صدم المجتمع العُماني بحوادث قتل راحت ضحيتها نساء للآسف خلال الأيام الماضية بنحو غير معتاد وغير مالوف وغير معروف وغير موجودفي سلوكياتنا منذ أن وجد الإنسان العُماني على ظهر البسيطة ، ومؤلم حتى نياط القلب أن تكتسي هذه الحوادث بذلك القدر غير المسبوقمن العنف والبشاعة والضراوة وفي وضح النهار وأمام مقرات العدالة وعلى الملأ وفي الشارع العام .
كأن هناك شيطان رجيم جاء خصيصا ليوسوس لأولئك بأن هذا هو طريق الفلاح وإنه طريق النجاة وإنه طريق الإنعتاق من وساوس النفسالأمارة بالسؤ ، تلك هي الغفلة ، غفلة العمر ، وخسران الدنيا والأخرة معا ، فالمسألة برمتها لخصها لنا رب العزة في سورة الحشر عندما قالجل من قائل :
(كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) .. صدق الله العظيم .
هذه الحوادث أو الوقائع التي هزت المجتمع العُماني بنحو غير مسبوق ولأن الظاهرة جديدة كليا كما أشرنا فإن الأمر يتطلب دراسات متعمقةلهذه الظاهرة للوقوف على أسبابها ومسبباتها وإيجاد السبل الكفيلة بحماية النساء نصفنا الأغلى والأعلى ، فما يصيبهن من سؤ يصيبنافي مقتل إذ لا تستقيم الحياة بدونهن ولا تقوم للأسرة والعائلة قائمة وهن يتعرضن لهذا البغي المبين ، وإذ أنفرط عقد العائلة ذلك يعنى أنعلى المجتمع السلام من هنا تكمن خطورة الظاهرة وهي تمثل تهديدا وجوديا للإستقرار المجتمعي والذي تقوم أعمدة الوطن على إكتافه .
لابد والأمر كذلك من تغليظ وتشديد العقوبات على المجرمين الذين يعتدون بغير وجه حق على نصف المجتمع ، ومع التغليظ والتشديد لابد منالإسراع في إصدار الأحكام والإسراع في تنفيذها عيانا جهارا نهارا تماما كما إرتكبوها جهارا نهارا ، فالردع وحده هو الكفيل بإجتثاثالظاهرة من الوجود ، وليعود مجتمعنا كما كان أبد الدهر واحة للسلام والأمان والطمأنينة .
في الواقع أن مثل هّذه الأخبار والحوادث المؤسفة والمزعجة للفرد والمجتمع كنا نسمع عنها في المجتمعات الأخرى المنسلخة عن القيم الدينيةوالأخلاقية وكما نشاهدها في الأفلام الأجنبية وبإعتبار أن تلك المجتمعات لاتحكمها الضوابط السلوكية المستمدة من القرآن الكريم وإذ هيأصلا مجتمعات غير إسلامية ولاتعترف بالمكانة الرفيعة للمرأة في المجتمع كما حددها لنا رب العزة في كتابة الكريم .
على ذلك فإن إمتهان كرامة المرأة وإستباحة دمها هي جرائم تحدث لديهم على مدار الساعة ، ولكن كون أن تقفز تلك الظاهرة وتجتاز الحدودوتدلف لبلادنا فهذا أمر لايمكن قبوله باي حال من الأحوال ، فهل ياترى أضمحلال حجم كوكب الأرض وقد أمسى بحجم كرة التنس عبرتقنيات التواصل الإجتماعي أثرت بنحو سلبي على سلوكيات بعض ضعاف الإيمان فحولتهم إلى مجرمين كأولئك ؟..
ثم هل ياترى لدينا تقصير في مكان ما بشأن تحصين مواطنينا من تلك السلوكيات الإجرامية العابرة ، وهل مساجدنا وجوامعنا مقصرة فيتقديم المواعظ الدينية تحجيما وتصفيرا للسلوكيات الإجرامية عابرة الحدود ، وهل إعلامنا بشتى صورة وأشكاله مقصر في هذا الشأن ، كلهاأسئلة وعلامات إستفهام دارت بخلدي وأنا أقف مشدوها حائرا أمام هذه الظاهرة فادحة العواقب ، وكلها أسئلة لابد من أن تجد حظها منالدراسة والتفنيد لنصل للأبعاد الغائرة لهذا الأمر الخطير .
الألم كله تجسد أمام أعيننا وأنهمرت دموع الأسى والحسرة على الخدود والوجنات إذ لم يمر وقت يذكر على مقتل المحامية امل العبرية أمامقصر العدالة ، إلا وتسقط على رؤوسنا صاعقة مقتل ابتسام المقرشية في الشارع العام في ولاية عبري بمحافظة الظاهرة ، حدث ما حدثوالقرآن الكريم أصلا أوضح وفصل وبين مصيبة قتل النفس البشرية بغير وجه حق ، ويبدو أن القتلة أبتعدوا كثيرا من قوله تعالى في سورةالمائدة :
(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) .. صدق الله العظيم .
أما كارثة ومصيبة العقاب والحساب فقد حددها رب العزة بجلاء في سورة النساء بقوله تعالي :
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) .. صدق الله العظيم .
فأين المفر من جهنم التي سيخلد فيها القاتل ، الف عام ألفين ثلاثة آلاف عام في جهنم ، فالخلود فيها مفتوح فمن يقوى عليه ، ونحسب بأنالمجرمين لم يتدبروا هذه الآية أبدا ، ولو إستوعبوها فعلا لما فكر أحد منهم في إرتكاب هكذا جرم ناهيك عن إرتكابة ، إذن الكارثة تكمن فيإبتعادهم عن كتاب الله والعياذ بالله .
نامل بل يجب وفي ظل هذه الحوادث المتعمدة أن يُعاد النظر في جريمة القتل المتعمد التي تحكم بالمؤبد إلى الإعدام انطلاقا وإرتكازا منقوله تعالى في سورة البقرة :
وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) .. صدق الله العظيم ، عندها فقط ستقع الأمنة ، وهذاوعد الله في هذه الآيةالكريمة ، وما بعد كلام الله لاكلام يقال ..
علي بن راشد المطاعني