ارتبطت البحرين في الذات والذاكرة بالثقافة والعلم وطيبة أهلها، مفردات تُختزل في جزيرة تاريخها أعمق وأكبر من مساحتها الجغرافية، فموقعها الاستراتيجي جذب أطماع القوى المجاورة، مثلما تذكر لوحة تعريفية في مطار البحرين في قاعة الآثار “كانت البحرين محط اهتمام كبير بسبب موقعها الاستراتيجي وثرواتها، وقد حاول كل من البرتغاليين والعثمانيين والفرس والعمانيين من بسط سيطرتهم عليها”. نتج عن التنافس الإقليمي على جوهرة الخليج تلاقي الثقافات وانصهارها في أصداف البحرين التي فتنت الصحفي الفرنسي البير لوندر (1884-1932) الذي كتب عنها في كتابه (صائدو اللؤلؤ) ترجمة منذر الخور “هناك أماكن متفرقة من العالم يجري فيها صيد اللؤلؤ، منها سيلان وفنزويلا وتاهيتي وكالفورنيا والبحر الأحمر، ولكني سوف أذهب إلى مكان آخر غير هذه الأماكن. فذلك الموضع الرائع ليس المحيط الهندي ولا بحر الانتيل ولا المحيط الهادي، دع عنك المصائد البائسة والتائهة ! إنه موضع تكسوه الأصداف ويكلله تاج الشرق، إنه الخليج العربي الذي يتحكم فيكم جميعا، وفي الخليج، على صفحة مياهه الفيروزية، ترقد إحدى الجزر أشبه بسلة أميرية تظللها قبة من السحب الوردية، إنها البحرين، البحرين الشهيرة، الجزيرة السحرية”.
كان ذلك عن المكان البحريني أما الإنسان فقد وصفه الكاتب والمؤرخ اللبناني كمال الصليبي صاحب كتاب (التوراة جاءت من جزيرة العرب)، في مذكراته (طائر على سنديانة) ” أهالي البحرين بدوا لي وكأنهم يشكلون عائلة واحدة، والشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة (ويسمونه “الشيوخ”) رب هذه العائلة يستقبل الناس في مجلسه، وهو يعرفهم جميعا بالاسم، ثم يسأل كل واحد منهم بعد أن يتخذ مقعده: شلونك؟ فيجيبه: الله يطول عمرك ” كانت البحرين آنذاك على وشك نيلها الاستقلال الكامل الذي حصلت عليه في أواخر العام التالي، والاستعدادات قائمة لتحويلها إلى دولة دستورية. ففكرت: حبذاّ لو أبقى دستور البحرين العتيد على مجلس الشيخ عيسى كبرلمان للدولة، وهو البرلمان الطبيعي لها “. وكان الصليبي قد زار البحرين في شتاء 1969 بدعوة من زميله في الجامعة الأمريكية يوسف أحمد الشيراوي، فالطلبة البحرينيين من أوائل الطلبة في الخليج الذين التحقوا بالجامعة الأمريكية في بيروت.
تعني لنا البحرين نحن العمانيين الكثير وتحديدا في الشأن الثقافي، إذ استقطبت رموز الثقافة العُمانية في الخمسينات، فأقام بها وعمل الكاتب والشاعر عبدالله الطائي في مجال التدريس والإعلام من سنة 1950 إلى 1959، وأسهم في تنشيط الحركة الثقافية في البحرين.
وحين فارقها كتب قصيدته وداعاً وإِنْ كان الوداعُ تألمَّا (موقع بوابة الشعراء الإلكتروني):
” وداعاً أُوال العرْبِ لا القلبُ مُسعفٌ
ولا النفس ترضى لا ولا الخطو أقدما
ولكنَّهُ إرهابُ منْ جاء قاطعاً
بحاراً بتشريدي وهجرك حتمّا
وصبراً فما لليأسِ عندي وسيلةٌ
وجدتُ ثباتَ الرأي للنصرِ أَحزما
فمهما يكونوا في قواهْم فإننا
بإيماننا نبقى أعزَّ وأعظما
ويا أيُّها الطيَّار سرْ مسرعاً ففي
فؤاديَ للبحرينِ ألفُ هوى نما”
أيضا أقام الفنان سالم بن راشد الصوري (1910-1979) في البحرين قادما إليها من الهند، وأسس بها شركة فنية لإنتاج الإسطوانات الموسيقية حملت اسم (سالم فون)، وهذه -حسب علمي- أول مؤسسة ثقافية عُمانية في الخليج. كذلك نتذكر حنين العُماني العامل في البحرين قبل السبعين، وقد عبّر عنه الفنان محمد سلطان المقيمي (1933- 1997) في أغنيته المشهورة “أرسلت مكتوب بحرين المنامة، على المحبوب في سمائل عمان”.
بالإضافة إلى ذلك فإننا لا ننسى جهود وأفضال المربية والمعلمة البحرينية ليلى فخرو (1945-2006) التي افتتحت مدرسة للطلبة العُمانيين، وكان لها الفضل هي وطاقم المدرسة في تحرير الأطفال من الجهل والأمية، وقد أسهم خريجو تلك المدرسة في بناء نهضة عُمان.
ستبقى البحرين محط اهتمام الكتاب والمثقفين الذين يتتبعون سر الخلود والحياة الأبدية حسب ملحمة جلجامش، وستكون البحرين دائما قلب الخليج النابض بطيبة أهله.