف الوثيقة الأولى عن المجزرة بحق 80 جنديًا مصريًا وتكشف الوثيقة الثانية عن تلك المجزرة المقترفة بحق الجنود المصريين عام 1955. وحينما يعترف الجنرال بن اليعازر على رؤوس الاشهاد باقتراف عملية قتل جماعية في حرب 1967 وبـ :”قيام وحدته “شكيد” بقتل 250 جنديًا عام 67، مبررًا ذلك بأنهم فلسطينيون وليسوا مصريين”. وحينما يوثق لنا فيلم وثائقي بثته القناة التلفزيونية الإسرائيلية الأولى، حيث تناول كتيبة “شاكيد” التي كان يقودها بن اليعازر والمسؤولة عن تنفيذ المجزرة بحق الجنود المصريين الذين نفدت ذخيرتهم/كما نشرت يديعوت أحرونوت”، وأوضحت الصحيفة “أن بن اليعازر تحدث ببرود عن مطاردة جنود “شاكيد” للجنود المصريين العزل في سيناء بعد انتهاء المعارك وقاموا بقتلهم”…. وحينما يشهد عبد الرحمن قادوس – أحد الأسرى المصريين لدى الجيش الإسرائيلي في حرب أكتوبر 73 والذي تم تحريره لاحقًا “أن الفيروس الكبدي الوبائي “C”صناعة إسرائيلية وتم حقنه للأسرى المصريين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية”، مؤكدًا “أن أعراض المرض ظهرت على جميع العائدين من إسرائيل/عن الحقيقة الدولية”…. وحينما يؤكد يوسي سريد رئيس حركة ميرتس والوزير الإسرائيلي السابق في تصريح للأهرام القاهرية بـ “أن قتل الجنود المصريين خلال حربي 56 و67 هو جريمة حرب لا يسري عليها التقادم/ عن هآرتس”….
نقول حينما تتجمع مثل هذه الاعترافات والوثائق، فإنها تضاف إلى جملة أخرى طويلة من الشهادات والوثائق ومن ضمنها شهادات ضباط آخرين في الجيش الإسرائيلي في مقابلات أجريت معهم والذين قاموا بالكشف عن المجازر التي نفذت ضد جنود مصريين في العام 1956 وفي العام 1967، فإنه لا يبقى عمليًا سوى أن تتحرك الحكومة المصرية، وان تتحرك العدالة الدولية /الغائبة المغيبة حتى اليوم/ وان تتحرك محكمة الجنايات الدولية الفعَّالة على جبهات أخرى غير الجبهة الإسرائيلية…!
نواف الزرو