عمّان في 19 سبتمبر /العُمانية/ يواصل التشكيلي الأردني ياسر الدويك في
معرضه “تجلّيات الماضي والحاضر”، احتفاءه بمدينة القدس بوصفها الأيقونة
التي تعبّر عن أرض فلسطين كلها وعن مقاومة الشعب الفلسطيني وصموده في وجه
الاحتلال.
فالفنان المولود في الخليل عام 1940، ما يزال يحمل ذكريات طفولته عن
المكان الذي هُجِّر منه على إثر النكبة، ويحاول أن يبقيها حية من خلال توثيقها
باللون على أسطح لوحاته، حيث البيوت البسيطة والنوافذ المشرعة للشمس والأشجار
الباسقة وأبواب الحارات الواسعة.
وتُظهر اللوحات المعروضة على جاليري الأورفلي بعمّان، تشبُّع الدويك
بسحر القدس الذي تلقى في إحدى مدارسها تعليمه الابتدائي، وكانت رحلته تتطلب
يوميًّا المرور بالأسواق المعطّرة بالبخور وروائح المواد الغذائية، والاشتباك
بصريًّا مع الأدراج الصخرية المهيبة والأقواس والنوافذ الموشحة بالزخارف والزجاج
الملون.
وحين شبّ الدويك عن الطوق، ساعد في تذهيب قبة الصخرة ضمن مشروع جمع
فنانين من إيطاليا ومصر وفلسطين، وخلال ذلك تعلم هذا الشكل من الفن الذي ينتمي
للحضارة الإسلامية، واستثمره في ما بعد في لوحاته.
حاول الدويك الذي تخرّج في أكاديمية الفنون ببغداد في منتصف
الستينات، أن يوازن بين اشتغاله بالفن، وبين تركيزه على مدينة القدس، فسكب على
أسطح أعماله ما اختزنه من مشاهد عن المدينة المقدسة التي تتسم عمارتها بثراء
الفنون الهندسية والزخارف والفسيفساء الأموية والمملوكية والعثمانية.
وبهدف التوثيق الجمالي للمدينة، تنقّل الدويك بين الأساليب الفنية،
فمن التسجيلية التي أراد منها توثيق تفاصيل المكان كما تحفظه ذاكرته وكما استقرّ
في وجدانه، إلى الواقعية التعبيرية التي توثق مأساة الفلسطينيين عبر ألوان قوية
وظلال ترمز إلى الأسْر والاحتلال.
وتتميز أعمال الدويك التي تنوعت بين الرسم والحفر، بتوثيقها مشاهد
بانورامية للمدينة، مُظهرةً جمال العمارة المقدسية والبيوت والأسوار وتجاورها مع
الأشجار والخضرة والماء.. وقد نفذها الفنان باستخدام ألوان هادئة تمنح كل تفصيلة
من اللوحة خصوصيتها؛ حيث الأزرق بتدرجاته للسماء، والبنّي للأبنية، والأخضر لمحيط
المكان. وهذا ما منح لوحات الدويك سمة التفاعل مع المحيط والاندماج مع المكان، كما
في لوحته التي يصور بها القدس وهي غافية في أحضان الطبيعة.
ويقدم الدويك في معرضه الذي يستمر حتى الـ 26 سبتمبر الجاري، مجموعة
من لوحات البورتريه التي توثق وجوهًا على تماس مع الفنان وتعبّر عن حنينه للقديم،
ومعظمها وجوه لفتيات أو نساء بالزيّ الشعبي تُظهر نظراتهن حزنًا عميقًا على ما آل
إليه الفلسطينيون وقضيتهم، وأحيانًا تجتمع هذه الوجوه في لوحة واحدة تتأمل المكان،
أو يشكل المكان الفلسطيني خلفية لها.
كما يعرض الدويك مجموعة من أعماله التجريدية الرمزية، التي منح
البطولةَ فيها للتجاور اللوني الذي يحيل إلى القضية الفلسطينية والبيئة الفلسطينية
والمكان الفلسطيني، من خلال الأحمر والبرتقالي والأخضر.
وعمومًا، يُظهر معرض “تجلّيات الماضي والحاضر” المراحل
المختلفة لتجربة الفنان ياسر الدويك، ويكشف تنوع المدارس والتقنيات والأساليب
الفنية التي اتبعها في أعماله على مدى أزيَد من نصف قرن.
/العُمانية/النشرة الثقافية/ عمر الخروصي