عمّان، في 23 أغسطس/ العمانية/ تختطّ الفنانة التشكيلة الأردنية رنا حتاملة طريقها
الخاصة في الرسم، إذ تحرص على إنتاج لوحات تتفاعل مع مدارس فنية متنوعة، مع
إضفاء بصمتها الخاصة عليها.
إذ يمكن للمتأمل في أعمال حتاملة التي درست الفن في كلية الفنون الجميلة بجامعة
اليرموك، أن يجد الأسلوب التعبيري في عدد من اللوحات، وفي أخرى يتجه الرسم نحو
الواقعية، وفي مجموعة ثالثة يظهر التأثر بالتكعيبية، وفي رابعة تتبدى الملامح السريالية،
وفي خامسة تبرز الواقعية منهجًا فنيًا.
وعلى هذا النحو، لا تحصر حتاملة نفسها في إطار أكاديمي محدد، بل تسعى للتحرر من
القيود والمحددات وإنتاج أعمال تلامس الواقع وتعبّر عن قضاياه وتتناول جوهره القائم
على الفوضى والتداخل والتمازج.
ويتجلى البحر بطقوسه وأجوائه في عدد من لوحات حتاملة، كما تتتبّع بعض رسوماتها
سلوك الحوت وحركاته المختلفة، مع محاولة لأنسنته بطريقة مركبة، للتعبير من خلال
ذلك عن قضايا تشغلها، كما في مجموعة لوحاتها التي يقفز فيها الحوت نحو ماء داكن
ملوث، وكأنها تدين ما أحدثه البشر من تلوث في الطبيعة.
ومن ناحية أخرى تتجلى ثيمة التواصل الإنساني مع الطبيعة في اللوحات التي أنجزتها
الفنانة بالأبيض والأسود، حيث تحضر في هذه اللوحات مفردة الإنسان والحيوان
والطبيعة في حالة من التماهي والانسجام، كلوحتها التي تصور فتاة تنظر إلى قط يجلس
بهدوء على السور، واللوحة التي تصور شابًا يعانق حصانًا بينما يجلس عصفور صغير
على رأس الحصان.
وفي مجموعة أخرى من اللوحات، تقارب الفنانة المدرسةَ التكعبية، حيث اعتمدت على
الخطوط الهندسية وتداخل أشكالها من مثلثات ومربعات ودوائر، واستخدمت الأهلّة التي
تتمازج مع هذه التشكيلات بصورة رمزية تشير إلى طقوس الشرق وتقاليده، حيث يحيل
الهلال غالبًا للأعياد والمناسبات الدينية. وتتميز هذه المجموعة بالألوان المبهجة القوية
والتي تمنح المشاهد شعورًا بالبهجة والاحتفال.
ومن بلدتها الريفية “الحصن” شمال الأردن، استمدت حتاملة مجموعة من اللوحات التي
توثق للتراث ولبيئة المكان وحياة الناس قديمًا فيه، فرسمت الأواني التراثية كفناجين
القهوة، والمكحلة التي كانت تُستخدم لوضع الكحل فيها، والبيوت القديمة، والبسُط
المنسوجة يدويًا، والجِرار التي كانت تُستخدم لتبريد الماء.. وهي ترى أن هذا المشروع
“محاولة للحفاظ على تراث البلدة المتمثل في بيوتها ومعمارها وزراعتها وأسوارها
والسلاسل والحجرية فيها”.
وتقول حتاملة إنها تحاول في لوحاتها أن تجيب على عدد من الأسئلة التي تشغل ذهنها ولا
تجد لها إجابة شافية عند الآخرين، فأرادت أن تستقي الإجابات من خلال الحوار مع
الأماكن والاستماع لها، وقد زارت لهذه الغاية العديد من الكنائس، ومتحف الكاتب الرائد
“أديب عباسي”، وأقامت ورشًا فنية فيها للأطفال، وهذا ما ساعدها على تخزين مجموعة
من التصورات لطرز الأبنية وساحاتها والحقول المحيطة بها في ذاكرتها، حيث يشتعل
الحنين.
وخلال فترة “كورونا”، ورغم الحضر الصحي الذي ألزم الناس بالبقاء لفترات طويلة في
بيوتهم، كانت حتاملة تستدعي مخزون ذاكرتها لترسم، لأن الرسم مثّل لها محاولة للتغلب
على الوضع النفسي الذي فرضته الجائحة، فكانت أولى لوحاتها في هذه الفترة بيت
معلمتها “روضة أبو الشعر”، وفيها أظهرت حتاملة زخرفية الأرض التي شعرت أنها
تعبّر عن عمق أو حضن آمن، أما اللوحة الثانية فكانت لبيت “فندي النمري”، وفيها
حاولت إيجاد حالة من الحوار بين الإنسان والمكان، ثم رسمت البرْكة الرومانية الشهيرة
في الحصن، وبوابة “آل غنما” التي كانت قديمًا مضافة مفتوحة للناس، وأبرزت القصيدة
التي كُتبت أعلى البوابة والتي تؤكد كرم هذه العائلة ومناقبها، واستمرت حتاملة برسم
ذاكرة بلدة الحصن العريقة، من شوارع وواجهات بيوت وكنائس وحقول، معتبرة ذلك
جزءًا من وفائها للأرض التي وُلدت بها وتنتمي لها.
وإلى جانب اهتمامها برسم اللوحات، عُرفت حتاملة بإنجاز رسومات لكتب موجهة
للأطفال، وتصميم أغلفة لكتب وتخطيطات متنوعة، إلى جانب إشرافها على العديد من
ورش الرسم للأطفال.
/العمانية /174