يتطلّع اليمنيون إلى تجديد الهدنة المؤقّتة التي توسّطت فيها الأمم المتحدة إلى ما بعد 2 أكتوبر، بعدما لمسوا آثارها الإيجابية على الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والأمنية منذ بدء سريانها في 2 أبريل.
ولعلّ أبرز الفوائد الملموسة للهدنة انخفاض عدد ضحايا الصراع المتفاقم منذ مارس عام 2015 بنسبة 60%، وارتفاع كميات الوقود المتدفّقة من خلال ميناء الحديدة لأربعة أضعاف، وتشغيل الرحلات الجوية التجارية من وإلى مطار صنعاء التي نقلت 24 ألف مسافر ومسافرة لتلقّي العلاج الطبي في الخارج ولم شمل أسرهم.
ويأمل اليمنيون في توصّل أطراف النزاع إلى اتفاق لتمديد الهدنة عدّة أشهر كفرصة لإنهاء الحرب التي تسبّبت في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ يحتاج أكثر من 23 مليون يمني إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية والحماية.
واختتم المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس جروندبرغ زيارة إلى العاصمة صنعاء في 29 سبتمبر، أجرى خلالها مناقشات مكثّفة حول القضايا المتعلّقة بدفع رواتب موظّفي الخدمة المدنية، والمسائل المتعلّقة بالموانئ ومطار صنعاء الدولي والحفاظ على هدوء الجبهات الأمامية.
وأكد جروندبرغ في بيان وزّعه مكتبه بصنعاء وتلقّت “عمان” نسخة منه أن تجديد الهدنة وتوسيعها هو “ضرورة إنسانية وسياسية. كما أنها فرصة لا يمكن أن نضيعها”.
وأضاف “إن الهدنة أحدثت أثراً ملموساً على حياة اليمنيين. لدينا الفرصة للبناء على هذه الفوائد وتوسيعها، فالسعي لتحقيق السلام على الحرب يتطلّب شجاعة وقيادة من جميع الأطراف. إذا كانت هناك عودة للحرب، فإننا قد لا نحظى بهذا النوع من الفرص مرة أخرى مجدّداً لفترة طويلة”.
وخلال لقاء تشاوري بصنعاء لقادة حزب “المؤتمر الشعبي العام” قال رئيس الحزب أمين أبو راس إن صنعاء كانت ولا تزال حريصة على إنجاح الهدنة لكن بما لا يجعلها عملية تأجيل مؤقّت للحرب وإنما بداية لإيقاف الحرب والذهاب نحو السلام.
ورأى أبو راس أن السلام “يقتضي تنفيذ متطلّبات الجانب الإنساني وفي مقدّمتها صرف الرواتب وفتح جميع المطارات اليمنية وأوّلها مطار صنعاء، وكذا فتح الموانئ اليمنية وعلى رأسها ميناء الحديدة وعدم منع دخول سفن الغذاء وسفن المشتقّات النفطية”.
كما اعتبر الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية لدى “أنصار الله” هشام شرف أن الهدنة بالفعل فرصة حقيقية لبناء الثقة بين الأطراف ولاستكمال إجراءات بناء السلام والإعداد الجيّد للمفاوضات الحقيقية لرفع المعاناة عن المواطن اليمني في جميع المحافظات التي عانت من تداعيات الحرب.
وأكد شرف خلال لقائه المبعوث الأممي هانس جروندبرغ أن “موقف المجلس السياسي الأعلى بصنعاء ليس فيه أي غموض”.
وأوضح “ما تطلبه صنعاء لا يمكن وصفه أو اعتباره شروط مسبقة بل هي مطالب إنسانية بحتة ويفترض ألا تكون محل خلاف أو تفاوض إذا كان الطرف الآخر جاداً وصادقاً في إنهاء الحرب ورفع الحصار الشامل للوصول إلى تسوية سياسية سلمية مستدامة”.
وحذّر شرف من أن “تجديد الهدنة دون مراعاة الجوانب والاحتياجات الإنسانية الملحّة للمواطن اليمني، معناه إدخال البلاد في حالة موت سريري نتيجة محاولات الطرف الآخر تمييع الهدنة وإيجاد حالة من اللاحرب واللاسلم المرفوضة جملةً وتفصيلاً رسمياً وشعبياً”.
ورأى أن أبسط حقوق المواطن اليمني “يتمثّل في تقاضي الموظّف الحكومي لراتبه بشكل شهري وبصورة دائمة والسفر من مطار صنعاء والمطارات اليمنية الأخرى دون وضع شروط وعراقيل أمام حركة الطيران المدني والتجاري، بما في ذلك فتح وجهات سفر جديدة وعدم تهديد وعرقلة شركات الطيران التجارية الأجنبية بالوصول والمغادرة من وإلى مطار صنعاء”.
من جانبه اعتبر وزير الخارجية وشؤون المغتربين اليمني الدكتور أحمد عوض بن مبارك أن السلام “خيار استراتيجي بالنسبة لنا، لذلك نحن نتفاعل ونتعاطى بشكل إيجابي مع كل المبادرات الأممية والإقليمية في ما يتعلّق بتحقيق السلام”.
وأوضح في تصريح صحفي “لا نريد أن نندم في يوم من الأيام لعدم استغلال أي فرصة للسلام، وفي كل الأحوال نعتقد أن 100 يوم مشاورات أفضل من يوم حرب، ويظل الدم اليمني عزيزاً علينا في أي منطقة سواء من أبنائنا في مناطق الحكومة أو حتى في مناطق سيطرة أنصارالله، نحن كحكومة يمنية مسؤولون عن كل أبناء شعبنا في صعدة بنفس المقدار في المهرة”.
وأضاف وزير الخارجية “المجتمع الدولي مطالب بأن يدفع أنصار الله للقبول بخيار السلام العادل والمستقر والقائم على حق الشعب واحترام خياراته”.
وكان مجلس الأمن الدولي دعا طرفي الصراع إلى تكثيف المفاوضات بشكل عاجل وإبداء المرونة في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة للتوصّل إلى هدنة موسّعة يمكن ترجمتها إلى وقف دائم لإطلاق النار.
وحثّ أعضاء مجلس الأمن منتصف سبتمبر في بيان صحفي الطرفين على تكثيف تواصلهم مع المبعوث الخاص حول جميع جوانب المفاوضات، والامتناع عن وضع الشروط، وضمان عمل خبرائهم الاقتصاديين بشكل مقرّب مع الأمم المتحدة، تنفيذاً لتدابير معالجة الأزمات الاقتصادية والمالية، وللتوصّل على وجه الخصوص إلى حل لدفع رواتب موظّفي الخدمة المدنية.
وجدّد أعضاء مجلس الأمن دعمهم للمبعوث الخاص للأمم المتحدة، وأعربوا عن عزيمتهم على أن اتفاقية الهدنة ستوفّر فرصة للتوصّل إلى تسوية سياسية شاملة جامعة تستند إلى المرجعيات المتفق عليها برعاية الأمم المتحدة.