نوثق اليوم ونحن امام الذكرة الخامسة بعد المائة اوعد بلفور، ونحن ما زلنا ايضا في فضاءات الذكرى الرابعة والسبعين للنكبة، ونوثق ايضاغدا ودائما للأجيال والمستقبل، وحتى تدفع بريطانيا ذات يوم الثمن:”هناك دَين تاريخي ضخم عابر للأجيال في ذمة السياسات البريطانية،لايمكن تصفيته أو نسيانه أو المسامحة به ، وإن تقادم عليه الزمن، فمجمل المآسي الكارثية الفلسطينية هي جراء السياسات الإستعماريةالبريطانية في القرن العشرين المنصرم، إن بريطانيا هي صانعة النكبة الفلسطينية، إنها هي المسؤولة ماضيا وحاضرا ومستقبلا عنعذابات الفلسطينيين ، ورحلة آلامهم التاريخية عبر اكثر من قرن من الزمن، منذ وعد بلفور عام 1917″ . فرغم زخم الاحداث والتطوراتالمتلاحقة في المشهد الفلسطيني العربي الشرق اوسطي، ورغم الاعباء الكبيرة التي يرزح تحتها الواقع الفلسطيني، ورغم النكبات المتصلةالتي تنصب على رؤوس الفلسطينيين منذ عام 48، ورغم كل التضحيات اليومية للشعب الفلسطيني التي من شانها ربما ان تشغل بالالجميع عما حصل في الماضي، الا اننا لا يمكننا ان نغفل اساس الهولوكوست الفلسطيني المفتوح، ولا يمكننا ان نغفل ذلك الدور البلفوريالبريطاني في صناعة الدولة الصهيونية والهولوكوست الفلسطيني..!، فنحن اليوم عمليا امام نحو:
105اعوام على وعد بلفور…!
85 عاما على توصيات بيل…!
75 على قرار التقسيم ومنح اليهود الوطن القومي…!
66 عاما على العدوان الثلاثي…!
55 على عدوان حزيران/67 وهزيمة العرب واحتلال ثلاثة اضعاف فلسطين المحتلة 48…!
ونحو 19 عشر عاما على العدوان الامريكي –البريطاني على العراق /2003/ ..!
تصوروا…!
وفي كل هذه المحطات الرئيسية الكبرى كان لبريطانيا دائما الدور المركزي في بناء وصناعة الاحداث والمشاريع والدول، ولعل اقامة“اسرائيل” على خراب فلسطين وتشريد اهلها في الشتات تبقى الكارثة الاكبر التي حلت بنا في ظل المؤامرة البريطانية –الصهيونية …!
لم تتوقف الحكومات البريطانية المتعاقبة على مدى اكثر من قرن من الزمن عن دعم وتعزيز وجود الدولة الصهيونية ، في الوقت الذي لمتتوقف فيه ابدا عن حبك المؤامرات وصناعة الاحداث في المنطقة لصالح تلك الدولة وعلى حساب الامة والعروبة …!، بل انه نحو قرن كامل منالدعم البريطاني لـ “إسرائيل”..!.
وتبدأ حكاية الغرام والعشق من قبل بريطانيا بالمشروع الصهيوني و”الوطن القومي لليهود” وب”إسرائيل” على نحو حميمي وعلى وجهالحصر في 1917، حينما اصدر وزير الخارجبة البريطاني جيمس آرثر بلفور يوم 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 تصريحا مكتوبا وجههباسم الحكومة البريطانية إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد (1868-1937)، يتعهد فيه بإنشاء “وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين”.
المؤرخ البريطاني لورد ارنولد توينبي الذي كتب موسوعة قصة التاريخ، لم يملك -كما يوثق لنا د.اسعد أبو شرخ وهو كاتب وأكاديميفلسطيني- “سوى أن يجرم بلده بريطانيا على ما اقترفته بحق الشعب الفلسطيني وتسليم وطنهم لقمه سائغة للحركةالصهيونية/15/5/2008 “. والسبب –يضيف ابو شرخ-في تجريم بريطانيا واتهامها بصراحة ووضوح وعلانية لأنها هي صاحبة وعد بلفورالذي يتبرأ منه تماماً مما جعله يشعر كمواطن إنجليزي “بالذنب وتبكيت الضمير على ما حل بالشعب الفلسطيني جراء هذا الوعد المشؤوم”.
الباحث مأمون كيوان وصف الوعد قائلا:” انه قصة 117 كلمة إنجليزية زورت تاريخ وجغرافيا الشرق الأوسط”. و”كان الوعد حاضرا /كمايوثق شفيق شقير في الجزيرة نت/11/2/2007/بعد ذلك في مؤتمر سان ريمو /1920 الذي منح فيه الحلفاء بريطانيا حق الانتداب علىفلسطين، وكان حاضرا ايضا في عصبة الأمم التي صادقت في يوليو/ تموز 1922 على صك إقرار الانتداب البريطاني، فالصك كانيتضمن في مقدمته نص تصريح وعد بلفور مع تخويل لبريطانيا بتنفيذ الوعد، كما كان الوعد حاضرا في دستور فلسطين الذي أصدرتهبريطانيا بعد أسبوعين من إقرار انتدابها أمميا، حيث ضمنت مقدمته نص تصريح وعد بلفور أيضا”.
وها هو ينقضي اليوم مائة وخمسة اعوام تقريبا على الوعد ولا تزال تداعياته النكبوية تلاحقنا، ذلك ان ذلك “الوطن القومي لليهود” وذلك“المشروع الصهيوني الاستيطاني الاحلالي”يشهد في هذه الايام ذروة تمدده السرطاني وذروة سطوه على الوطن الفلسطيني من نهره الىبحره…!، وبعد كل ذلك – ياتينا وزير الخارجية البريطاني الاسبق لشؤون الشرق الأوسط “كيم هاويلز”وبعد ستين عاما على النكبةواغتصاب فلسطين ليتخذ موقفا بريطانيا جديدا يواصل فيه خطى جريمة وعد بلفور للصهاينة حينما اعلن قائلا: ” أن حق اللاجئينالفلسطينيين في العودة إلى أماكن إقامة أجدادهم “غير منطقي”/ الخليج/2007/7/24″، مضيفا في مؤتمر صحافي عقده في عمان: “منالصعب جداً أن نحل مشكلة اللاجئين التي تراكمت منذ 60 عاماً، ويجب تقبل أن التاريخ يسير، وأنها أصبحت جزءاً من إسرائيل، ولن نرىعودة للعائلات بعد الاحتلال وهذا الحال حدث في العديد من الصراعات حول العالم”.
فهل هناك جريمة ابشع من هكذا جريمة بريطانية…؟!
فبعد ان تسببت وانتجت النكبة وقضية اللاجئين يأتي وزير خارجيتها وبعد اكثر من ستين عاما-حين تصريحاته- من النكبة ليعيد انتاجالمشهد والدور ..؟! فيا لها من جريمة لا تغتفر…!
وليس ذلك فحسب .!
فنحن بدورنا لا نبالغ بالتثبيت بداية وبالعنوان الكبير ان زخم الهجوم الأمريكي – الإسرائيلي المسعور على شطب حق العودة لملاييناللاجئين الفلسطينيين من كل الأجندات التفاوضية والسياسية الإقليمية والدولية يبلغ ذروة هستيرية لم يسبق لها مثيل في تاريخ الصراععلى الإطلاق.
فلسطينيا- كان شاعر فلسطين إبراهيم طوقان (1905-1941) خاطب المستعمرين الانجليز وما تسببوا به من ويلات وكوارث ألمت بفلسطينوالعرب قائلا: منذ احتللتم وشؤم العيش يرهقنا فقراً وجوعاً وإتعاساً وإفساداً بفضلكم قد طغى طوفانُ هجرتهم وكان وعداً تلقيناه إبعاداً .
ولكن شاعر فلسطين عبد الرحيم محمود يعاتب الفلسطينيين والعرب معا قائلا:
بلفور ما بلفور ماذا وعده لو لم يكن أفعالنا الإبرام
إنا بأيدينا جرحنا قلبنا وبنا إلينا جاءت الآلام
ونقول بدورنا: لم يكن “وعد بلفور” ليرى النور ويطبق على ارض الواقع في فلسطين لو تحملت الأمة والدول والأنظمة العربية حينئذمسؤولياتها القومية والتاريخية؟.
ولم تكن فلسطين لتضيع وتغتصب وتهوّد لو تصدى العرب للمشروع الصهيوني كما يجب، ولم تكن فلسطين لتتحول إلى “وطن قومي لليهود”لو ارتقى العرب إلى مستوى “الوعد والحدث”؟!! وما بين “بلفور آنذاك الى بوش واوباما اليوم” نقول: لم يكن “وعد بوش” ليرى النور لو لملمالعرب أنفسهم وارتقوا إلى مستوى الحدث والأخطار الداهمة الآتية عليهم من الجهات الأربع؟!! وما بين “الوعد البلفوري” و”الوعد البوشي”ثم”الوعد الترامبي” تجري عملية اغتيال الوطن الفلسطيني والحقوق الفلسطينية المشروعة الراسخة، ومقومات الاستقلال الفلسطيني، فيظل الصمت العربي الرهيب وفي ظل الفرجة العربية المذهلة، بل وتواطؤ بعض العرب….!
نواف الزرو