عمّان في 17 أكتوبر /العُمانية/ تستعرض رواية “قلعة
الدروز” للكاتب الأردني مجدي دعيبس أحوال المنطقة العربيّة في سوريا والأردن في
منتصف العقد الثالث من القرن الفائت، ووصول بعض العائلات الدرزيّة إلى قلعة الأزرق
(في الأردن).
وبموازاة ذلك، يمتد زمن الرواية في بعض الفصول إلى أعماق التاريخ،
ليصل إلى المهندس الروماني “أرنسو” الذي شيّد تلك القلعة بفكره وحسّه
وشغفه.
وكتب الناقد د. سليمان الأزرعي على الغلاف الخلفي للرواية الصادرة أخيرًا
من المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر: إن دعيبس أراد لحبكة الرواية أن تستكمل
خيوطها بمشاركة القارئ. وأضاف متحدثًا عن مسرح الأحداث في الرواية: “لم تقدم
واحة الأزرق وقلعتها عناصرَ الأمان للناس الذين يسكنونها وحسب، بل قدّمتَا لهم
الكنز الثمين الذي كان ندرةً في ذلك الزمن، وهو الملح، هذا المنتج الاقتصاديّ الطبيعيّ
الذي ربط الناس بمحيطهم؛ المدينة وأسواقها والأرياف والبوادي والحكم
العثمانيّ”.
ومن أجواء الرواية التي صمم غلافها الفنان يوسف الصرايرة: “أفكر
أحيانًا بصوت عالٍ وأقول: لو كنتُ مكان ابني نايف في تلك الظهيرة البعيدة! كيف
ستكون ردّة فعلي؟ هل سأنجرّ لعاطفتي وأخاطر بحياتنا ومستقبلنا في هذه القرية أم
أحكّم عقلي وأكبح جماح مشاعري والرغبة الملحّة بالانتقام السريع؟! لا أعرف، ربّما
فعلتُ ما فعله بالضبط.. آه يا نايف!”.
ووفقًا للمؤلف، فإن هذه الرواية هي الجزء الثاني من الثلاثيّة التي
يعكف على كتابة جزئها الثالث، مشيرًا إلى أن “الوزر المالح” التي فازت
بجائزة كتارا للرواية العربية (2019) تعدّ الجزء الأول للثلاثية.
وبشأن وصف الرواية التي تستلهم أحداث التاريخ بأنّها “رواية
تاريخيّة”، يوضح دعيبس في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية أن موضوع التصنيف
والتجنيس موضوع جدليٌّ ومختلَف فيه. ويضيف: “هناك مستويات ونماذج مختلفة من
الرواية التاريخية التي يتقاطع فيها الحقيقي مع المتخيَّل على مستوى الشخصيّات
والأحداث والمصائر، وهذا عمل يحتاج إلى تحضير وبحث في التاريخ الثقافي المادي وغير
المّادي للزمان والمكان”. ويشير في هذا السياق إلى أنه “مهما اختلفت
الآراء حول الرواية التاريخيّة، فهي عمل إبداعي مهم ويمكن أن يعكس وجهة نظر معينة
حول الواقع المعاش”.
وفي الأثر الذي تركه فوز “الوزر المالح” بجائزة كتارا على
تجربته الإبدعية، يقول دعيبس: “الجائزة قدّمتني للوسط الثقافي واختصرتْ سنوات
من النشر والفعل الإبداعي، ربما أصبحتُ أكثر حرصًا ومراجعةً لأعمالي الأدبية
اللاحقة، لكن هذا الحرص لم يصل إلى درجة الهوس أو التردّد على سبيل المثال”.
ويتّبع دعيبس – بعد فوزه بالجائزة عام 2019 – منهجيةً محددة قبل دفع
عمله الأدبي إلى المطبعة، ويشرح ذلك بقوله: “أعرض أعمالي على مجموعة من
الأصدقاء، وبعد نقاش وتبادل وجهات النظر يخرج العمل إلى العلن، لا أحبّذ وضع نفسي
في تحدٍّ؛ لأنّ العمل الجيّد يحتاج إلى أريحيّة في التّعاطي مع الأحداث والشخصيّات
والبناء، ولن تفيده الضغوطات الزائدة، وأرى أن العمل الأدبي الجميل يولَد جميلًا ولا
سبيل لإنكار جماله”.
ويستذكر دعيبس بواكيره في الكتابة الأدبية قائلًا: “أظنّ أنّ
الأمر يتكرّر عند كثير منّا، الافتتان يبدأ مبكرًا بالشعر والروايات والقراءة بشكل
عام، ثم تظهر المحاولات الأولى في كتابة الشعر في سنوات المدرسة رغم رجحان كفّة
الرواية على مستوى القراءة”، ويكشف أنه ترك الشعر بعد سنوات ومحاولات كثيرة؛
لأن التجربة “كانت متواضعةً جدًا”، ووجد نفسه يميل إلى السرد (القصة
والرواية والمسرح)، وعندما حان “الوقت المناسب” تشجّع لنشر بعض إنتاجه.
وفي ما يتصل بمراوحته الكتابة بين القصة القصيرة والرواية، وسبب لجوئه
إلى هذا النوع الأدبي أو ذاك للتعبير عن نفسه، يوضح دعيبس: “لست متأكدًا إن
كانت لديّ إجابة عن هذا السؤال؛ فالفكرة تولد إمّا قصة أو رواية، لكن ما أودّ قوله
أنّ القصة ومضة سريعة تبذل أقصى ما لديها لتشعّ بقوة قبل أن تذوي وتزول، أمّا
الرواية فهي بنيان متكامل له قواعد وامتدادات فنيّة ومعرفيّة وجماليّة”.
ويرى أن المواضيع التي تتناولها القصة والرواية معًا قد تتشابه، لكن
سُبل المعالجة والعرض مختلفة، فعلى سبيل المثال “لا تحتمل القصة القصيرة
الاستطراد الزائد، فيما تميل الرواية إلى الإسهاب في بعض المواقف”.
وردًّا على سؤالٍ عن أسباب تباطؤ حركة النقد عربيًّا وعدم مواكبتها
للتجربة الإبداعية عمومًا، يقول دعيبس: “عند التفكير بهذا الأمر تتبادر إلى
أذهاننا تساؤلات كثيرة: هل يرتبط هذا بالغزارة غير المسبوقة على مستوى النشر
واختلاط الكتاب الجيد بمئات الإصدارات التي أغرقت معارض الكتاب بأغلفة زاهية
وكلمات جاذبة على الغلاف الخلفي، فلم يعد الناقد قادرًا على مواكبة ما يصدر؛ لأنّ
المحتوى خذله في مناسبات كثيرة؟ أم أن الأمر مرتبط بالنقد نفسه الذي ركّز على
تجارب بعينها وأخلص لها؛ لأنّه اطمأن لسويّتها ونضوجها مهملًا ما قبلها وما بعدها؟
أم أنّ السبب في العلاقة بين الناقد والمبدع التي اعتراها اختلاط الشخصي
بالموضوعي؟”.
ويواصل دعيبس حديثه عن حركة النقد مؤكدًا: “لا سبيل للخروج من
هذا الواقع سوى بالنقد الموضوعي والحازم، لكن في ما يبدو لي من خلال متابعة حركة
النشر وما يقابلها من نقد فلن يحدث أي تغيير على المعطيات الحالية خلال هذا
العقد”.
يذكر أنّ دعيبس صدرت له روايات أخرى: “حكايات الدرج”،
و”أجراس القبّار”، وقصص قصيرة: “بيادق الضالّين”، و”ليل
طويل.. حياة قصيرة”؛ وسيرة بعنوان: “مغامرون وراء الأطلسي”؛ وصدر
له في المسرح: “الدهليز”.
/العمانية/النشرة الثقافية/عمر الخروصي