بالرغم عن كل ما يعرف عن السياحة العمانية عامة وصلالة على وجه الخصوص من ضمور بيّنٍ في المشاريع الاحترافية التي من شأنها الارتقاء بهذه الصنعة المربحة الرافدة للناتج الوطني، والبديلة عن جيب المواطن الذي أصيب بالإنهاك والتصحر بفعل تكالب الضرائب والأزمات عليه..
وما أكثر الأفكار والمقترحات التي ضُخت في هذا السياق، ولو أخذ ببعضها لكانت السياحة في بلادنا تثري حقاً وحقيقة، وليست مجرد شعار رنان بأن السياحة تثري، وربما تثري جيوباً متخمة..
بيد أنني لا أدري سر عزوف جهاز الاستثمار العماني عن الاستثمار في القطاع السياحي الوطني الذي حباه الله بتنوع فريد في المناخ والطبيعة، أم أنه يسير على نهج المثل العماني الدارج (النخلة العوانه تحت بعيد) أي ترمي ثمرها بعيداً فلا يستفاد منه، والعوانه هي الشاهقة العلو..
وبالرغم من كل هذه الضبابية ستظل محافظة ظفار قمة هرم السياحة العمانية، وهي الأمنية التي تدغدغ مشاعر وأحاسيس الكثيرين، خاصة أولئك الذين لا يستطيون طولاً للسياحة الخارجية ، وبات البحث عن متنفس ولو مرة في السنة هو مطلب لا بد منه لهذه النفوس المتعبة الكادحة أعانها الله ..
فلا تعجب إن علمت عن أسر تقتص من دخلها القليل من المال شهرياً لتسيّر به رحلة سنوية عائلية ، قانعة بالنذر اليسير من الرفاهية، تُسلي فيها نفسها، وتكسر روتينها، وترسم البسمة في وجوه أطفالها.. فتكون محافظة ظفار بأجواءها المعتدلة وطبيعتها الساحرة، وبما توفره من خيارات اقتصادية في المسكن والمأكل والمواصلات هي الوجهة الوحيدة لها، ولقد ساهم أهالي محافظة ظفار جزاهم الله خيراً في تيسير هذا الأمر من خلال عرض عقاراتهم للإيجار موفرين بذلك بدائل عن لهيب أسعار الفنادق والمنتجعات..
وكعادتنا منذ عدة سنين لم تغيب شمسنا العائلية عن محافظة ظفار التي أحببناها وعشقناها من سويداء قلوبنا لحسنها وجمالها وأخلاق أهلها الكرام ورأفتها بمحفظتنا المتواضعة، فلم تحول بيننا وبينها سوى جائحة كورونا التي تلاشت غير مأسوفاً عليها بعدما أهلكت الحرث والنسل..
في رحلتنا العائلية لموسم خريف ٢٠٢٢م سارت الأمور كما هي في الرحلات السابقة أنس وسعادة واستمتاع بعطايا الله وبديع خلقه من طبيعة فاتنة ونسيم عليل ومشاهد رائعة وأينما تولي وجهتك وترسل ناظريك فثمة حسن وجمال تجده أمامك وحولك..
وما هي سوى سبعة أيام قضيناها في مملكة اللبان حتى كررنا عائدين إلى ولاية بهلا التي تعيش هي الأخرى ومعظم ولايات السلطنة أجواء استثنائية معتدلة هذا العام بفعل هطول الأمطار ونزول الأدودية مما ساهم ولله الحمد في خفض درجة الحرارة واعتدال الطقس..
تاركين محافظة ظفار وسماءها تهطل دموع الفرح تودع أفواجاً وتستقبل أفواجاً أخرى، وادعناها وقد أزيلت والحمد لله الأقفال التي تقدس الحب الغربي المغشوش، وقدور الموائد في دربات تغلي، وبخارها يفوح وسط صراخ مشاهير السوشل ميديا ومتابعينهم ، حاملاً معه أكثر من علامة استفهام وتعجب تستوجب الوقوف معها لتحصين السياحة العمانية وتنظيفها من هذه الشوائب، ووضع السياج الآمن لحماية المبادئ والقيم والعادات الأصيلة التي جبل عليها شعب عمان،ضارعين إلى الله العلي القدير أن يحفظ بلادنا من كل شر ومكروه إنه سميع مجيب الدعاء.
ناصربن مسهر العلوي
الإثنين ٢٤ محرم ١٤٤٤
٢٢ أغسطس ٢٠٢٢ م