تُمثِّل الأعياد الوطنية كما وصفها باني نهضة عُمان المغفور له بإذن الله تعالى حضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ رمز عزَّة وكرامة، ووقفة تأمُّل وأمل للماضي والمستقبل ماذا فعلنا؟ وماذا سنفعل؟ وأن المهرجانات والاحتفالات والأفراح ما هي سوى نقطة استراحة والتقاط الأنفاس لمواصلة رحلة البناء الشاقة والانطلاق بالبلاد نحو الهدف المنشود..”؛ فإن الثامن عشر من نوفمبر اليوم الوطني لسلطنة عُمان، الحضارة والتاريخ والنهضة والإنسان يُمثِّل امتدادا تأريخيا أصيلا لمسيرة البناء والتطوير، ونهضة الإنسان التي شهدتها سلطنة عُمان منذ أكثر من خمسة عقود مضت، فكان بذلك جسر تواصل واتصال بين المشهد التاريخي والثقافي والحضاري النوعي بما خلده من إرث زاخر بعطائه وإنجازاته وبين رؤيتها الطموحة للغوص في أحلام المستقبل “رؤية عُمان 2040” في ترابط وتكامل بين الماضي التليد، والحاضر المشرق، والمستقبل الزاهر، محطة تأريخية ورؤية ملهمة كان إقرار العمل بها من مجدد النهضة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ خيارا استراتيجيا في معادلة البناء الوطني وتحقيق الطموحات المتعاظمة، وفاء لسلطان عُمان الراحل، وما قدمه في عهده الميمون من نموذج عظيم في بناء الدولة العُمانية المعاصرة، وأسطورة متفردة في العمل المخلص والأداء المجيد، واستشعارا للروح الوطنية المتفردة التي يحملها أبناء عُمان لهذا اليوم التاريخي الخالد والمشاعر الجياشة لسلطانهم الراحل، فكان استمرار هذا اليوم عيدا وطنيا للأمة العُمانية من أقصاها إلى أقصاها، محطة عظَّمت من الإرث القابوسي الخالد بكل تجلياته وفي مجالاته التاريخية والحضارية والإنسانية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية والفنية والأدبية، في تشكيل نواة المستقبل وبناء أطره واستراتيجياته ومنطلقا لإنتاج روح المواطنة المتجددة وأصولها المتجذرة في خلد كل عُماني عايش النهضة وأدرك ما تحقق للعُماني فيها، فلقد بدأت النهضة العُمانية من الصفر، وها هي الآن أرقام يفخر بها كل عُماني تعاون مع قيادته حتى أصبحت عُمان ملء السمع والبصر وحضن وحصن المواطن العُماني وكل من يعيش فيها أو يزورها، فإن الذي تحقق على الأرض العُمانية أقوى وأعلى صوتا من أي أقوال، وأن الذي أُنجز أروع وأصدق من أي كلام.
لقد رسمت رؤية جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم في اعتماد الثامن عشر من نوفمبر يوما وطنيا لسلطنة عُمان، تأكيدا للثوابت العُمانية، وترسيخا للأطر والنهج الحكيمة، وتأصيلا لفقه صناعة التوازنات في حياة العُماني، في ارتباط وثيق بماضيه وحاضره من أجل مستقبل يصنع الإنجاز دررا، ويبني فيه الإعجاز منهجا، ويرسم فيه خطوط اتصال وثيقة لا تلغي ثوابت الإنسان وقِيَمه ومبادئه بل تصبح مصدر فخر له يعكسها على واقعه وقراراته وقناعاته وحبه لوطنه، وإدراكا بأن نهضة عُمان المتجددة خيوط اتصال ممتدة مترابطة أركانها، متكاملة حلقاتها، متناغمة أبجدياتها، متفاعلة أجندتها، متناغمة مبادئها منسجمة أطرها تستقي من معين الدِّين والقِيَم والأخلاق والإرث والثقافة والفكر السَّامي طريق القوة ومنهج العمل ورسوخ النهج وثبات المبدأ، إيمانا بعُمان الأرض والدولة والإنسان، ووفاء للإرث التاريخي العظيم الذي خلده السُّلطان قابوس بن سعيد وولاء لمجدد النهضة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم، خريطة طريق متقنة البنيان، محكمة الأدوات، واضحة المعالم، مصونة الثوابت في بناء نهج المواطنة وحب الوطن، ونسج خيوط العمل الوطنية لتتناغم خلالها أشكال التعبير المختلفة معبرة عن صدق الولاء والانتماء التي يفيض بها المواطن حبا ووفاء للوطن وعرفانا لباني مسيرته المظفرة، لتصبح منسجمة مع الرؤية السَّامية، متناغمة مع هدف بناء الدولة، مستوعبة لمتطلبات النهضة واحتياجاتها، متفاعلة مع قِيَم الوعي والمسؤولية التي يجب أن يتحلى بها المواطن وهو يعبِّر عن مشاعره الصادقة في حب الوطن وجلالة السُّلطان، ويعمل بكل إخلاص نحو الدفع بجهود التنمية والتطوير كلٌّ في مجاله وحسب قدراته واستعداداته، وهي بما تحمله من صدق المشاعر ولطف المعاني وسُمو الكلمات ونبض العبارات وقوة التعبير وسلاسة البوح ودقة التنظيم في فنون تعبيرية متنوعة في الشعر والنثر والتراث المغنَّى والكتابة والقصائد الوطنية والأهازيج والفنون والرقصات الشعبية والفلكلور، محطة استراحة مواطن وفرصة للتعبير عن مكنونات هذا الحب، ليقرأ في الثامن عشر من نوفمبر منجزات الوطن، ويعيد خلاله إنتاجه في ظل قِيَم النهضة ومبادئها، والتحوُّلات الاقتصادية التي باتت تضع المواطن أمام مزيد من البحث والجدِّ والاجتهاد والإخلاص والمثابرة والتعلم والإخلاص والمسؤولية والتأمل التفكير في البحث عن كل ما يسهم في تعزيز الأمن الاقتصادي والغذائي، ودور الصناعة، والاستثمار في الموارد، وحضور الاقتصادات الواعدة، بما يتطلبه من تحوُّلات في وعي العُماني وتوظيف للفرص التعليمية والتدريبية والتأهيلية والتمكينية التي أتاحتها الدولة له، في رسم ملامح المرحلة وخلق الفرص الداعمة لصناعة الفارق، وأن يصنع من إنجازاته المستمرة ومبادراته الجادة وتفوُّقه المتواصل، وإنجازاته المبهرة على المستوى الدوالي والإقليمي، مرحلة جديدة في العمل الوطني المخلص والأداء الراقي والنماذج الواعدة ليعبِّر خلالها عن ملحمة وفاء خالدة من أجل الوطن، ويؤسِّس لسلوك رشيد يصنع من هذه المنجزات ولاء والتزاما نحو عُمان.
إنَّ سلطنة عُمان وهي تحتفل بمنجزات الثامن عشر من نوفمبر لعيدها الثاني والخمسين من نهضتها المتجددة، بقيادة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ وهو يسير بها في شموخ وعزة، وتقدم وازدهار، في أشرعة عطاء ممتدة، ومنهجيات عمل تبني وتعمر، وتنتج وتعطي، وقد تحقق على أرضها المعطاءة من منجزات خالدة في كل المجالات، ما يفوق الوصف ويبهر الناظر، ويقف المتأمل منها وقفة إعجاب واستشعار بما وصلت إليه من تطور وما حققته من تقدم، حاملة رسالة السلام والتنمية، وداعية العالم أجمع إلى بذل قصارى الجهد لبناء فضاء كوني يسوده الأمن ويعيش مواطنيه حياة الاستقرار. لقد حرص جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ كل الحرص على الانتقال بعُمان إلى حيث الطموح الذي أراده لها سلطانها الراحل، وحيث اتجهت طموحات وآمال أبناء عُمان، فبناء الوطن يتطلب تعاون الحكومة والشَّعب، والقطاع الحكومي والخاص، والرجل والمرأة، والشباب والصغار والكبار، وقد أكد في أكثر من مرة على الدور المنوط بأجهزة الدولة العسكرية والأمنية والمدنية ومؤسسات المجتمع المدني في تحقيق غايات الوطن ومستهدفات رؤيته التنموية، وأعطت النهضة العُمانية الحديثة الفرصة أمام القطاع الخاص للقيام بدوره الوطني، والإسهام في الجهود الوطنية في مختلف المجالات بما في ذلك إيجاد المزيد من فرص العمل وارتياد مجالات الاستثمار في قطاعات مختلفة.
أخيرا، وفي حين أثمر حشد الطاقات الوطنية والفهم المشترك في تحقيق ما تعيشه عُمان وأبنائها من تقدم وازدهار، فإن على أبناء عُمان اليوم وبناتها، أن يضعوا هذه الموجهات التي رسمها جلالة السُّلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ في تعبيرهم عن حب عُمان وعطائهم غير المحدود من أجل الوطن، منطلقا يحفظ لسلطنة عُمان موقعها الريادي وهُويتها الوطنية وخصوصيتها التي تفردت بها بين العالمين، في مصداقية المبادئ وثباتها، وحكمة السياسة ودبلوماسيتها، ونهضة الإنسان وتنميته، فيحافظ خلاله على قِيَمه ومبادئه وأخلاقياته، ويعكس نموذجا راقيا في صدق تعبيره عن حبه لعُمان، متجاوزا حالة الإعجاب الوقتية إلى أصالة حس الوطني في ذاته، وصدق الشعور في ممارساته، وهو يحمل رسالة عُمان: الأمن والسلام والتعايش، أينما ارتحل وحيثما استقر.
د. رجب بن علي العويسي