ينطلق طرحنا للموضوع من جملة الموجهات التشريعية والأطر الحاكمة التي تحدِّد السلوك الانضباطي للوافد، سواء كان مقيما أم زائرا أم سائحا، منذ دخوله إلى أراضي سلطنة عُمان بطريقة مشروعة وإلى حين خروجه منها، والتي في ظلِّ مؤشرات ارتفاع نسبة الجرائم والجناة في الوافدين أو ما تظهره قضية هروب العمال عامة وعاملات المنازل خاصة، واتساع انتشار العمالة السائبة وما ترتب عليها من ظهور بعض الظواهر السلبية والسرقات والغش والتزوير والاختلاس والمحافظ الوهمية من الحاجة إلى التفكير خارج الصندوق، بالشكل الذي يضمن رفع درجة الوعي لدى الوافدين بواجباتهم ومسؤولياتهم والحقوق الوطنية والقوانين والضوابط ذات الصلة، والسلوك الذي يجب أن يلتزم به الوافد في مراعاة الخصوصية والهُوية الوطنية، وعبر وجود مدونة قواعد السلوك العامة للوافدين العاملين في سلطنة عُمان، كإطار وطني جامع يضم بين دفتيه قواعد محددة لسلوكيات الوافد، من واقع التشريعات والقوانين واللوائح والأنظمة والتعليمات النافذة، وميثاق أخلاقي مكتوب يستهدف الوافد الذي يدخل أرض السلطنة بأية صفة مشروعة كانت، بحيث يلتزم بها في أثناء إقامته وتأدية مهامه أو أدائه لواجباته، وتحدد الجزاءات والعقوبات التي يتم تنفيذها في حالة الإخلال بقواعد السلوك العام الواردة في المدونة، ومنحها الصبغة القانونية كمنصَّة للتأثير والاحتواء الذي يمكن أن تحققه في هندسة السلوك الاجتماعي للوافد بحيث تصبح مائدة قيمة وأخلاقية له يحتاجها في كل تصرفاته وممارساته، ويسترشد بها في استيعاب الموجهات التي تساعده في الحصول على حقوقه التي كفلها له القانون العُماني بما من شأنه أن يضع المدونة أمام مسار التزام واضح بمبادئها ومكوِّناتها، واستشعار قيمتها في إدارة سلوكه كونه يعيش في مجتمع لديه قواعد ثقافية وحضارية وقيمية تستند إلى أصول الدِّين ومبادئ الشرع وفضائل الأخلاق ومحاسن التصرفات.
لقد حفلت التشريعات العُمانية بالكثير من الموجهات والمرتكزات التي حددت حقوق الوافد والفرص والمميزات التي يحصل عليها جراء انضباطه والتزامه، كما أشارت إلى واجباته ومسؤولياته عبر مختلف أشكال التعبير التي أقرها القانون والصورة الإيجابية المعبرة عنها، فقد أفرد النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السُّلطاني رقم (6/2021) العديد من المواد التي تناولت هذا الجانب ومن بينها المادة (42) “يتمتع كل مقيم أو موجود في السلطنة بصفة قانونية بحماية شخصه وأملاكه طبقا للقانون، وعليه الالتزام بالتشريعات والقوانين المعمول بها، ومراعاة قِيَم المجتمع، واحترام تقاليده ومشاعره”، والمادة (٤٧) “احترام النظام الأساسي للدولة، والقوانين، والمراسيم والأوامر السُّلطانية، واللوائح، والقرارات الصادرة من السلطات العامة تنفيذا لها، ومراعاة النظام العام، واحترام الآداب العامة واجب على المواطنين والمقيمين والموجودين في السلطنة”. كما أورد قانون الجزاء العُماني الصادر بالمرسوم السُّلطاني رقم (7/2018)، في المادة (٢٩٤): يعاقب بالسجن مدَّة لا تقل عن شهر، ولا تزيد على (٣) ثلاثة أشهر، وبغرامة لا تقل عن (١٠٠) مائة ريال عُماني، ولا تزيد على (٣٠٠) ثلاثمائة ريال عُماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من: أ – ظهر في الطرق أو الأماكن العامة بطريقة تخدش الحياء العام أو تتنافى مع تقاليد وأعراف المجتمع. ومن جهته أشار قانون إقامة الأجانب الصادر بالمرسوم السُّلطاني رقم (16/95) في الفصل الثامن منه (المغادرة والإخراج والإبعاد من السلطنة): في المادة رقم (٣١): يجوز للمفتش العام أن يلغي إقامة الأجنبي، ويأمر بإبعاده من السلطنة في الأحــوال الآتية: 1ـ إذا قام بأي نشاط أو عمل من شأنه الإضرار بأمن السلطنة أو سلامتها أو تعريض كيانها السياسي أو الاقتصادي أو المالي للخطر، أو كان يخالف النظام العام أو الآداب. 2 -إذا قام بأي نشاط من شأنه إلحاق الضرر بمصالح السلطنة مع الدول الأخرى. ٣ -إذا كان منتميا أو مشايعًا لأي حزب غير مرغوب فيه. ٤ -إذا كان ممن حملوا السلاح في الداخل أو الخــــارج ضد القوات النظامية للسلطنة، أو ممن عملوا في صفوف أعدائها. 5- إذا لم تكن له وسيلة عيش ظاهرة ومشروعة. ويشمل قرار الإبعاد زوج الأجنبي وأولاده الأجانب المرافقين المكلف بإعالتهم. كذلك ورد في قانون السياحة الصادر بالمرسوم السُّلطاني رقم (33/2002) في المادة (٢٥): مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون الجزاء العُماني أو أي قانون آخر يعاقب: بغرامة لا تزيد على ثلاثة آلاف ريال، كل من يخالف أحكام المواد، ١٢ أو ١٥ أو ١٨ أو ١٩ من هذا القانون، أو يزاول أحد الأنشطة المقررة بهذه المواد بموجب ترخيص تم إلغاؤه، أو تم الحصول عليه بطريق الغش أو التزوير، أو مخالفة المنشأة لقواعد الآداب العامة أو النظام العام أو ارتكاب أعمال تضر بسمعة البلاد أو أمنها.
وعلى الرغم من أن البنية التشريعية في بناء السلوك العام للوافد (المقيم والسائح والزائر وغيره) جاءت واضحة المعالم، وتجسّد صورة متكاملة في التزامه بالقوانين واللوائح والأنظمة النافذة ومراعاته للقِيَم والمشاعر والأخلاقيات والآداب والذوق العام في مجتمع سلطنة عمان، سواء في أدائه لمهام عمله أو احترامه للمشاعر الدينية وقدسيتها والأنماط والعادات الاجتماعية والثقافية، أو في إيمانه بالمبادئ الإنسانية والأعراف الدولية التي تعمل بها السلطنة وتعكس خصوصيتها وتفردها، في إشارة إلى قِيَم الأمن والأمان وحقوق الإنسان والتسامح والتعايش والتعددية وعدم مصادرة الفكر، أو إثارة كل ما يؤدي إلى الفتنة أو الضرر بالآخرين أو الإشاعة أو غيرها مما يجرمه القانون، إلا أنها بصورتها الإجمالية ما زالت في سطور القوانين، إذ إن الكثير من الوافدين الذين دخلوا أراضي سلطنة عُمان لا يعلمون شيئا عن هذه المرتكزات والمفردات، أو طبيعة الجزاءات والعقوبات والضوابط والالتزامات التي تترتب عليها، وقد لا يكلف الوافد نفسه الاطلاع عليها نظرا لتشعبها في مواد القوانين والأنظمة السارية، ناهيك عن أنه في أغلب الأحيان لا توضح له من قبل الكفيل أو الجهة المشغلة له، أو كذلك من مكاتب السفر والسياحة والناقل الوطني، وبالتالي تصبح عملية ارتكابه بعض الممارسات التي اعتاد عليها في بلده ولم توضح له صورة التعاطي معها في سلطنة عُمان والعقوبات المترتبة عليها، ثغرات تتطلب خلق روح الانسجام والتناغم بين الوافد والسياق التشريعي الوطني للحدِّ من الوقوع في هذه الأخطاء أو المواقف أو غيرها.
على أن التعاطي مع هذه المواقف ورصدها وإيجاد مدونة قواعد السلوك العام للوافدين بحيث تصل إلى يد كل من أراد أن يزور سلطنة عُمان، سواء في أشكال تعبيرية مختلفة (كتيبات أو منشورات أو ملصقات أو وسائط متعددة وعبر برامح توعوية وتثقيفية وتوظيف للمنصَّات الاجتماعية) قادرة على تكوين فرص القراءة والمتابعة لها مع ترجمتها ونشرها بلغات مختلفة بين الوافدين، وعبر الترويج لها أيضا في مكاتب السفر والسياحة وسفارات السلطنة في دول العالم وفي المطارات والموانئ والمنافذ البحرية والبريد والجوية ووسائل النقل الأخرى بما يتيح لهذا الوافد فرصا إيجابية للاطلاع على الفرص والأرصدة المتحققة لسلطنة عُمان والصورة العامة التي يجب أن يكون عليها كل من زار سلطنة عُمان؛ لم يعد ترفا فكريا أو حالة مزاجيه بقدر ما أصبحت ضرورة وطنية في ظل بعض الممارسات التي يقوم بها بعض الوافدين والتي باتت تشوه صورة الأخلاق والقِيَم والمبادئ العُمانية في ظل ما تروج له منصَّات التواصل الاجتماعي من سلوكيات تتجاوز الأعراف والمشاعر المجتمعية والذوق العام. وكمثال على ذلك، صعود بعض الوافدين سارية العَلم العُماني في قلعة نزوى، أو تجاوز بعضهم للقوانين والأنظمة بعدم التزامهم باشتراطات الأمن والسلامة مما تسبب في حوادث السقوط والغرق المتكررة التي يقع فيها بعض الوافدين وأُسرهم.
من هنا فإن من شأن تبسيط هذه الموجهات وتطويعها واستيعابها في “مدونة السلوك العام للوافدين”، أحد الممكنات التي تعزز من تحقيق مستهدفات رؤية عُمان 2040 في محور الإنسان والمجتمع ومن خلال تأصيل منهجي للهُوية العُمانية وترقية مسارات تطبيقها وتبسيط إجراءات العمل بها، ضرورة تبرزها مؤشرات الواقع وتؤصلها قِيَم الوعي بمتطلبات الخصوصية العُمانية والقِيَم الوطنية، فمن جهة تُمثِّل جسر اتصال للتعريف بمنظومة القوانين والتشريعات النافذة، والسمات والموجهات التي تتميز بها سلطنة عُمان في ثبات السياسات ومصداقية المبادئ والتي تستدعي اليوم تعريف الوافدين بالضوابط التي عليهم الالتزام بها، وتصبح التعبيرات الفردية والجمعية التي تمارس قائمة على رفع درجة التناغم مع الخصوصية التي يعيشها المجتمع العُماني، وان هذا الفعل أو السلوك غير مرغوب فيه ويستقبحه المجتمع وتستهجنه البيئة العُمانية، سواء كان ما يتعلق بالظهور بلباس غير محتشم أو يثير الغرائز في الأماكن العامة، ليتعدى التزامه العالم الافتراضي وعبر الامتناع عن إثارة أي قضايا خلافية أو سياسية أو حزبية أو أمور جرَّمها الشارع العُماني، أو غيرها من السلوكيات التي تنطبق عليها المواد المشار إليها في القوانين سالفة الذكر، بحيث لا تفقده النزعة المادية والمكاسب التي جاء من أجلها إلى سلطنة عُمان، مسؤوليته في احترام مشاعر المجتمع، والمحافظة على مقدراته ومكتسباته، والانتماء لهذا الوطن ورموزه، ومراعاة العادات والثوابت الأصيلة.
أخيرا، فإن آلية تقديم هذه الموجهات السلوكية وتوفير الممكنات لوصولها إلى كل المستهدفين وتصحيح الصورة الذهنية العالقة لدى البعض حول الفرص والضوابط والحقوق والواجبات، والالتزام بتقديم هذه المدونة بأشكال تعبيرية وتنظيمية وإخبارية وتوعوية مختلف تتناسب مع مختلف الظروف والأحوال والمتغيرات والأزمنة والأمكنة من شأنه أن يعيد النظر في محتوى التقارير الدولية الواردة في شأن الاتجار بالبشر والأخطاء والأغلاط التي باتت تتداول حول حقوق العمال الوافدين بدون أي مسوغات أو مبررات أو إثباتات، ليؤدي وجود هذه المدونة إلى تكوين عقد وميثاق أخلاقي يحفظ حقوق الجميع، ويستدرك الاستحقاقات الدولية لسلطنة عُمان في ما اتخذته من تشريعات وإجراءات ثابتة فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل، وغيرها كثير، فإن التوقعات بأنه كلما زادت الجرعات التوعوية والتثقيفية وتصحيح المفاهيم واستيعاب أبجديات العمل الوطني، كان لذلك أثره في تقليل حجم التباينات المفتعلة حول مصداقية هذه التقارير والغايات المستهدفة منها.
د. رجب بن علي العويسي