من تكرار القول أن نقول دائما أن التعليم هو الطريق لمستقبل أكثر تطورا يحاكى التطور العالمي ، الذى لا يمكن ملاحقته بالاسلوب التقليدىوالأنظمة التعليمية المتخلفة.
ومن المعروف ، ومنذ أن عرف الإنسان فكرة التعليم والتعلم إلا ووجدت أمكنة للتعليم أطلق عليها (مدرسة)، والمدرسة هذه ليست مكانالاستيعاب المعلومات العلمية فى صورة مواد دراسية فقط ، ولكنها دائما وأبدا المكان الذى تتبلور وتتشكل فيه الشخصية تمهيدا للتكوينالفكرى والثقافى والعقلي ، إضافة لوضع اللبنات الاولى فى تشكيل العلاقات والمشاركة الاجتماعية من خلال الأنشطة المتعددة ، وذلك حتىتتشكل شخصية متكاملة خاصة فى مرحلة التعليم الابتدائى والتى يتم البناء عليها فى باقى مراحل التعليم.
وهذا يعنى أن دور المدرسة ، وفى هذا الإطار ، هو دور محورى لايمكن الاستغناء عنه ولايوجد غيره بديلا ، ودليل ذلك مانراه من التسابقللالتحاق بالمدارس الأجنبية من هنا وهناك وليس مايسمى السناتر!.
ولكن وللحقيقة ولظروف كثيرة ومتعددة أهمها الأعداد الكثيرة التى لايوجد ما يناسبها من المدارس ، إضافة لغياب الاستثمارات المناسبة لماتتطلبه العملية التعليمية تطبيقا لمواد الدستور ، وعدم اعداد المعلم بما يتوافق مع مهمته الرئيسية فى العملية التعليمية مع دخول غير مناسبة ،هذا جعل الدروس الخصوصية تتزايد وتتفاقم ، بل تصبح بديلا للمدرسة فى تحصيل المعلومة الدراسية ، وليس – ولن تكون – بديلا للعمليةالتربوية لإعداد وتكوين الشخصية المصرية. أما الاهم والأخطر فى هذه القضية هى الجرى واللهاث وراء اقتناص الشهادة الدراسية بكلالسبل والطرق التى لاعلاقة لها بأى عملية تعليمية صحيحة أو قيمة تربوية شريفة.
ولأن القضية أصبحت شهادات فكان عدم الاهتمام بهذا التكوين الشخصي ، فأصبح الغش حقا معلوما بلا خجل ، لدرجة أن يتم الاعتداءعلى المدرس الذى يمنع هذا الغش ، وللأسف من أولياء الأمور ، وهذا يعنى ليس غياب دور المدرسة بل سقوط دور الأسرة.
وفى ظل هذا الوضع المزرى لانرى ولا نسمع غير تصريحات واقتراح أنظمة تعلن وتؤكد إعادة دور المدرسة وإلزام التلاميذ بالحضور إليها ،ولكن بلا جدوى.
هنا تحولت الدروس الخصوصية إلى تسمى بالسناتر، وهى شقق سكنية أو صالات بفنادق يتم الحجز فيها من بداية الإجازة السنوية ،والغريب أن أولياء الأمور والتلاميذ قد اعتبروا أن هذا السناتر بديلا للمدرسة تماما . فالتلميذ لايذهب للمدرسة إلا يوما فى الأسبوع حتىلايتم فصله ، حتى وجدنا أن الاولى على مستوى الجمهورية فى الثانوية العامة تعلن على الملأ أنها لم تذهب الى المدرسة يوما واحدا .
ومن الواضح نتيجة للأزمة الاقتصادية وخضوعا للواقع (وليس تغييره التحسن) خرج علينا وزير التعليم يعلن فى بيان ألقاه فى البرلمان ، أنهقرر أعطاء تراخيص لهذه السناتر !!! فهل هذا إعلان وإقرار بالأمر الواقع ، وهو أن تكون السناتر بديلا رسميا للمدرسة؟ وهل بعد هذهالتراخيص التى ستعطى التلاميذ وأولياء الأمور الراحة النفسية بأن مايفعلوه هو الصحيح (بلا مدرسة بلا غيره) يمكن أن نتحدث عن المدرسةودورها التعليمى والتربوى؟ وهل هذا مقدمة لإلغاء المدارس وإعلان نظام تعليمى جديد اسمه تعليم السناتر؟ وهل هى ستكون بديلا للمدرسة؟
السؤال هنا هل نعلم تأثير السناتر هذه ؟ أولا : حشر التلاميذ فى أماكن غير صحية وبأعداد ترسخ للغوغائية والفوضى. ثانيا: ترسخالإحساس بسلامة الحصول على الورقة بالمال ومن معه يحصل ومن ليس معه مايلزموش. ثالثا: هى تمثل استنزافا للأموال ، خاصة لغيرالقادر ماديا فيتم حرمان بعض الطبقات من الضروريات سعيا وراء الحصول على الشهادة مثل الآخرين!!
هو اقتصاد غير رسمى كان يحب محاصرته وليس الخضوع له ، بهدف تحصيل ضرائب نعلم أساليب التهرب منها. هل بهذا نكون قدساهمنا فى إعداد الشخصية المصرية تعليما وتربية ؟ وهل عدم ممارسة الطالب الأنشطة نكون مساهمين فى محاصرة الأفكار المتطرفة أمالعكس؟
الأمر خطير ياسادة . نعم تعلمنا وتكونت شخصياتنا من المدرسة . تأثرنا بالمدرس سلوكا ومظهرا ، فلا حل غير إعادة دور المدرسة قولا واحدا. فلن تكون هذا السناتر بديلا بل ستكون خرابا مستقبليا . ولن يكون حل الأزمة المالية على حساب التعليم أبدا.
حمى الله مصر وشعبها العظيم .
جمال أسعد